ضياء المحسن||
يثير هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية تساؤل كبير، عن ماهية الأسباب الحقيقية لهذا الهبوط، فهل هناك لعبة سياسية تحاول الضغط على بعض المنتجين بهدف جرهم لما يريده هؤلاء، أم أن هؤلاء يحاولون الضغط على المستهلكين، وسلب القرار السياسي منهم لمصلحة المتنفذين في السوق النفطي؟ هذا من جهة، من جهة أخرى لماذا يتم الإعتماد في تسعير النفط على أنواع من النفط يكون إنتاجها أقل من بقية إنتاج الدول الأخرى، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار تقارب الكثافة والجودة في بعض الأنواع من هذا النوع، ثم لماذا يتم تسعير النفط حصرا بالدولار الأمريكي.
الأسئلة التي تدور في الذهن كثيرة، سنحاول الترف على بعض منها، على أمل التعرف على البعض الأخر في مناسبة أخرى.
في تطور خطير إنخفض سعر برميل النفط الى مستويات متدنية مع بداية العام الحالي، بعد أن كان سعر برميل النفط قد تجاوز عتبة الستين دولار، وهو الأمر الذي أنعش صناعة النفط الصخري في كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية، عندها قامت السعودية وروسيا (بالإتفاق أو بدونه) بإغراق السوق النفطي بكميات كبيرة، الأمر الذي اضطرت معه شركات النفط الصخري الى تخفيض إنتاجها من النفط، كونه لا يغطي تكاليف إنتاجه (تكافة إنتاج برميل النفط الصخري تقترب من 55دولار).
كان لجائحة كورونا أثر كبير في تدني أسعار النفط، بسبب الحجر على جميع أشكال الحياة، وهو ما أدى الى توقف الصناعة والسياحة في أرجاء المعمورة، فهبطت أسعار النفط الى ما دون العشرين دولار، وهذا كان له أثر كبير على الدول النفطية، خاصة الريعية منها، نتج عنه حدوث ضائقة مالية لدى نسبة كبيرة من مواطني هذه البلدان.
تعد الأسواق النفطية الوسيلة الفاعلة في تسويق النفط، وعقد الإتفاقات ما بين المنتجين والشركات التي تقوم بتكرير النفط الخام، لذا فإن هذه الأسواق لها تأثير إيجابي على آلية تسعير النفط في الأسواق العالمية، وهذا الأمر يمكن لمسه في أسواق نيويورك أو لندن وحتى أسواق سنغافورة.
لا يمكن لأي متابع أن ينكر أن النفط سيبقى لفترة طويلة من الزمن المصدر الأكثر تداولا من مصادر الطاقة الأخرى، وقد يكون الأرخص في ضوء المتغيرات التي تحدث في أسواق مصادر الطاقة البديلة الأخرى، حيث نلاحظ أن النفط يتفوق على بقية المصادر من حيث الحجم والقيمة والوزن، من جهة أخرى نجد أن النفط تختلف خواصه وجودته وأنواعه من بلد لأخر، وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على طريقة تسعير النفط في هذا البلد أو ذاك.
نسمع كثيرا عن النفط الخفيف والثقيل، إن تصنيف النفوط على هذا الأساس مسألة مهمة لمعرفة سعر النفط في السوق النفطية، بالإضافة الى كيفية التعامل مع هذا النوع من النفط أو ذاك عند إجراء عمليات التكرير لتعظيم الإستفادة المتوخاة، والحصول على قيمة أكبر تضاف الى الربح المتحقق، من هنا فإن تصنيف بتروليم انتيليجنس يعد واحد من أبرز التصنيفات لأنواع ودرجات النفط، حيث يأتي النفط الأحفوري بالدرجة الأولى ومن بعده النفط الصخري (والذي لا يزال مثار للجدل بسبب إرتفاع تكاليف الإنتاج والآثار البيئية المترتبة على إستخراج هذا النوع من النفط)، بالإضافة الى كونه منافس في السوق النفطية.
تصنيف النفط العراقي
لكل نوع من أنواع النفط المستخرجة من الحقول بصمة تختلف عن الأنواع الأخرى، من حيث الجغرافيا التي يتم منها إستخراج النفط، حيث نجد أنواع وخواص تعتمد الوزن النوعي بالإضافة الى نسبة الكبريت الموجودة فيه
يعد معياري الكثافة والمحتوى الكبريتي أهم تصنيفات أنواع النفط المختلفة، لتوظيفه كأساس تجاري في مجال تسعير النفط، هنا لابد من الإشارة الى معيار معهد البترول الأمريكي والذي يتضمن ثلاث مجموعات رئيسة هي (الخفيف والمتوسط والثقيل)، فعندما تزيد كثافة النفط سوف يعطي قيمة أعلى بسبب زيادة المنتجات فيه، بمعنى أن المنتجات عالية القيمة تتمثل بالمواد غير الصلبة التي يتم إستخراجها من هذا النوع، وهو الأمر الذي يؤثر على سعره بالزيادة، فكلما ارتفعت كثافة النفط، انخفض الكبريت فيه؛ يقع النفط العراقي بنسب متفاوتة ما بين النفط الخفيف والثقيل الى المتوسط، أي النفط متوسط الكثافة (المحتوى الكبريتي فيه مرتفع الحامضية)، لذا فإن إنتاج الأنواع المتوسطة الحامضية في العراق قد تصل نسبته الى 100% (بحسب مجلة النفط والتعاون العربي).
تسعير النفط يتم وفقا لقاعدة العرض والطلب، بالإضافة الى عنصر الزمن الذي سيتم فيه تنفيذ العقد، حيث نجد أن أن بورصة النفط الدولية IPE في لندن بالإضافة الى بورصة NYMEX في نيويورك، وكذلك بورصة SIMEX في سنغافورة هي من تقوم بتنظيم سوق النفط دوليا، الملاحظ أن الأسعار تتغير حسب العقود المبرمة بالإضافة للظروف المحيطة بالسوق (السياسية والمناخية)، ولأن أنواع النفط ودرجاته مختلفة، فقد سارع المتعاملون في السوق النفطي على إيجاد معيار للتسعير، فتم إعتماد معيار خام برنت لتسعير أكثر من ثلثي مبيعات النفط، بملاحظة أن إنتاج خام برنت المباع منه في الأسواق لا يتجاوز 250000 برميل يوميا، حيث يتم تحديد سعر نفط البصرة خفيف مثلا أما بعلاوة أو خصم، يعد مزيج برنت قريب من النفط العراقي (برنت واحد من أنواع النفط الخفيف كثافته 38 درجة، بينما النفط العراقي يميل الى الخفيف بنسبة كثافة تصل الى 34 درجة)، المشلكة التي ستواجه المنتجين والمستهلكين على حد سواء، هي مسألة تسعير النفط إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن حقول بحر الشمال شارفت على النضوب.
بالإضافة الى إعتماد العراق على مزيج برنت في تسعيره نفطه، يبدوأن هناك توجه لإعتماد مرجع سعري أخر في تسعير نفطه، حيث يحاول العراق إعتماد مرجع آرجوس السعري في تسعير نفطه، وآرجوس شركة بريطانية متخصصة بالإحصاءات التجارية، تقوم بجمع البيانات وتحليلها؛ خاصة تلك المتعلقة بالطاقة وتقييمها من وجهة نظر فنية، وتقوم بنشر قائمة تفصيلية بكميات وأسعار المواد التي يتم تداولها في الأسواق العالمية، ويتضمن ذلك متوسط سعر كل مادة من تلك المواد المتداولة.
يشمل مرجع آرجوس السعري ثلاث خامات يومية، تمثل متوسط سعر الوزن النوعي لتلك الخامات وهي خام مارس، وبوسيدون وخام جنوب جرين كانيون، ناهيك عن أنه يقوم بتقييم متوسط جميع الصفقات مقارنة بخام غرب تكساس.
https://telegram.me/buratha