عباس العنبوري ||
كان ذلك في العام ٢٠١٤. يومها كنت في بواكير عملي مستشاراً سياسياً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي. اذ حضرت اجتماعاً ضم رئيس اللجنة في حينها الشيخ حسن شويرد الحمداني ومسؤول القسم السياسي في بعثة الامم المتحدة الخاصة بالعراق UNAMI السيد مانوج ماثيو وهو شخصية عارفة بتعقيدات الوضع السياسي العراقي وتفاصيله بحكم عمله الطويل في البعثة. كان الحوار عميقاً في موضوعات سياسية مختلفة، الا ان اكثر ما لفت انتباهي، حينما رفع السيد ماثيو قنينة الماء ليشرب، وقال: قد يكون الماء يوماً سبباً لأزمة كبيرة تلهيكم عن كل ازماتكم السياسية، وان المرجعية الدينية حذرت بعثة الامم المتحدة من خطورة هذا الملف اكثر من مرة في لقاءاتها مع ممثل الامين العام، وسألته عن دور الامم المتحدة في هذا الملف الخطير!
بدأنا في حينها في اللجنة بعقد عدة اجتماعات حول موضوع المياه آخذين بنظر الاعتبار تعقيدات الملف مع الجارتين تركيا وإيران. وان لجنة العلاقات لا تعد اللجنة القطاعية الرئيسية في في مقابل لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب. الا اننا حاولنا الوسع، وبذلنا غاية المجهود.
ومرت سنينَ وانا اتابع ذلك الملف بكل ما فيه من خطورة على حياة المواطن والاجيال القادمة. وما له من تماس مباشر مع مستقبل البيئة والحضارة في بلاد الرافدين، ارض السواد!
حتى وصلت بي آخر محطات العمل الى زيارة رسمية لألمانيا ضمت عدداً من النواب والمستشارين، فضلاً عن وكيل وزير الخارجية الصديق الدكتور هشام العلوي.
وقد كان ملف المياه والتغيرات المناخية التي يعد العراق فيها الاكثر تأثراً واحداً من اهم الملفات التي طرحت في الاجتماعات الرسمية. والحق يقال: فقد كانت اجوبةُ الوفد مقنعةً رغم فقداننا لعنصر التخصص. ومع تكرار تحذيرات وتسائلات نظرائنا من الجانب الالماني، عدت للتفكير في التحرك لاثارة هذا الموضوع من موقعي كرئيس لمركز دراسات، ومسترجعاً بذلك ذاكرتي في كلام السيد ماثيو وتحذيرات المرجعية قبل ما يزيد على العشر سنوات، رغم ثقتي بكفاءة الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات كمؤسسة بحر العلوم ومشروعها الاهم (ضمأ العراق).
بدأت بتصفح البيانات ومراجعة معلوماتي الاولية حول الموضوع، فعراقنا الحبيب يعد البلد الاكثر تأثراً بالتغيرات المناخية في العالم بحسب ما اعلنته منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو).كما يعد جفاف الاهوار ( وهي من العلامات الجغرافية والبيئية والاجتماعية المهمة في جنوب العراق). اقول: يعد جفافها واحداً من اهم المخاطر البيئية والحضارية التي تواجه العراق. اذ بلغ معدل نزول منسوب المياه فيها نصف سنتمر يومياً وبذلك فقد وصل مستوى المياه بعد ان كان 200 سنتمراً في العام 2019 الى حوالي 20 سنتمراً هذه السنة. وبذلك فقد جفت حوالي 90% من اهوار العراق. ويتوقع خبراء ومختصون بان الاهوار ستجف تماماً في نهاية العام 2023. وبذلك سنطوي صفحة مهمة من صفحات لائحة التراث العالمي التي تم تسجيلها في منظمة اليونسكو في العام 2019. تخيلوا ذلك!
عدت الى الصفحة الرسمية لوزارة الموارد المائية لقراءة اخبارها ونشاطاتها، ومشاهدة لقاءات معالي وزير الموارد السيد عون ذياب. الشخصية المسلكية في الوزارة، والتي تسنمت العديد من المناصب في الوزارة قبل استيزاره، فلم اجد سوى تناقضات!
اذ يبدو ان وزيرنا الذي يعلن زيادة تدفقات المياه بواقع 500 م3 وان هناك "خزيناً هائلاً من المياه" كما يذكر الموقع الرسمي للوزارة يوم 16/8/2013 لم يرَ عشرات الصور التي نشرها ناشطون في شؤون البيئة لجفاف مياه الاهوار!
وهو في ذاته يبسط من خطورة تلوث المياه بسبب القاء مياه المجاري فيها بالاعتماد على القدرة الالهية في تنظيف المياه لنفسها، ثم يردف قائلاً: سنقوم بدراسة الموضوع والبحث عن معالجات! متى؟ بعد ما يقرب من العام على استيزاره؟! لا زلت تفكر بان تقوم بدراسة الموضوع يا معالي الوزير؟! جاء ذلك في لقاء متلفز على قناة الحدث في شهر حزيران الماضي.
ومرةً اخرى، استرجعت ذاكرتي. فرجل دين يعيش في بيت مستأجر في النجف يستقرأ خطورة المستقبل في ملف المياه قبل وزيرنا المختص!
https://telegram.me/buratha