سراج الموسوي ||
إن الحديث عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتعديل المقترح في قانون الأحوال الشخصية في العراق يقتضي منا استحضار الرؤية الإسلامية التي تنظم شؤون المرأة والأسرة وفقًا للشريعة الإسلامية والمذهب الجعفري خاصة الذي يعتمد على الحكمة الإلهية التي تجلت في القرآن الكريم والرواية المطابقة له الإسلام بوصفه دينًا شاملاً يحترم حقوق المرأة ويوازن بين حقوقها وواجباتها متماشياً مع الفطرة الإنسانية.
أولاً: اتفاقية سيداو – منظور نقدي
من أبرز الإشكاليات التي تطرحها اتفاقية سيداو هي محاولة فرض المساواة المطلقة بين الجنسين في كل المجالات بما في ذلك قضايا الإرث والقوامة والزواج هذه المساواة المطلقة التي تبدو جذابة ظاهريًا تتجاهل التوازن الطبيعي والاجتماعي الذي أقامه الإسلام حيث يقول الله تعالى: “وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى” (آل عمران: 36)، مما يبرز الفرق الطبيعي والايدلوجية بين الرجل والمرأة الذي ينعكس في توزيع الحقوق والواجبات.
الإرث على سبيل المثال جاء في القرآن الكريم بوضوح حيث قال الله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ” (النساء: 11). هذا التوزيع لا يعبر عن تمييز بل عن حكمة إلهية تأخذ في الاعتبار مسؤوليات الرجل في الإنفاق وفرض عليه القوامة لتكون مسؤلية دائما عليه لحماية الحقوق الزوجية والعائلية.
ثانياً: الزواج في الإسلام – مفهوم البلوغ والنضج
إحدى النقاط التي تثير الجدل في الحديث عن تعديل القانون هي زواج القاصرات وهنا من الضروري توضيح الفرق بين مفهوم البلوغ الشرعي ومفهوم النضج واتخاذ القرارات المصيرية مثل الزواج.
فلا يحق لكل انسان بلغ الـ18 ان يكون قاضيًا على سبيل المثال لان الدور القضائي يحتاج الى امور معينة وبذلك اذا ما تكلمنا في الإسلام يُعتبر سن البلوغ مرحلة يكتسب فيها الفرد المسؤوليات الشرعية كالصلاة والصوم بالنسبة للبنات قد يبدأ البلوغ الشرعي في سن 9 وللأولاد في سن 14 لكن البلوغ الشرعي لا يعني بالضرورة الجاهزية للزواج فالبلوغ في الشرع الجعفري يعني الدخول في مرحلة جديدة من المسؤوليات الدينية وليس بالضرورة اتخاذ قرارات حياتية كبرى كالزواج.
وفي الإسلام الزواج ليس قرارًا فرديًا يقتصر على سن معينة بل يعتمد على النضج العقلي والقدرة على تحمل المسؤولية كما أن الزواج في الإسلام يرتبط بمجموعة من العوامل والشروط بما في ذلك التراضي بين الطرفين والعائلتين والموافقة المتبادلة والتقارب في الخصال والآداب والدين وبالتالي مجرد بلوغ سن معينة لا يعني الجاهزية للزواج سواء كان ذلك عند سن 9 أو 18 كما في القوانيين الوضعية أن المجتمع لا يعتبر سن 18 هو معيار الرشد التام بل هو سن قانوني يمنح حق اتخاذ القرارات مثل السفر البيع والشراء والعقارات وغيرها من الالتزامات لكنه لا يُعد بالضرورة دليلًا على الرشد الكامل واكيد يعتمد في التعيين لوضيفة معينة ان يكمل باقل تقدير دراسة البكالوريوس وبذلك وصل لعمر22 واذا ما اكملها يعتمد التدرج ليصل الى المناصب المعينة ونكتشف أن عمر ال18 عبارة عن رقم يبيح بعض الحقوق ولا يوصل لكل الامتيازات.
الإسلام لا يدعو إلى الزواج القسري أو زواج القاصرات دون توافق نضجي وعقلي بين الطرفين بل يحث على الحكمة والاتزان في اتخاذ مثل هذه القرارات ويعطي الحق للبنت قبل الرجل ان تختار وهية من تبدأ العقد في “زوجتك نفسي” وتشترط المهر وعلى الرجل الرد “قبلت التزويج” وهذا يوضح أن الإسلام لا يتعارض مع حماية حقوق المرآة بل منحها حق الاختيار و إنه يعزز مبدأ النضج والقدرة على اتخاذ قرارات الزواج.
ثالثاً: مواجهة الشذوذ الجنسي في اتفاقية سيداو
من النقاط المثيرة للجدل في اتفاقية سيداو هي الدعوة إلى تقبل الشذوذ الجنسي كجزء من الحقوق الجنسية للفرد وهذا يتعارض بشكل جذري مع الشريعة الإسلامية التي تعتبر الشذوذ الجنسي فاحشة ومن كبائر الذنوب كما ورد في قوله تعالى: “وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ” (الأعراف: 80).
الشذوذ الجنسي ليس مجرد مسألة فردية بل هو خطر على المجتمع والأسرة الإسلام يعتبر أن الزواج بين الرجل والمرأة هو الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع السليم وأي محاولة لفرض نماذج أخرى للعلاقات الجنسية تضر بالنسيج الاجتماعي وتهدم القيم الأسرية التي يعتمد عليها استقرار المجتمع.
اتفاقية سيداو في بعض جوانبها تدعو إلى تحرير العلاقات الجنسية من أي قيود دينية أو اجتماعية وهو ما يتعارض مع مفهوم الشريعة التي تضع قوانين واضحة لحماية الأسرة والمجتمع من الانحرافات التي تهدد استقرارها.
رابعاً: فلسفة القانون الإسلامي وقدرته على الرد
في مواجهة هذه التحديات نجد أن القانون الإسلامي المستند إلى القرآن والسنة يقدم حلولًا مستدامة ومتوازنة تحفظ حقوق الفرد والمجتمع الإسلام ليس ضد حقوق المرأة أو حريتها بل يسعى إلى حمايتها وتنظيم علاقتها بالمجتمع بشكل يحفظ كرامتها ويعزز من دورها وان الله هوة المشرع الأول و الأعلم بما يصلح للإنسان وقد قال الله تعالى: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة: 50).
الإسلام يرى أن الحرية ليست مطلقة بلا حدود بل هي مسؤولة ومقيدة بالقيم الأخلاقية والتشريعية التي تحفظ المجتمع من الفوضى والانحلال وهذا ما نفتقده في العديد من التشريعات الوضعية التي تحاول تبرير كل شيء باسم الحرية الفردية، دون النظر إلى العواقب الاجتماعية.
خامساً: الاستفادة من الخبرات العربية والإسلامية
إن الدول الإسلامية التي حافظت على هويتها وثوابتها الدينية تمكنت من تطوير قوانين تحفظ حقوق المرأة وتراعي في نفس الوقت القيم الإسلامية العراق كدولة إسلامية يجب أن يتبنى نهجًا مستنيرًا يستفيد من هذه التجارب الناجحة ويُظهر للعالم أن الإسلام ليس عائقًا أمام التقدم والحقوق بل هو السبيل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية مع الحفاظ على النسيج الأخلاقي والديني.
نرى أن اتفاقية سيداو في بعض بنودها تتعارض مع الفطرة التي خلق الله الناس عليها وتخالف الشريعة الإسلامية التي هي أسمى من القوانين الوضعية التشريعات الإسلامية التي تعتمد على القرآن والسنة تقدم حلولًا شاملة ومنصفة توازن بين حقوق الفرد والمجتمع الإسلام يحترم حقوق المرأة ويراعي طبيعتها الإنسانية ويضع لها من التشريعات ما يكفل لها حياة كريمة ومستقرة.
https://telegram.me/buratha