عزيز الإبراهيمي
شعار جميل ويحمل بين طياته الكثير من الأمل, لدفع هذا القطاع الذي يمثل عماد الحضارة الحديثة, ومقياس تقدم أي دولة, فالبلاد التي لا تمتلك ناصية الصناعة, يدرج اسمها في أدنى قائمة الدول النامية الفقيرة مهما حسن موقعها الجغرافي, وكثرت ثرواتها الطبيعية.
وحيث إننا نعيش في أزمة لا نعلم مآلاتها, علينا ان نفتش في كل شعار يرفع, لغرض إكتناه حقيقته, ومعرفة أسسه التي يقوم عليها, وهل هي متينة وواقعية؟ او كحال غيره من الشعارات التي ألفناها في زمن التسابق على الظهور الإعلامي, والسبق الى حيازة مكانه محمودة في ذهن المتلقي, حتى انقضاء فترة بقاء المسؤول في المنصب ؟ ليجد من يخلفه إن ما كان يقال له ماءً لم يكن إلا سراب بقيعة؟ لتعاد دورة جديدة من الخداع على هذا الشعب المسكين.
لذا فمقتضى الكياسة أن نسأل هذا السؤال الساذج هل توجد صناعة في العراق أصلاً, حتى ننسب هويتنا إليها ؟ ماذا لو كان الجواب بالسلب هل نكون بلا هوية؟ ولا أظن إن أحداً لا يدرك ما تعني هذه النتيجة! ولا يستغرب احد فان أكثر النظريات أثراً على العالم بدأت بسؤال ساذج,... لماذا سقطت التفاحة على الأرض ولم ترتفع الى السماء؟.
ثلاث اسس تعد من مقومات الصناعة في أي بلد؛ أولها وجود المنشآت الصناعية الكبيرة, والمعامل والمصانع وحداثة معداتها, وثانيها الخبرات البشرية, ووفرة معلوماتها ودقة مهاراتها, وثالثا القوانين المرنة التي تنظم مختلف القطاعات, وترسي أسس الإدارة الحديثة, والقضاء على الروتين والفساد الذي يعد آفة تفتك بالجهود, إضافة الى قوانين التي تنظم الاستيراد والتصدير بما يحمي الصناعة الوطنية.
للأسف نقول إن هذه الأسس الثلاثة غير متوفرة إلى حد كبير في واقع الصناعة العراقية اليوم, فالمنشآت أصابها العطب بعد سلسلة الحروب والاستخدام غير السليم في عقد التسعينات, وتنامي ظاهرة التحوير مما أسرع في استهلاك أكثر المعدات, فضلا عن كونها أصبحت قديمة وخارج الخدمة, ولا يمكن التعويل عليها في أي عن تنمية صناعية, أضف الى كل ذلك حجم الترهل في أعداد منتسبيها, وتقادم نظم إدارتها, هذا ما يخص القطاع الحكومي, اما القطاع الخاص الذي لم يبنى في زمن النظام ولم ينموا بشكل سليم بعد 2003 فلم ينهض لحد الان حتى يعول عليه في قيادة الصناعة العراقية.
الخبرات والمهارات سلسلة ذات حلقات مترابطة, تبدأ بالتعليم الذي يهتم بالجانب العملي والمختبرات, وتستمر في بناء ذاتها بالتدريب المستمر والتطوير, والتعرف على التقنيات الحديثة, والتطبيق لكل ذلك في ميدان العمل, والحال كما ترون من عدم ترابط هذه الحلقات, والعراقي اليوم أصبح كفؤا بالقوة وليس بالفعل لعدم وجود عمل لديه, بل أنا اجزم حتى من كانت لديه بقايا مهارة من زمن سابق, فقدها بفعل تركه لها, فليس الأمر شرب سيكارة لا يمكن لمن تركها ان ينسى طريقة شربها, انما الحديث عن طرق عمل و معادلات تحكم الأنشطة المختلفة للعاملين.
ولا يخفى على أصحاب هذا الشعار الجميل ان القوانين التي تحكم الصناعة, هي من مخلفات النظام السابق حيث أصبحت بالية, وغير منسجمة مع طبيعة النظام الجديد, وما يفرضه السوق الحر ولم تشمر الجهة التشريعية عن ساعدها الاعبل في وضع ما ينبغي من قوانين.
ما تقدم ليس من السوداوية في شيء وليس الامر بالتنكيل بمطلقي هذا الشعار ولكن هي الحقيقة التي ينبغي ان نبني خطواتنا الاولى على اساس ادراكها والإحاطة بها حتى تكون تلك الخطوات شوطاً في طريق النهوض المنشود لصناعتنا الوطنية فليس الأمر بعدد الأحذية المخزونة شركات الجلود, بل يتعداه الى السؤال عن جودة تلك الأحذية مقارنة بما موجود في السوق؟ وكلف إنتاجها الحقيقية وليس المدعومة؟ وحداثة المعدات التي انتجتها؟ وطاقتها الإنتاجية؟ و مصدر موادها الأولية؟ ماذا عن معامل الدباغة التي تجهزها .. وو ... ولا تحسبن المجد تمرا انت آكله.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.
https://telegram.me/buratha