الصفحة الاقتصادية

أزمة كورونا والإقتصاد العراقي  

1739 2020-07-14

ضياء المحسن ||

 

منذ أكثر من خمسة أشهر وأكثر من ثلتي سكان الكرة الأرضية يعيشون في خوف ورعب من وباء كورونا ، الأمر الذي توقفت معه كل شيء، المصانع والتجارة والترفيه؛ كل شيء أصابه الجمود بسبب الوباء الذي لا يُرى بالعين المجردة، ولم يكتف الوباء بشل حركة هذه المرافق التي يعتمد عليها الإنسان في توفير لقمة عيش كريمة له ولعائلته، بل أنه تسبب في تفاقم الأزمات المالية لعدد غير قليل من دول العالم، خاصة تلك الدول التي تعتمد في تأمين متطلبات العيش فيها على صادرات النفط، حيث انخفض سعر برميل النفط في الفترة الأولى من إنتشار الوباء الى ما دون العشرين دولار، والذي يعني أنه بالكاد يغطي تكاليف إنتاجه.

الإقتصادات التي تعتمد على الصادرات النفطية ومنها العراق، تعرضت الى ضربة شديدة جدا، تمثلت في إنخفاض الإيرادات من بيع النفط الخام، بما نتج عنه عجز كبير في حسابها الجاري.

بمراجعة بسيطة للعجز الحاصل في الحساب الجاري، وبين المخاطر التي ترتبط على الصادرات السلعية الأخرى، نجد أن الدول التي تعتمد على الصادرات النفطية، تكون المخاطر فيها عالية جدا، خاصة إذا كانت مثل حالة العراق الذي يعتمد في تمويل موزانته العامة بنسبة تزيد الى 95% على الصادرات النفطية، وإذا ماأخذنا بنظر الإعتبار أن نسبة كبيرة من هذه الإيرادات يعاد إخراجها من البلاد على شكل واردات سلعية، سنجد مقدار الكارثة التي يمر بها هذا البلد.

مع هذه الضبابية في الوضع الإقتصادي العراقي، السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل بالإمكان الخروج من هذه الإشكالية بأقل الخسائر؟ وما هي السبل لتحقيق طفرة نوعية، والإنتقال من إقتصاد يعتمد بهذه النسبة العالية على الإيرادات النفطية، والإعتماد على بقية القطاعات الإنتاجية؟

وجود الثروات الطبيعية في أي بلد من بلدان العالم هو عامل مهم في تطوير إقتصاد ذلك البلد، وبغض النظر عن كون هذه الثروات قابلة للنضوب أم لا، فإن من واجب الحكومات التعامل معها بما ينفع أبناء ذلك البلد، وهذا يحتم على الحكومة أن تكون هناك إستراتيجية واضحة لكيفية التعامل مع هذه الثروات لتوليد الدخول لأفراد المجتمع، قبل نضوب هذه الثروات، والتخطيط الإستراتيجي لهذا الأمر يجب أن يكون في وقت مبكرا، حيث أن الواقع يقول أن الأوقات الجيدة لن تستمر طويلا.

واقعا أن العراق طيلة السنوات الماضية لم يستطع أن يتحسب لهذا الأمر، مع أن العالم خلال الفترة بين عامي 2003 و2020 واجهته أزمتين ماليتين، الأولى عام 2008 والثانية عام 2014، وقبل هذين العامين كانت هناك وفرة في الموازنات العامة، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة الإستفادة من هذه الثروات، بحجج لا تصمد مع الواقع، فمجموع الموازنات تجاوز الواحد ترليون دولار بكثير، كان بالإمكان تفعيل القطاعات الإقتصادية المهمة (الزراعة والصناعة) بالإضافة الى قطاعي السياحة والخدمات، وهذه القطاعات كان بإمكانها إمتصاص أكبر عدد ممكن من القوى العاملة التي تعاني الأن من البطالة، بدلا من تبديد هذه الثروات على أمور أصبحت كاهلا على البلد؛ بدلا من أن تكون عامل قوة له.

هناك عوامل ساهمت في ما نراه من تردي الإقتصاد العراقي، سنحاول إيجازها تاليا:

العامل الأول الذي نتحدث عنه هنا، يتمثل في إرتفاع عدد العاملين في القطاع الحكومي، نسبة الى عدد السكان، مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية مثلا، والتي لا يتجاوز عدد العاملين في القطاع الحكومي هناك عدد الموظفين في الجهاز الحكومي في العراق، وهذا العدد من الموظفين يستهلك ما يقرب من 47% من مجموع الإيرادات في الموازنة.

العامل الثاني الذي نتحدث عنه هنا، هو العدد الكبير من الوزارات والدوائر والهيئات، التي لم تستطع أن تقدم خدمة سواء للمواطن أو للبلد بصورة عامة، بل كانت عبارة عن دكاكين تعود بالنفع على الأحزاب السياسية التي تستلم هذه الوزارة أو تلك، أو هذه الهيئة أو تلك الدائرة، فعلى السلطة التنفيذية أن تقوم بمراجعة دقيقة لواقع هذه الدوائر، فمثلا ليس من المعقول أن يتم إنفاق ما يزيد على 47 مليار دولار طيلة السنوات الماضية على قطاع الكهرباء، والى الأن لم يتجاوز إنتاج الكهرباء 20000 ميكاواط، مع أننا لو افترضنا أننا صرفنا نصف هذا المبلغ لأنتاج الكهرباء، لكان العراق ينتج ما لا يقل عن 23500 ميكاواط، وليس من المعقول عدم مغادرة المحطات الكهربائية والغازية والتحول الى الطاقة الشمسية والمتوفرة في بلد كالعراق لفترة طويلة على مدار اليوم، بحجة أننا نمتلك من الخبرات التي تستطيع التعامل مع المحطات الحرارية والغازية.

العامل الثالث الذي نتحدث عنه هو المستشارين الذين يملؤن المكاتب (سواء في رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان) الموظفين في مكاتب رئاسة الوزراء وبقية الرئاسات الثلاث، الذين لا يفعلون شيء سوى إستنزاف ميزانية الدولة، كما أن نظرة بسيطة لعدد الموظفين وتوصيف الدرجات الوظيفية لهؤلاء تجد أن الموظفين في الدرجات الدنيا أقل من عدد الموظفين في الدرجات العليا، وهذا الكلام مأخوذ من الموازنة العامة، التي صادق عليها مجلس الوزراء ومن بعده مجلس النواب ورئيس الجمهورية ومنشورة في جريدة الوقائع العراقية.

لقد كان العراق يعيش في حياة جيدة عندما كانت الزراعة تمثل أكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث أننا نقرأ عن مجلس الإعمار العراقي ومشاريع هذا المجلس التي تنتشر في جميع أرجاء العراق، لكن اليوم ماذا فعلت الدولة للبلد مع هذه الأرقام الفلكية، قد يلقي البعض باللوم على الفساد الإداري والمالي في تبديد هذه الثروات، نعم في جزء منه صحيح، لكن الأصح منه هو غياب الرقيب النزيه والرادع القانوني المغيب الذي لم يفعل شيء أزاء الفساد المستشري، بسبب إرتباط الفاسدين بالكتل السياسية والأحزاب المتنفذة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك