مجلة”فورن بوليسي” تنشر وثائق لـ CIA تكشف الدعم الأمريكي لصدام حسين لتنفيذ هجومه بالأسلحة الكيميائية على إيران، وكيف غضت النظرعن مجزرة”حلبجة”!؟
في وقت تجهز فيه الإدارة الأميركية أساطيلها وبوارجها للاعتداء على سوريا، قبل أن يقول الخبراء الأمميون كلمتهم العلمية الفصل في قضية “القصف الكيميائي” للغوطة الشرقية بدمشق، نشرت مجلة ”فورين بوليسي” الأمريكية وثائق ومعلومات خاصة بوكالة المخابرات المركزية الأميركية تؤكد أن الولايات المتحدة ساعدت الطاغية العراقي الراحل صدام حسين على شن هجوم بالأسلحة الكيميائية على إيران استخدمت فيه غاز الأعصاب، وغضت الطرف عن “مجزرة حلبجة” التي نفذها صدام ضد الأكراد بالأسلحة الكيميائية في العام1988 . وقالت المجلة إن الوثائق والمقابلات السرية الخاصة بوكالة المخابرات المركزية ، المتعلقة بالقضية، تشير إلى أن واشنطن كانت تملك دليلاً قاطعاً بشأن الهجمات الكيميائية العراقية على القوات الإيرانية في العام 1983، ثم على حلبجة في العام1988.وأضافت المجلة القول “إن إيران كانت تزعم آنذاك علناً أنّ هجمات كميائية تشنّ على قواتها ، وكانت تعدّ قضية لتقديمها إلى الأمم المتحدة، لكنها لم تملك دليلاً يحمّل العراق المسؤولية، وقد وضعت كل ما لديها بمذكرات وتقارير سرية أرسلت إلى مسؤولين استخباريين رفيعي المستوى في الحكومة الأميركية”.وقد رفضت الـ”سي آي إيه” التعليق للمجلة عن هذه القضية.
وقالت المجلة إن المسؤولين الأميركيين نفوا دومًا معرفتهم بشأن الهجمات الكيميائية العراقية، وأصروا دومًا على أن حكومة صدام حسين لم تعلن أبدًا أنها تنوي استخدام سلاح كيميائي. وقال الكولونيل المتقاعد في سلاح الجو الأميركي، ريك فراكونا، الذي كان ملحقاً عسكرياً في بغداد خلال ضربات عام 1988، للمجلة: “لم يُبلغنا العراقيون أنّهم يعتزمون استخدام غاز أعصاب، ولم يكن عليهم ذلك، فقد كنا نعلم”. وذكر الكولونيل فراكونا أن أول مرة علم فيها باستخدام العراق أسلحة كيميائية ضد إيران كانت في عام 1984 يوم كان ملحقاً عسكرياً في الأردن، والمعلومات التي وردته تشير إلى أنّ العراقيين استخدموا مادة “غاز الطابون” المؤثرة في الأعصاب ضد قوات إيرانية في جنوب العراق.
وتشير الوثائق التي حصلت عليها المجلة ( منشورة أعلاه)، إلى أن “سي آي إيه” قالت في حينه “إنّ إيران قد لا تكتشف دليلاً مقنعاً على استخدام سلاح كيميائي”،بالرغم من أن الوكالة “كانت تمتلك مثل هذا الدليل”، وفق المجلة ووثائقها. وتظهر الوثائق أنّ الولايات المتحدة كانت تملك تفاصيل عن زمان وكيفية استخدام العراق العناصر الكيميائية القاتلة، وتم تبليغ كبار مسؤولي “سي آي إيه”، ومن بينهم مدير الوكالة، وليام كايسي، بشأن مكان معامل جمع الأسلحة الكيميائية العراقية، وبأن العراق يسعى إلى امتلاك كميات من غاز الخردل تكفي حاجات قواتها، وأنّ العراق على وشك شراء جهاز من إيطاليا للمساعدة في تسريع إنتاج القنابل الكيميائية، وأنّه سوف يستخدم عناصر مؤثرة بالأعصاب ضد القوات الإيرانية وربما ضد مدنيين.وذكرت “سي آي إيه” في إحدى الوثائق أنّ استخدام غازات الأعصاب قد يؤثر إلى حد كبير على التكتيكات الإيرانية، ويجبرها على التخلي عنها .
وقال فرانكونا إن الوضع العسكري على الجبهة الإيرانية ـ العراقية تغير في العام 1987 لصالح إيران، فقد التقطت الأقمار الصناعية الاستطلاعية المشغلة من قبل وكالة المخابرات المركزية مؤشرات واضحة على أن الإيرانيين كانوا يحشدون قوات كبيرة ومعدات عسكرية ضخمة إلى الشرق من مدينة البصرة .
وبحسب محللي وكالة الاستخبارات العسكرية ( دي آي إيه)
فإن الأقمار الصناعية أظهرت أن الإيرانيين اكتشفوا ثغرة في الخطوط العراقية جنوب شرق البصرة. ، أي بين الفيلق العراقي الثالث الذي ينتشر شرقي المدينة والفيلق السابع جنوب شرقي المدينة وفي شبه جزيرة “الفاو” التي كانت موضع تنافس شديد بين الطرفين.
وبحسب فرانكونا، فإن صور الأقمار الصناعية كشفت عن أن إيران نقلت وحدات عسكرية سرًّا إلى مواجهة الفجوة في الخطوط العراقية، وكان هذا يشير إلى اقتراب هجوم الربيع السنوي الإيراني.
وقد كتب محللو وكالة استخبارات وزارة الدفاع آنذاك في تقرير سري إن الإيرانيين على وشك هجوم أكبر مما قامت به في ما مضى، وأن وقف هذا الهجوم فرصة جيدة جدًّا بالنسبة لهم لاختراق الخطوط العراقية والاستيلاء على البصرة.وحذر التقرير من أنه إذا سقطت البصرة، فإن الجيش العراقي سينهار وأن إيران ستكسب الحرب.
وبحسب فرانكونا، قرأ الرئيس رونالد ريغان وكتب على هامشه ملاحظة إلى وزير الدفاع“فرانك كارلوتشي” قائلًا “إن الانتصار الإيراني غير مقبول“. وفي وقت لاحق، تم اتخاذ قرار على أعلى مستوى من الحكومة الأمريكية (من شبه المؤكد تطلَّبَ موافقة مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية). وبموجب القرار، أعطيت وكالة الاستخبارات العسكرية إذنًا بأن تمرر كل ما هو متوفر لها من معلومات مفصلة إلى المخابرات العراقية حول نشر وتحركات جميع الوحدات القتالية الإيرانية. وشملت المعلومات صورًا بالأقمار الصناعية ومعلومات جرى تحصيلها عبر الاستخبارات الإلكترونية (النصت). وكان هناك تركيز خاص على المنطقة الشرقية من مدينة البصرة حيث كانت الاستخبارات العسكرية الأميركية قد لحظت أن الهجوم الإيراني الكبير قادم في الربيع. وقدمت الوكالة أيضًا بيانات عن مواقع المرافق اللوجستية الإيرانية الرئيسية، وقوة وقدرات القوات الجوية الايرانية ونظام الدفاع الجوي. وصف فرانكونا الكثير من المعلومات بأنها “حزمة أهداف” مناسبة للاستخدام من قبل القوة الجوية العراقية لتدميرها.
هجوم السارين الذي أعقب ذلك
يقول تقرير “فورن بوليسي” إنَّ محللي وكالة المخابرات المركزية لم يستطيعوا أن يحدِّدوا بدقة عدد الضحايا الإيرانيين لأنهم يفتقرون إلى الوثائق الإيرانية. لكنهم قدروا عدد القتلى ما بين”المئات” و “الآلاف” في كل من الحالات الأربع التي استخدمت فيها الأسلحة الكيميائية قبل الهجوم العسكري.
ووفقا لوكالة المخابرات المركزية، أطلق العراق ثلثي الأسلحة الكيميائية التي كانت متوفرة لديه في تلك “الحملة الكيميائية” . وبحلول آذار/مارس من العام 1988 أطلق العراق هجوم غاز الأعصاب على قرية “حلبجة” الكردية في شمال العراق، والتي كانت واشنطن على علم بتفاصيلها. وبعد شهر على ذلك، استخدم العراقيون القنابل الجوية وقذائف مدفعية معبأة بغاز السارين ضد تجمعات القوات الإيرانية على شبه جزيرة الفاو جنوب شرق البصرة، وبالمساعدة الأمريكية للقوات العراقية ، تمكن النظام العراقي من تحقيق انتصار كبير واستعادة كامل شبه الفاو. وحال الانتصار العراقي (الأمريكي في واقع الحال) في جزيرة الفاو دون قيام الإيرانيين بهجوم الربيع الذي طال انتظاره.
وطبقًا للعقيد فرانكونا، كانت واشنطن سعيدة جدًّا بالنتيجة لأنَّ الإيرانيين لم يحصلوا على فرصة لشن هجومهم.
22/5/140217