-كوثر العزاوي-
وانبرَت للذکرى شجون، جعلتني ابحث في بحور الكلام عن جواهرَ أرتّبُ فيها قافيتي وبضعَ سطور، بمعانٍ ومَبانٍ ترسمُ لكما صورَ الحنين والولاءِ مَواخِرَ تجري في يَمِّ عظمتِكما -قاسم وجمال- كأنّي أُبصِرُ حكاية رحيلكما كما أراها في زماننا، فيتمثّل أمامي ذاتَ المخطّط الغادر وخيانة الأمة يوم غَدَرتْ بعليّ "عليه السلام" فتضُجُّ روحي ويضُجُّ الكونَ بالنحيب، وتنبري الذكرى تلحّ على قلوبٍ نَزفَت آهاتٍ وغزيرَ الدموع مع التسبيح، تُرتّل آيات الشجُون، عمّ يتساءَلون! يالهولِ ماتُخبِرون!، إنهُ واللهِ نَبأٌ عظيم! دويٌّ عويلٌ صريرٌ على تخومِ بغداد ومشارفَ المطار، تُرى ماذا يجري في هدأة الليل وقرآن الفجر يَتلُون، ومِن المآذنِ يُعلنون!! قُتلَ القائدَين بضربة من غادرٍ خؤون!..تسابَقَ الجميع يصرخون، وكلُّهم محدِّقًا بالمشهد المُريع، عجلات تحترق، أشلاءٌ هنا وهناك مقطّعةٌ كاللؤلؤ المنثور، وثمّة كفّ دلَّنا عليها بريق عقيقٍ كأنها قطعةٌ من نور العباس تلمَعُ على ضفة العلقميّ!!!
وانجلَت الغُبرة وأسفرَ الصبح حزين.. سكَنَ الضجيج..ولم يهدأ الأنين!
ولَعمري كأنّ حريقَ قلوبِنا آنذاك أشدّ احتراقًا من مَعالم الطريق وماجرى! وكأنّي بكلّ شيء يصرخُ باهتياج وانفعال، إشهد يا "عليّ ياأمير المؤمنين" بأنّ جرحَك مازال فينا نازفٌ، وقوافلَ الشهداء ترتقي بمختلفِ محاريبَ العشق..بالأمس نخلةُ ميثم التمّار، واليومَ مِقصلةُ محمدٍ باقر الصدر وأنصاره، مقاصلَ هناك، ومحاريبَ فوقَ السواتر هنا وفي سوح القتال، ويالهفي لأجسادِ القادة العشاق تذْروها رياحُ الغدرِ في عَتمة الليل، وفي وَضَحِ النهار!! ويا لوَجعِ الذكرى وفجيعةِ الأمة،
يومَ طفِقَت روحَيْهما تعلو كطائرينِ حَلَّقا مع الدُّخان في فضاء الله، إذ حَمَلا على جناح البذلِ تضحياتٍ نَهلَت مِن ينبوع العزةِ والكرامةِ ماءًا غدَقًا، يجري في موجٍ، كروحين -قاسم وجمال- ليغرسَا على ضفاف التاريخ الغرس الطيّب والزرع الصالح ومآثرَ الأحرار، أولئك الذين انحنَتْ على عتبة ذِكراهُما الهامات، وركعتْ عند جزيلِ عطائهما القامات، ولكن!! أنّى لصبرِ المحبّين لاينزفُ ألمًا؟! وأنّى لِجَلَدِ الصامدين لايتحطّم وذكرى مصابِهما كضِرامِ النار لايخبو أوارها، وخطْبٌ لا يُواريهِ تقادمُ الأيام ولا الأزمان!! فكان السَحَرُ وسيبقى شاهدًا على الغدر، كما صار مطيّةُ عروج العشاق، وبراقٌ حثيثٌ صوبَ الملكوت، ليستقرَّ في مقعدِ صِدقٍ عند مليكٍ مُقتَدِر.
https://telegram.me/buratha