يواجه العراق أزمة مالية تضافرت عوامل مختلفة لزيادتها تفاقما. إذ كانت الحكومات السابقة تعتمد على عائدات النفط في إدارة شؤون الدولة ، من دفع رواتب العاملين في جهازها الاداري المتضخم الى بناء قوات أمنية اتضح ان حجمها لا يمت بصلة الى كفاءتها القتالية إن وجدت اصلا. وهذا ما تؤكده الموازنات العامة التي تشكل عائدات النفط ما يبرو على 90 في المئة من اعتماداتها المالية. ودفع الشعب العراقي ثمن بقاء البلد اقتصادا احاديا يشكل النفط مصدر دخله الرئيسي بل يكاد ان يكون الوحيد عندما هبطت اسعار النفط بنسبة 50 في المئة تقريبا منذ حزيران عام 2014. وتزامن هبوط اسعار النفط مع اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" مناطق واسعة من العراق. وحين شرعت الحكومة في تعبئة الموارد المالية المطلوبة لمواجهة داعش بإعادة بناء الجيش وشراء اسلحة جديدة ومد قوات الحشد الشعبي بمتطلبات هذه المواجهة وجدت ان المليارات التي كانت تتدفق على خزينة الدولة أُنفقت على الاستيراد والاستهلاك ودفع الرواتب بدلا من بناء اقتصاد متين اولا ، وان هذه المليارات لم تعد متوفرة بالمقادير السابقة ثانيا.
وهكذا أقر مجلس النواب في مطلع العام موازنة بلغت نحو 102 دولار بعجز يزيد على 21 مليار دولار.وحاولت الحكومة التعويض عن هبوط أسعار النفط بزيادة الكميات التي تُنتج للتصدير. وارتفعت صادرات العراق النفطية الى مستويات قياسية بلغت ما متوسطه 3.2 مليون برميل في اليوم خلال حزيران الماضي ، بحسب وكالة رويترز.
في هذه الأثناء تعاظمت أثمان المواجهة مع داعش وازدادت الأعباء المالية على الحكومة بارتفاع عدد النازحين الى أكثر من ثلاثة ملايين مواطن يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة. ولجأت الحكومة الى اتخاذ اجراءات تقشفية متعددة بهدف ضغط النفقات والتركيز على الأولويات وتأجيل الكثير من المشاريع الاستثمارية.
وفي اطار البحث عن مصادر تمويل جديدة قررت وزارة المالية إصدار سندات بأمل ان يساعد بيعها في الأسواق العالمية على سد نسبة من عجز الموازنة.
من جهة أخرى أعلنت وزارة النفط عن تفاوضها مع مصرفين دوليين للحصول على تصنيف ائتماني يتيح اصدار سندات مالية بقيمة 12 مليار دولار لتسديد مستحقات مالية عليها بالارتباط مع التراخيص النفطية.
وفي هذا الاطار يأتي اجراء البنك المركزي باصدار سندات خزانة الى البنوك التجارية المحلية للمساهمة بقسطه في توفير مصادر تمويل للحكومة.
عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب نجيبة نجيب قالت ان مبادرة البنك المركزي تأتي وليدة حاجة ملحة في مرحلة من التحديات الجسيمة التي تواجه العراق بما في ذلك شح الموارد المالية للدولة والتعاطي مع ازمة نازحين يزيد عددهم على ثلاثة ملايين مواطن وحرب صعبة مع عدو شرس يسيطر على اجزء عزيزة من العراق.
وأوضحت نجيب ان اصدار البنك المركزي سندات بما يعادل خمسة مليارات دولار فقط موجهة الى السوق الداخلية هو اجراء اتُخذ بعد ان استنفدت الحكومة امكانات الاقتراض الأخرى من المصارف المحلية ومن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتوفير مصدر تمويل خلال الفترة المقبلة على أمل ان تتحسن في هذه الأثناء اسعار النفط.ولاحظت ان خطوة البنك المركزي تأتي في ظرف استثنائي وما كان ليُقدِم عليها في السنوات السابقة حين كانت الخزينة عامرة بأموال النفط الذي ارتفع مستوى انتاجه والكميات المصدرة منه في الوقت الحاضر ولكن اسعاره ما زالت أقل من مستوى الطموح.
ورأت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار ان الحكومة الحالية تسلمت تركة ثقيلة من سابقتها وانها ورثت اعباء والتزامات كبيرة دفعتها الى البحث عن مصادر تمويل أخرى من خلال الاقتراض واصدار السندات الى جانب اجراءات أخرى.
وتوقعت النائبة نجيب ان تُحدَّد الشروط والضوابط والتفاصيل الأخرى ذات العلاقة باصدار سندات الخزانة بالتنسيق بين البنك المركزي ووزارة المالية.
عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية ميثاق الحامدي اعتبرت ان اصدار السندات اجراء ترقيعي هو نتاج خلل كبير في الاقتصاد العراقي يتمثل باعتماده على مصدر ايرادات واحد داعية الى ايجاد مصادر دخل أخرى وحماية الاقتصاد الوطني بمحاربة الفساد ومكافحة غسيل الاموال ومعاقبة المسؤولين عن هذه الأزمات من بين خطوات عدة تستطيع الحكومة ان تتخذها.
وانتقدت النائبة ميثاق الحامدي اللجوء الى القروض الخارجية التي قالت انها عادة تأتي بشروط مؤكدة ان الحل الأجدى على المدى البعيد هو التخطيط العلمي لبناء اقتصاد متنوع لا يرتبط بتصدير سلعة واحدة متقلبة الأسعار مثل النفط فضلا عن دعم القطاع الخاص وتنشيط مساهمة القطاعات الاخرى مثل الزراعة والصناعة.
وقالت النائبة الحامدي ان على الحكومة ان تكافح ايضا المضاربات المالية وتهريب العملات الصعبة خارج البلد وافتعال الازمات بالارتباط مع ما سمته أجندات خارجية.
المحلل الاقتصادي باسم جميل انطوان وصف طبيعة السندات التي قرر البنك المركزي اصدارها بالارتباط مع عجز الميزانية البالغ نحو خمسة وعشرين ترليون دينار قائلا انها سندات موجهة الى البنوك الانتاجية مثل الصناعي والزراعي والسياحي وهي بمثابة دين من البنك المركزي الى الحكومة للمساهمة في سد العجز.
وتوقع انطوان تخفيف وطأة العجز المالي بمساهمة سندات البنك المركزي مع القروض الأخرى من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي وزيادة صادرات العراق النفطية للتعويض عن هبوط اسعاره.
واعرب المحلل الاقتصادي باسم جميل انطوان عن تفاؤله بآفاق تطور الاقتصاد العراقي لما يمتلكه البلد من ثروة نفطية ضخمة مستعرضا الاجراءات التي تتخذها الحكومة لتعظيم ايراداتها بما في ذلك تحسين جباية الضرائب وتفعيل دور الصناعة الوطنية والتقليل من استيراد الحبوب بالاعتماد على الانتاج المحلي وزيادة صادرات العراق النفطية بطبيعة الحال.
ولفت انطوان الى ان القروض والسندات تعبر عن نقص في مصادر الدخل والتمويل ولمعالجة آثار هذا النقص يتعين على الحكومة ان تكون مستعدة لاجراء اصلاحات داخلية مثل تعديل اجور الماء والكهرباء التي تباع دون كلفتها وتقليل الدعم الذي يُقدم من خزينة الدولة للكثير من الخدمات العامة.
قال صندوق النقد الدولي في ختام اتصالات اجراها مع الحكومة العراقية مؤخرا ان نمو اجمالي الناتج المحلي العراقي انكمش بنسبة تزيد على 2 في المئة عام 2014 ومن المتوقع أن يتعافى بنسبة 1 في المئة هذا العام. ونوه صندوق النقد الدولي بانخفاض معدل التضخم الذي بلغ اقل من 2 في المئة بحلول نهاية 2014 ولكنه توقع ارتفاعه بعد زيادة الرسوم الكمركية على الاستيراد. كما انخفض احتياط البنك المركزي العراقي من النقد الأجنبي من 78 مليار دولار في نهاية 2013 الى 66 مليار دولار في نهاية 2014 بسبب هبوط عائدات النفط وارتفاع مستوى الاستيراد ، بحسب صندوق النقد الدولي.
https://telegram.me/buratha