بقلم بـدر جاسم
يتجلى الإبداع الإلهي في خلق الإنسان، وتكريمه بسجود ملائكته له وجعله خليفة له في الأرض كأعلى مراتب التكريم والعطاء الإلهي اللامحدود لهذا الإنسان، ذلك المخلوق الذي بإمكانه ان يكون هو ( حينما يتعلق الامر بطاعة الله ) ويكون نقيضه أي نقيض نفسه وكينونتها حينما يتعلق الأمر بإطاعة الشيطان، وعلى ذلك فمن الطبيعي جداً أن يختلف تعامله وفق ثقافة حضارته التي ينشأ ويتربى بها، وهنا يكون الامتحان والاختبار لقيمته التي منحها الله سبحانه له، وبين من يتخذها حاجة لإشباع رغباته.
فالحضارة المعنوية التي تؤمن بالله تعالى تجعله ( أي الإنسان ) محوراً في أي عملية ولا كفةً ترجح عليه، ولهذا أكد الدين الاسلامي على احترام حرمة الإنسان كمخلوق لله تعالى وحسب مايقدمه من عطاء ومدى إلتزامه بماهو مطلوب منه، كذلك الأديان السماوية قبل التحريف، وعلى مدى التأريخ ولا وسيلة للوصول إلى الربح المادي، وخير صورة لهذا الحضارة المعنوية، ما قامت به حماس مع الرهائن الصهاينة، من تعامل يعكس الثقافة الإسلامية، فلم يتعرضوا إلى أي تعذيب أو تجويع، حتى الدواء وفروه لهم، رغم كل ما تعرض له الفلسطينيين من قتل، وترويع إلا أن إيمانهم كان حاضراً، فلم يؤذوا أسيراً، حتى بان ذلك حينما سلمهم الفلسطينيين إلى الكيان الإسرائيلي، فلا يعقل أن يلوح الأسير بالوداع، ما لم يتعامل بما لا يتصوره من إنسانية.
أما بالنسبة للحضارة المادية التي يتبناها الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، فإنها تنظر إلى الإنسان من الزاوية الاقتصادية البحتة ( كآلة عمل ) ، فكل شيء قابل للبيع والشراء ، حتى المخدرات قد قننت وأصبحت مرخصة في تلك البلدان، فلا ضير بتدمير الإنسان، وضياع صحته ومستقبله، في مقابل جَنيّ المزيد من الارباح، كذلك أصبح المرضى سلعة بيد الشركات الدوائية، هذا في بلدانهم، أما في خارج تلك البلدان، فمن السهل أن يقتل شعب بأكمله، لأجل حقول النفط والغاز مثلاً، هكذا حضارات مادية قوضت كل القيم الإنسانية واستبدلتها بالاقتصاد، إن من يهتم بالاقتصاد، ويتجاهل الإنسان لابد وأن يسقط ذات يوم، وما تركيز الحضارة المادية على سير سُفنَ وبواخر الشحن في البحر الاحمر بأمان، في قبالة تجاهل المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني الأعزل إلا مثال صارخ على فساد هذه الحضارات وكفرها بكل قيم السماء والانسانية وهنالك بوّنٌ شاسع بينها وبين الحضارة الاسلامية.
مع مواقف كل حضارة تظهر قيمة الإنسان بشكل واضح، فلا قيمة لأي كلام أو كتابة إذا تناقض مع الواقع، لذا فلابد من أن نرفع يد تلك القوة المادية عن المنطقة، والعمل على ترسيخ الثقافة المعنوية، ويقينا إن علا باطل أهل الظلالة على حق الأنبياء والصالحين وانتصر عليه في بعض المواطن والجولات فهذا لايعني بالضرورة انهم على حق بقدر مايتعلق الأمر بأهل الحق أنفسهم وتخاذلهم عن نصرة أولائك المصلحين ، فلا يكفي أن تكون صاحب حق، بل لابد من أن تقاتل من أجل الحفاظ عليه، فرفض فكرة الحضارة المادية لا تكفي بالكلام والتنظير أبداً، بدون أن تكون هناك مواجهة حقيقية لتقليص دائرة نفوذهم ، فعلى قدر المقاومة يحصل التغيير في المعادلة، والتجارب قد أثبتت أن كلفة الهجوم أقل بكثير عن كلفة الدفاع، إذا لم ندافع عن قيمة الإنسان ستبقى تحت رحمة السوق، وتحت الطلب.
فالسماء قد حفظت قيمة الانسان وحقوقه ولم تسمح بالمساس بها، لأنها منحة وعطاء إلهي له، فلا يحق لأحد سلبها منه، فصراع الحضارات لابد أن ينتهي، برجحان كفة حضارة الإنسان على حضارة المادة، فسعي الانبياء والصالحين هو لتحرر الإنسان وبنائه وفق مشروع الله سبحانه في الأرض.
ويقيناً أن مانراه ونعيشه من احداث مفصلية في كل العالم هو نتيجة حتمية لعمل وماهيّة الانظمة المادية والقوانين الوضعية التي صاغها الانسان بعيداً عن السماء ورب السماء والتي وصلت جميعها الى طريق مسدود، ولهذا نرى شعوب العالم كلها ترنوا إلى مجيء مصلح عالمي يصلح ما افسدته كل تلك الحكومات العالمية وانظمتها الفاسدة ليحل محلها الامن المنشود والسلام العالمي في ربوع المعمورة، كل الشعوب باتت اليوم تنتظر مجيء المصلح وكلٌ حسب دينه وإعتقاده، ويقيناً سياتي ذلك اليوم الذي وعد الله به عباده لإرساء حاكمية الله في الارض وإقامة دول العدل الإلهي بقيادة إمامنا المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وعد الله الذي سيقضي على كل معاناة وآلام البشرية والظلم أينما حل وارتحل.
https://telegram.me/buratha