مصطفى الهادي.
الخوف يُطاردهم، لا يُريدهم أحد على أرضه، حتى ربهم يمقتهم وتخلى عنهم ويصفهم بالمتمردين ثم يأمر نبيه موسى أن يكتب عنهم فيقول: (تعال اكتب هذا عنهم على لوح وارسمه في سفر، ليكون لزمن آت للأبد إلى الدهور. إنهُ شعب متمرد، أولاد كذبة، أولاد لم يشاءوا أن يسمعوا شريعة الرب).(1) لم يكونوا على علاقة طيبة حتى مع ربهم وأنبيائهم. ولذلك فهم يعيشون في خوف دائم وهذا الخوف خلق عندهم مكرا وخبثا وقساوة عجيبة ولذلك اعتادوا على حياة الخوف (يحسبون كل صيحة عليهم) لما يحملونه في داخلهم من حقد وغدر وسوء نوايا تجاه الشعوب الأخرى وقد عرفت الشعوب لهم ذلك فلم تعطهم أي مجال أن يتمكنوا، لأن في تمكن اليهود يعني الحروب والتآمر والاغتيال والرعب في كل مكان تصلهُ أقدامهم.
ونتيجة لهذه النفسية القلقة المريضة ــ وبعد استقرارهم في مرات قليلة ــ عانت منهم الأمم الكثير من الويلات والمصائب. فتداعت عليهم الأمم (تداعي الأكلة على القصعة)، فشنت عليهم الهجمات ولم تترك لهم مجالا للراحة وقد بشّر الأنبياء جميعهم بدمار هذه الأمة على مر الأزمان والكتب المقدسة مليئة بمثل هذه النبوءات. فقد كانت تحيط بهذه الشرذمّة المشتتة أينما توجهت أمم قوية محاربة ، لها كيانها ، فقد كانت تمر في ترحالها بأمم قوية فمن الجنوب الغربي : مصر والحبشة ، ومن الشمال الشرقي آرام وأشور ، وتجاورها فلسطين وعمون وموآب وأدوم . وكل هذه الأمم كانت تعرفهم وتعرف شرّهم وخباثتهم فأظهرت لهم العداء لسوء نواياهم ، فلم تترك هذه الأمم اليهود ينعمون بالراحة والأمان وذلك لأن اليهود متى ما شعروا بالأمان أصبحوا مصدر خطر داهم للأمم المجاورة ، فشنت عليهم هذه الأمم الغارات تلو الغارات وسنذكر القليل منها.
أذلتهم الحضارة المصرية (تستحيي نسائهم وتذبح أبناءهم) . ثم عصوا الرب فتاهوا في صحراء سيناء أربعين عاما لما عرفهم به الله من عناد ، فتكررت مآسيهم ومن دون رحمة .
ففي المرة الأولى أعلن عاموس الويل لمملكة إسرائيل الشمالية : (ماذا يكون لكم يوم الرب . يكون ظلمة الأنوار).(2)
وأعلن النبي هوشع تقييمه لإعمال اليهود فقال : (انهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة) .(3)
وقد اقسم الله تعالى بأنه سيسلب الراحة منهم فأقسم قائلا: (شعب ضال قلبهم وهم لم يعرفوا سبيلي، فأقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي).(4)
ووصفهم تعالى أروع وصف حينما قال: (( من النبي فيهم إلى الكاهن يمارسون الكذب ويقولون سلام سلام ! وما من سلام، لا يستحون ولا يعرفون الخجل فلذلك يسقطون مع الساقطين))(5)
(تلطخت أيديكم بالدماء . شفاهكم تنطق بالكذب وألسنتكم تهذي بالشر . لا أحد يدعوا فيكم بالعدل . تتكلون على الحجج الفارغة . وتنطقون بالكلام الباطل . تحبلون وتتمخضون بالمكر . وإلى سفك الدماء البريئة . أفكاركم أفكار الإثم . وفي مسيركم خراب وهدم . طريق السلام لا تعرفونه . ولا في مسالككم عدل).(6)
ثم قرر تعالى أن لا يعطيهم مجالا للراحة ، لأنهم متى ما شعروا بالراحة والأمان عاثوا في الأرض فسادا . فقال تعالى : (بنو إسرائيل لايتعضون لأن لا بصيرة فيهم . لأن الذي خلقهم باعهم .لأنهم جيل متقلب. وبنون لا أمانة فيهم. اقترب يوم نكبتهم. وما هيئ لهم سريع).(7)
وتحققت النبوءات ، فكان هجوم الجيش الآشوري الذي دمر مملكة إسرائيل الشمالية وإلى الأبد وأباد اليهود إبادة شبه تامة .
ثم نشأت مملكة يهوذا الجنوبية ، فطغى اليهود جدا وسفكوا الدم البريء وعبدوا الأصنام وسجدوا لها (حتى أن يهوه ، لم يشأ أن يغفر) .(8)
وصارت يهوذا مذنبة بسفك الدماء إلى أقصى حد ، وكان شعبها قد فسد من جراء السرقة ، والقتل ، والزنا ، الحلف كذبا ، السير وراء آلهة أخرى ، ورجاسات أخرى ، وكان هيكل الله قد صار ( مغارة لصوص).(9)
فأعلن الله تعالى بأنه : (آتي بشر عظيم من الشمال وكسر عظيم).(10)
وهكذا جاء الكلدانيين من بابل (لتسحق أورشليم الخائنة وهيكلها) .(11)
وبعد حصار شديد أكل فيه اليهود بعضهم بعضا وحتى الجرذان والحشرات . سقطت المدينة سنة (607) ق . م في أيدي جيش نبوخذ نصر الجبار فقتل ملوك اليهود وأولاد صدقيا وكل أشراف يهوذا ، جميعهم أمام عينيه ، وأعمى عيني الملك صدقيا وقيده بسلاسل نحاس ليأتي به إلى بابل . ثم احرقوا المدينة بالنار ونقضوا أسوار أورشليم ثم قام نبوزرادان رئيس شرطة نبوخذ نصر بسبي بقية الشعب الذي نجا من السيف إلى بابل .(12)
ثم ارجع كورش التائبين منهم إلى وطنهم وبنو مدينتهم وهيكلها .
وفي القرن الأول الميلادي وقع اليهود الذين ردهم كورش . وقعوا في شرك الارتداد وعادوا إلى موبقاتهم ومسلكهم الرديء فتقدمت الفيالق الرومانية بقيادة (غالوس) وحاصر المدينة ثم اخترقها بجيشه الجرار . وفي سنة 70 بعد الميلاد وكما يذكر تاريخ (فلافيوس يوسيفوس) عاودت الفيالق الرومانية الهجوم بقيادة القائد ( تيطس) . فدمر المدينة وهيكلها تدميرا كاملا وسويا بالأرض.فقتل تحت التعذيب اكثر من مليون يهودي عذبهم حتى الموت ورميت نحو أكثر من (ستمائة ألف جثة) خارج بوابات المدينة لتأكلها الوحوش الضارية . وبعد سقوط المدينة ، أخذ إلى الأسر أكثر من سبع وتسعون ألف يهودي ، مات كثيرون منهم في حلبات الصراع في مباريات المبارزة أو مصارعة الأسود.(13)
يقول البروفيسور غرتس في كتابه تاريخ اليهود : أن الرومان كانوا يعلقون أحيانا (500) سجين في اليوم على الأخشاب . وكانت تقطع أيدي أسرى يهود آخرين . وكانت الأحوال السائدة في غاية الرداءة فقد المال قيمته الشرائية ولم يعد بإمكانه شراء الخبز . وكان الرجال يتقاتلون بشراسة في الشوارع على صاع من الطعام وأكثره إثارة للاشمئزاز ، حقنة من التبن ، قطعة من الجلد ، أو أحشاء حيوان تطرح عادة للكلاب ... والجثث الغير مدفونة المتزايدة بسرعة جعلت هواء الصيف الحار والرطب مميتا ، ووقع السكان ضحية المرض والمجاعة والسيف .
وفي سنة (732) ق . م قام الملك ( تفلات فلاسر) بشن حملة على مملكة إسرائيل واحتلها ، وقد فرض جزية كبيرة عليهم .(14)
وفي سنة ( 721) ق . م قام سرجون الثاني بهجوم كاسح على اليهود . فدمر مدنهم وأفنى عاصمتهم من السكان وسبى الآلاف منهم وساقهم إلى منطقة الخابور ومنطقة الموصل والرمادي .
وفي سنة ( 333) ق . م خضع اليهود لحكم الإسكندر المقدوني الذي استولى على الشرق بعد انتصاره على الدولة الفارسية .
ثم قام السلوقيون بإخضاع مملكة يهوذا سنة 203 قبل الميلاد وقد فرضوا على اليهود ضرائب هائلة.
وفي سنة 167 ق.م قام اليهود بالتمرد على انطيوخوس مؤيدين لمصر ، فصمم أن ينهي ذلك . فذبح اليهود في كل مكان ، ونهب الهيكل ، وحظرت ممارسة الدين اليهودي . وصار الموت عقاب الختان ومنع السبت . ثم كانت الإهانة العظمى عندما بنى بأمر من انطيوخوس ، مذبح للآلهة زيوس داخل الهيكل وأمر اليهود أن يقدموا لحم الخنزير ذبيحة لإله اليونانيين . ثم أجبر ا ليهود في كل أنحاء البلد أن يطيعوا العادات والذبائح الوثنية أو يموتوا.(15)
ثم دمرهم القائد الروماني ( فاسباسيانوس) وهدم عاصمة مملكتهم ( شكيم) سنة 67 ميلادية . ثم استولى عليهم ( تيطس) سنة 70 ميلادية واحرق مملكتهم وذبح معظم السكان وباع الباقي .
ثم قام الإمبراطور الروماني ( ادريان) سنة 135 م بهدم المدينة بكاملها على رأس اليهود فذبح جزءا من سكانها وباع جزءا وشرد الجزء الباقي منهم .
وفي أيام القاضي باراق ، سيطر الملك الكنعاني يابين بقسوة على الإسرائيليين مدة عشرين سنة ، وسيسرا هو قائد الحشود الكنعانية الجرارة . أربعة ملايين يهودي لا يستطيع القاضي باراق أن يجمع منهم إلا عشرة آلاف مقاتل ، يجتمعون على جبل تابور ، فتندفع فيالق سيسرا تتقدمهم 900 مركبة حربية وتعبر نهر قيشون الجاف ، وتحدث المجزرة.(16)
وفي عصر الرسالة الإسلامية تآمر اليهود مع أعداء الإسلام فقام الرسول الأكرم (ص) بقتالهم فهدم حصونهم وقتل بعضهم وأجلى البعض الآخر.
وفي سنة 1096 م جلبت الحملة الصليبية الأولى الخراب والدمار على المجتمعات اليهودية في راينلند ، فقتل آلاف اليهود ، في مذبحة جماعية قام بها الصليبيون ، وكان من نتائج هذه المجزرة موت العالم اليهودي الكبير (الرابي سليمان الراشي) مفسر التوراة ، والذي مات كمدا مما حصل لليهود .
وفي القرن (11) الميلادي تعرض اليهود لعمليات القتل والتشريد على أيدي الصليبين الذي لاحقوا اليهود في كل أنحاء أوربا. وعندما استولى الصليبيون على بيت المقدس عام (1099) م احرقوا اليهود في كنيستهم مع ان اليهود قاموا بخيانة المسلمين ومساعدة النصارى على احتلال بيت المقدس . وكاد اليهود أن يفنوا في هذه المجزرة .
ثم جاءوا إلى الأندلس هاربين من المذابح في أوربا ، فأحاطهم أمراء المسلمين بعطف ورعاية بالغين .ومن الجدير بالملاحظة أن اليهود لم يشهدوا فترة سادها الهدوء، وحصلوا فيها على الأمان وعمهم الرخاء، غير فترة وجودهم مع المسلمين الذين رعوهم حق الرعاية ووفروا لهم جو الأمان والسلام.
وفي سنة ( 1390) قام كاثوليك إشبيلية بمهاجمة اليهود وأفنوهم عن بكرة أبيهم وكان القتلى بالآلاف منهم . ثم تتابعت المجازر في كل من بلنسية وقرطبة وطليطلة وبرشلونة. ثم أجبروهم على اعتناق النصرانية ومن لم يعتنقها تم طرده من إسبانيا وذلك بعد خروج المسلمين من الأندلس .
وقد طرد اليهود من بلجيكا سنة 1370 م . وطردوا من تشيكسلوفاكيا سنة 1380 م وفي سنة 1420 م طردوا من النمسا وفي سنة 1444 م طردوا من هولندا . ثم من نابولي ، وسردينيا ، وروسيا حيث تعرضوا لأكبر عملية اضطهاد في أوكرانيا سنة 1919 م .(17)
ونحن على أعتاب الألفية الثالثة وعند نهاية القرن العشرين ، يطالب الجنرال الروسي (البرينا مكاشوف) بتطهير الكرملين من اليهود لأنهم يسيطرون على الدولة .
وأما المذابح التي تعرض لها اليهود على أيدي النصارى وغيرهم من الأمم فكثيرة ولا عد لها وخصوصا محاكم التفتيش التي أفنتهم في بعض مناطق الأندلس وغيرها من بلدان أوربا.
لم أتطرق لما حصل لهم في الحرب العالمية الثانية لأن لي رأي آخر.
المصادر:
1- سفر إشعياء 30 : 9.
2- سفر عاموس الإصحاح : 3.7.5.8.
3- سفر هوشع الإصحاح 8 : 7.
4- مزمور 95 : 10.
5- إرمياء 8 : 10 ــ 12.
6- إشعياء 59 : 8.
7- تثنية 23 : 28.
8- سفر الملوك 2 : 21 : 16 و : 21 : 24. و : 3 : 4.
9- إرمياء 2 : 34. و : 5 : 30. و : 31 : 7. و : 8 : 12.
10- إرمياء 4 : 6.
11- إرمياء 30 : 23.
12- إرمياء 39 : 6 ــ 9.
13- كتاب حروب اليهود ج2 فصل : 39.
14- كتاب أورشليم ، وارض كنعان ، إبراهيم الشريقي ص : 163.
15- كتاب المكابيون ، موشيه بيرلمان ، طبع لندن ص : 68.
16- سفر القضاة 5 : 6 ــ 8.
17- كتاب اليهود في القرآن، عفيف طبارة ص : 94.
https://telegram.me/buratha