الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي ||
قال تعالى: ((إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)) الاسراء 9.
لست أعلم كتابا أفضل من القرآن الكريم بوصفه هاديًا ونذيرًا, فهو الدستور الذي سار بهديه الاسلام والمسلمون وكثير من غير المسلمين أيضًا من الذين أيقنوا النجاة باتباعه على الرغم من أنهم لا يعتقدون بكونه من الله تعالى؛ ليكون منهجا لمن أراد السلامة والسعادة؛ إذ يتكفل بحفظ الحقوق ونشر الحريات ورسم مسارات الوصول إلى مجتمع يسود فيه الاحترام والصلاح بالنسبة للفرد والجماعات.
وتوالت الدراسات العربية والاسلامية؛ بل وغيرهما ممن تفننوا في فتح قنوات البحث في المجالات المختلفة المتعلقة بهذا الكتاب العظيم, فمنهم من صبَّ جهده في البحث عن نقصه ومتناقضاته فوصل إلى حدِّ الاستسلام بعد أن تفاجئ بما فيه من الاعجاز والبلاغة التي أعجزت العرب أهل الفصاحة والبلاغة, ومن الباحثين من بذل جهدًا كبيرًا في بيان علوم القرآن واستنطاق خطاباته حتى بلغ مراتب من المعرفة والدراية وفُتح له أبواب الخير باتباعه أدوات القرآن فتيسر له غيره, ومن الباحثين من لازم الخطاب القرآني موقنا بأنَّ هذا الخطاب كلام الله تعالى فحاول الوقوف على تحليله موقنا أنَّ فيه كنوز العلم والمعرفة التي من شأنهما أن يعملان على إصلاح الفرد والمجتمع وبناء كيان رصيد له القدرة على مواجهة تحديات العصور بوصف القرآن يتلائم مع كل عصر وزمان ولا يتقاطع من تطورات البيئة ولوازم الانسان المتجددة بسبب تقدُّمه ووصوله إلى بعض مراتب العلم والمعرفة.
وعلى الرغم مما في القرآن ودراسته والبحث في آياته من لذة معرفية ووصول علميًّ إلا أن القرآن كان ولا يزال موضعا للتهجم من قبل الشواذ الذين يندفعون إلى محاربته بالوسائل المختلفة؛ إذ ثبت أنَّ عصر نزول القرآن شهد محاولات لتغيير آياته والطعن في بعضها أو محاولة تشويهها كما ذهب مسيلمة الكذاب وغيره من السفهاء؛ ولم يتوقف عند هذا الحدِّ بل عمد المتوكل العباسي إلى تمزيق القرآن الكريم وضربه والتهجم عليه بعد أن قرأ فيه بعض آيات الوعيد فقال:
تُهَدِّدُنِي بِجَبَّارٍ عَنِيدٍ ... فَهَا أَنَا ذَاكَ جَبَّارٌ عَنِيدُ
إِذَا مَا جِئْتَ رَبَّكَ يَوْمَ حَشْرٍ ... فَقُلْ يَا رَبِّ مَزَّقَنِي الْوَلِيدُ
والله تعالى لم يمهله كثيرًا بعد ذلك فقُتل مخزيا إلى جهنم وساءت مصيرًا, ومحاولات التعرض لكتاب الله كثيرة؛ بل لعلها أكثر مما تعرضت لها العترة المظلومة؛ إذ حاولوا تغيير بعض الكلمات والآيات في كتاب الله تعالى ولم يفلحوا فقد تكفل الله بحفظ كتابه, ولمّا يئسوا عمدوا إلى تأويل خطاباته في غير محلها محاولة منهم لإبعاد القرآن عن أهله وتكفَّل بذلك عددٌ لا يستهان به من المفسرين من وعاظ السلاطين الذين عمدوا إلى عرض آرائهم في مواجهة رأي المعصوم (عليه السلام) في تفسير وتأويل القرآن الكريم حتى وصل بهم الأمر إلى التشكيك في قول المعصوم ومحاربته من أجل مغانم دنيوية كما في تفسيرهم لآيات الولاية والإمامة وغيرهما مما يمكن أن يكون سببا لسعادة الناس وخلاصهم.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل سعى جمهور من الباحثين إلى محاربة القرآن الكريم يتحريف مواضع الوقف فيه أو الابتداء, فقد عمدوا إلى استحداث علامات ودلالات ساقوها وألزموا القراء باتباعها حتى صار منهجا عند القرآن يلتزمون هذه العلامات والرموز وكأنها مقدسة في القرآن الكريم أو هي من أجزائها؛ لذلك أصبح الالتزام بها سنَّة معهودة مع العلم أنَّ فيها علامات سياسية مقصودة لتحريف الخطاب القرآن عن مواضعه, وهذه المحاولات المتعدِّدة فتحت المجال أمام غيرهم من السفهاء الذين يعتقدون أن التعرض لهذا الكتاب بات سهلا مستساغا غافلين عن قدرة الله تعالى الذي يمهل ولا يهمل.
إنَّ المحاولات المتكررة للتعرض إلى القرآن الكريم في العصر الحديث من قبل من يجهلون مكانته تدفعه مآرب صهيونية ومنظمات دولية لها أهدافها الخبيثة في استهداف السلم العالمي والأمن الدولي, وهذا يستلزم عملا جماعيًا من العرب والمسلمين بشكل أخص ومن كل أحرار العالم الذين يؤمنون بمكانة المقدسات وأثرها في بناء الفرد والجماعة الصالحة, والوقوف بوجه هؤلاء أصبح لزاما بمستوياتها الممكنة فهذا منكرٌ كبيرٌ وعلينا إنكاره بالقلب واللسان وغيرهما مع التمكن, وبات من الضروري وقوف كل عشاق القرآن الكريم بوجه هذه المؤامرات الدنيئة التي يتعرض لها القرآن الكريم, وينبغي الاعلان عن المواقف الجماعية في ردِّ الذين يتعرضون له؛ فالقرآن ليس عراقيًا أو شيعيًا لينفرد بذلك العراق أو الشيعة؛ لذلك ننتظر موقفا جماعيا من المسلمين شعوبا وحكومات ضد الفاسد ومن يقف خلفه من الدُّول.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha