الشيخ محمد الربيعي ||
كثيرا ما يطرح السؤال هل تتناسب الخيانة طرديا مع الايمان ؟
ام تناسبها عكسي تماما ؟
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} ـ إذا كنتم مؤمنين ـــ هذا هو إيحاء النّداء {لاَ تَخُونُواْ الله}. وخيانة الله معصيته، وخيانته الانحراف عن خطّه، وخيانته موالاة أعدائه ومعاداة أوليائه، وخيانةُ الله هي العمل مع الحركة التي تقوّي الكفر وتضعف الإسلام...
{وَالرَّسُولَ}. وخيانة الرّسول تتمثّل في عصيانه فيما بلّغه عن الله، وفيما شرّعه بأمر من الله، وفيما أوصى به، وفيما خطَّط له، وفي الأمانة التي وضعها بين أيدينا، وهي أمانة الإسلام، بأن نكون الدّعاة إليه بعد انتقاله إلى رحاب ربّه، وأن نكون العاملين من أجله والمجاهدين في سبيله، وأن لا يضعف الإسلام أمامنا ونحن في حالة الاسترخاء، بل أن يكون الإسلام مسؤوليّتنا في عقيدته بأن نحمي عقيدته، وفي شريعته بأنْ نعمل على تركيزها في حياتنا العامّة والخاصّة، وفي كلّ أهدافه فيما يريد الله للحياة أن تقوم على العدل، وعلى الحريّة، وعلى العزّة والكرامة.
{وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ}[الأنفال: 27]. وللنّاس أمانات بعضهم مع بعض، فكلّ عقد من العقود في أيّ شأن من الشّؤون الماليّة أو الزوجيّة أو في الشؤون السياسيّة، أيّ عقد بينك وبين إنسان آخر، إذا كان مستجمعاً للشروط الشرعيّة، فإنّه أمانة الله عندك، وأمانة النّاس عندك.
أمانة الله عندك، لأنّه تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1]، {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}[النّحل: 91]، وأمانة الناس عندك، لأنّ أي إنسان التزم معك والتزمت معه بأنْ أعطيته كلمتك وأعطاك كلمته، فلا تنقض عهدك إذا أضاع الإنسان وثيقة العقد الّذي بينك وبينه، ولا تنكر دَينَه إذا أضاع السند الذي كتبت له الدَّين فيه.
وهكذا، إذا عقدْتَ على امرأة من دون أن تسجّل ذلك العقد بطريقة رسميّة، فلا تنكر عقدك معها إذا اصطدمت ببعض المشاكل، فالعقد التزام، والالتزام أمانة، وعليك أن لا تخون أمانتك؛ أمانة النّاس عندك، فإذا لم تفِ بالعقود الّتي عقدتها مع النّاس، فأنت خائن لأمانات الناس.
ثمّ إنّ السرّ أمانة، فإذا أودع الإنسان عندك سرّاً، أيّ سرّ كان، فإنّك إذا أفشيته كنت خائناً لأمانة أخيك، وربّما كانت أمانة السرّ أكثر خطورةً من أمانة المال، لأنّ سرّ الإنسان قد يقتله إذا افتضح، ولا سيّما إذا أعطي السرّ للظّالم، وهنا تأتي مسألة أن يكون الإنسان مخبراً للظّالم أو جاسوساً للمستكبرين؛ إنّه بذلك يكون خائناً لأخيه ولله ورسوله.
لذلك، حذارِ حذار من أن يكون الإنسان عيناً أو جاسوساً للكافرين والظّالمين والمستكبرين من أعداء الله ورسوله، لأنّه يخون الله ورسوله في المواقع الكبرى أو المواقع الصّغرى، ونحن نقرأ في الحديث المأثور عن أئمّة أهل البيت (ع): "يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك، فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ، إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه، فنقلت حتى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه" . فكلمتك هي الرصاصة التي أصابت قلب هذا الإنسان.. فقد تكون الكلمة أنفذ من الرّصاص. لذلك، حاذروا أن تتحدّثوا عن أسرار الناس، سواءً كانت حديثاً مجّانياً، أو لحساب أيّ جهة من الجهات.
وهكذا في خيانة المال، فليس لك أن تخون المال إذا أودعه إنسان عندك حتى لو خانك، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع)، وقد سأله سليمان بن خالد: رجل وقع لي عنده مال وكابرني عليه وحلف، ثم وقع له عندي مال، فآخذه مكان مالي الذي أخذه وأجحده وأحلف عليه كما صنع؟ فقال (ع): "إن خانك فلا تخنه، فلا تدخل فيما عبته عليه" . هب أنّه خانك، ولكنّه ائتمنك على ماله وقبلت أمانته، وما دمت قد قبلت أمانته، فعليك أن تؤدّي إليه أمانته حتى لو كان خائناً، لأنك إذا خنته فأنتَ مثله، والمؤمن لا يخون...
لذلك، فمسألة الأمانة حاسمة وخطيرة، فهناك أيضاً أمانات الأمّة عليك، لأنَّ عليّاً (ع) يقول: "أعظم الخيانة خيانة الأُمّة" ، وخيانة الأمّة تحصل بالفتنة بين أفراد الأمّة، ولا سيّما في الأوضاع التي تعيش فيها الأمّة أخطر أزماتها، عندما تتحرّك لتثير مشكلة تخلق فتنة، ولتطرح موضوعاً يشعل حرباً، ولتجعل الواقع يخوض في أمور هامشيّة لا تمثّل قضايا المصير، فيما العدوّ يدقّ الباب ليدخل أرضك وبيتك، ويثير الزلزال ليزلزل الأرض من تحت أقدامك.إنّ كلّ مثير للفتنة خائن للأُمّة، وهي أعظم الخيانة، لأنّ هناك فرقاً بين أن تخون شخصاً وبين أن تخون أُمّة، أو بين أن تخون شخصاً في مالٍ تأخذه منه، وبين أن تخون أمَّة في حرية تسلبها، وفي ذلّ تفرضه عليها، وفي ضعف يحلّ بها.
اللهم احفظ الاسلام واهله
اللهم احفظ العراق و شعبه
https://telegram.me/buratha