المقالات

إيهٍ أبا هادي


 

ترجّلتَ من جواد الحياة ولمّا تشبعُ نَهَم هذه الأُمّة من نميرِ روحِكَ وهي بأمسّ الحاجة إليه، هذه الروح التي ألهمت مسارها عزماً تتواضع أمامه الجبال الصمّ، وملأتَ روحها كرامة وشرفاً ما يجعل هممها تتعالى على عظيم المهام وجسيم المسؤوليات، ورويتَ إهابُها من معين الثبات أعلاه، ومن معدن الشجاعة أمضاه، ومن خالص نكران الذات أصفاه.

 

ترجّلتَ يا أبا هادي في وقتٍ كان فيه طاعون الاستكبار، وغطرسة الصهاينة، وخيانة الأعراب، وغدر المنافقين قد ساوموكَ بين دنيا باذخة الثراء فاحشة الوجاهة ولكنّها مرهونةٌ بالذلّة ومقرونة بالعار ومشروطة بالخيانة، وبين سِلّةٍ فيها مرير البلاء، وشديد اللَّأواء، ولكنّها مُترعةٌ في العزّةِ فأبيتَ إلّا أن تقتفي من أثرِ جدِّكَ الحسين (صلوات الله عليه) ما يجعل من صبركَ مدرسةً، ومن عزمكَ معلماً، ومن فدائيتكَ مناراً، ومن إقدامكَ مشعلاً، ومن شجاعتكَ نهجاً، ومن مضائكَ نبراساً، وأبَيْتَ أن يختار الطغاة لك موتاً ذليلاً، بل سموتَ وتعاليتَ فانتخبتَ لذاتك شهادة هي الأعلى في درجتها، وعانقتها بأشد الإصرار، وأسمى صور الوقار.. وأيُّ شهادةٍ أسمى من أن تكونَ قتيلاً بأيدي أرذل خلق اللّه وأشدّهم على دينه وعباده، وفي معركةٍ هي الأنبلُ، وتحت رايةٍ هي الأشرفُ، فالمعركةُ ضد الصهاينة وتحالف الاستكبار ومن أجل القدس الشريف لا تدانيها في النبل أيّ معركة أخرى، وأيّ رايةٍ أشرفُ من راية التمهيد للإمام المهدي صلوات الله عليه مستظلاً بالمرجعية الهادية ومتوسماً بالتكليف الشرعي من أجل نصرة المستضعفين وحمايتهم .. فَسِرْتَ في طريق الشهادة شامخ الهمّة، ثابت القدم، رابط الجأش، شديد الشكيمة، لا تبالي بالشامتين، ولا تحفل بالمرجفين، وليس أمامكَ إلا أن تصل لإحدى الحُسنَيَين، تزلزلتِ الدنيا تحت أقدامكَ فلم تَزُلْ، وتعاظمت هزاهز الاستكبار فلم ترضَخْ .. ومسارٌ كهذا ليس له إلا أن تصلَ فيه إلى مبتغاك ومنيتك، فيا لهنائِكَ فيما وصلتَ إليه، ويا لِنَعْمائِكَ بما بلغته، ويا لسعادتكَ في رحلتكَ من ديار الظالمين وأنت تقول كما قال جدك الأمير (صلوات الله عليه): لمثل هذا فليعمل العاملون 

 

رحلتَ يا أبا هادي ونحن مطمئنون بأنّ لله أمر هو بالغه في هذه الشهادة التي حظيت بها؛ بل إنّ نفوسنا لتَعْمُرُ بالسكينة، لأننا نعلم أنّ هذه المسيرة التي كنت فيها علماً وقائداً؛ لها من يرعاها، ويدبّر أمرها، وقد أُريدَ لدمك الطاهر أن يكتسحَ كلّ مكرِ الاستكبار ليصنعَ أمّةً لا يضيرُها إن أقبلتَ على الموت أو أقبلَ الموت عليها من أجل الحق الذي أنرتَ به البصائر، وفتحتَ به مغاليق العقول، فهذه الأُمّة إذ باتت على مشارف العزّ المهدويّ تحتاج إلى مرجلٍ تلو مرجلٍ من الوعي والبصيرة النافذة، وإلى مشعلٍ تلو مشعلٍ من القادة الأسوة والهُداة القدوة، وها أنتَ رحلتَ بعد أن رحلَ رفاق دربك الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ومن قبلهما الحاج عماد مغنية ومعك صفوة المخلصين وخيار المجاهدين السيد فؤاد شكر ورفاقه والحاج إبراهيم وإخوته (رضوان الله تعالى عليهم، ولكن دربك لن يرحل، ونهجك لن يُترَك، ورسالتك لن تُمحَى. 

 

غادرتنا يا أبا هادي ونحن في أمسّ الحاجة إلى نهجك وسُراة دربك، ووالله إنّ الرُّزء بفقدك لعظيم، والخَطْبُ بفراقك لجليل، والألم بفجيعتنا بك لممض، والجرح بمصيبتك لنازفٌ، وقلوبنا بقتلك مكلومةٌ، وأكبادنا بما جرى لَحَرّى، ولكننا نُدركُ تماماً أنّ ما أوقدته في قلب هذه الأمة لن ينطفئ أبداً. فأنت من الصنف النادر جداً الذي يمرّ بالتاريخ فيأبى اللّه إلا أن يتحوّل إلى يقظةٍ ووعيٍّ يلهبُ عزم الباقين، وينبّه به غفلة الغافلين، وتشحذ به همم الأجيال القادمة لتدوم الرسالة ويعزّ به الدين وأهله.. ولئن أراد الاستكبار بك مكراً فإنّ اللّه أبى إلا أن يجعلَ من دمائك الطاهرة ما فيه مكراً بهم وهلاكاً لحلفهم وتبديدا لجمعهم، وما ذلك على الله بعزيز

 

هاجرتنا كما الطيور المهاجرة بلا وداعٍ يا أبا هادي، وعزاؤنا أنّ دربك يعجّ بالميامين الذين يوفون الحق ويؤدّون الأمانة، وعزاؤنا أنّ جهدك ومظلوميتك في عين صاحب الزمان (صلوات الله عليه) فهو المعزّى بك، وما يطيّب خواطرنا بفقدك أنّ الثورة الإسلامية وقائدها المفدى سماحة آية الله العظمى السيد على الخامنئي (دام ظله الشريف) وأشراف هذه الأمة وأحرارها وأُباتها هم المؤتمنون على الدرب الذي رعيته وسهرتَ عليه، وهم أولياء دمك الطاهر ورفاقك الأبرار.

 

اذكُرنا يا أبا هادي وأنت نزيل النعيم المقيم مع أجدادك الطاهرين وفي رحاب جدتك الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها وعليهم) بأن نكون على الأثر نمضي حيث مضيت، ونرحل كما رحلت مع إمام منصور من أهل بيت محمد (صلوات الله عليه وعليهم)...

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

جلال الدين على الصغير

في الخامس والعشرين من ربيع الأول ١٤٤٦

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك