حسين فلسطين ||
طوال الفترة الماضية وتحديداً ما بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي جرى العمل بقوة على دس فكرة اللجوء لصندوق النقد الدولي كحلول ومعالجات ضرورية للأزمة الماليّة التي ضربت العراق بالتزامن مع سيطرة التحالف البعثي_الوهابي على مساحة شاسعة من الأراضي العراقية كنتيجة لتعمد الكيان السعودي واقدامهِ على خطوة خفض أسعار النفط لما يقارب (٩٠%) كخطوة تعجل في انهيار العراق الذي بدأ خوض النزال مع داعش المدعوم سعودياً .
الترويج لفكرة اللجوء لصندوق النقد الدولي بدأت بقوة وإصرار كبيرين وصولاً إلى مرحلة النقاش الصريح حولها ، في لجان اقتصادية حكومية ونيابية مستغلةً ما وصفت بخطّة الإصلاح الحكومي التي تبنتها حكومات ما بعد حزيران ٢٠١٤ وتعويض ما يبذل من أموال طائلة لسداد مبالغ الأسلحة والمعدات العسكرية ، لتبدأ كارثة الاحتلال الاقتصادي والمالي بأحكام السيطرة على القرار السيادي الاقتصادي العراقي في كل خطوة ومفصل تحت مسمى " نيوليبرالية صندوق النقد الدولي " وعلى عكس العناوين البراقة التي يرتكز عليها الصندوق كخطوة للترويج عن أهدافه ومشاريعه فإن الحقيقة بصريح العبارة ودون رتوش تعني خضوع الدول المقترضة لشروط واملاءات الصندوق مع التلويح بفرض سياسة التقشف على المواطن الفقير دون أن يضع الصندوق أي حلول أخرى تساعد في رسم سياسة مالية تعبر بالعراق إلى برّ الإمان ، فالفساد زاد عن ما كان عليه في السابق والمناصب لازالت في طور التكاثر والانشطار والترهل الإداري بلغ حدود القرف كل ذلك والصندوق يراقب عملية الانهيار الاقتصادي للأجهاز على العراق والسيطرة على موارده ولعل تصريح نائب رئيس صندوق النقد الدولي ( ديفيد ليبتون ) عام ٢٠١٨ في "مؤتمر إعادة أعمار العراق" بأن "العراق في ٢٠٢٢ سيضطر لدفع (٦٠%) من عائداته لصندوق النقد الدولي لكي يسد الديون المترتبة عليه"، أي أن العراق سيكون شبه عاجز عن دفع الديون والفوائد المركبة عليه ، الديون التي أنهكت ظهر الدولة العراقية قد بلغت (١٢٣) مليار دولار عام ٢٠١٨ .
وعلى عكس ما يشاع فإن الصندوق لم يوفر ما يضمن وجود نظام نقدي عالمي رصين قادر على عبور الأزمات المالية والاقتصادية خصوصا في الدول النامية كما أنه لم يرسم سياسة اقتصادية جديدة متطورة بل تغافل عن اي نجاح اقتصادي لا يندرج ضمن المنظومة الأمريكية والغربية فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ثمة تطور اقتصادي ومالي كبيرين في دول الشرق آسيوية كالصين وتايوان وكوريا وسنغافورة وتايلاند اضافة الى ايران التي تقاوم منذ عقود حصار جائر لم يقف حائلا بينها وبين صناعة نظام مالي واقتصادي تجاوز بأشد الظروف حاجز الخمول والخضوع والانطلاق نحو اقتصاد مستقل قوي .
أن التعامل مع صندوق النقد لم يكن الأول من نوعه في العراق إذ سبق وأن تم التعامل معه لكن بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي تعاملت بها حكومة العبادي التي جائت بعد تدخل امريكي_خليجي لذلك فإنها خضعت وبشكلاٍ كبير لأملاءات الصندوق الجائرة دون أن تتخذ ايّ خطوة حقيقية لأيقاف حالة الهدر المالي خصوصاً فيما يتعلق بألامتيازات الحزبية والمناطقية والاتجاه نحو المواطن الفقير الذي عانى ما عاناه جراء سياسة التقشف القاسية بحقهِ والتي أوقفت المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة واضعفت القطاع الخاص والعام ليشهد العراق اشد حالات الجمود الاقتصادي .
ومما لا يقبل الشك أن السيطرة الأمريكية على سياسة الصندوق واضحة وجلية فعلى الرغم من ظهور صندوق النقد الدولي بلباس عالمي يظهر تبعيته للأمم المتحدة الاّ أن الحقيقة والاثر يقولان غير ذلك ، فهو اداة بيد شركات عالمية خاضعة للدول الكبرى مهمته السيطرة على اقتصاد العالم وموارده لتدمير اقتصاد دول العالم الثالث وشعوبها الفقيرة "، وفقًا لـ"جون بيركنز"، مؤلف كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم".
ويوضح "بيركنز" أنه "على الدول التي توافق على شروط صندوق النقد أن تقبل مجموعة مفاهيم جديدة ابرزها تحرير التجارة و الخصخصة الكاملة للصحة والتعليم والمياه والكهرباء". وبكل تأكيد فأن هذه الشروط لا تتناسب مع الوضع الذي يعيشه العراق والاّ هل يعقل اللجوء إلى خصخصة الكهرباء مع تكرار إنقطاع التيار الكهربائي لساعات عديدة وهل أن للخصخصة استثناءات تمنح لغير الشعب؟
ممارسة صندوق النقد الدولي للهيمنة الاقتصادية اضعاف للقرار السياسي واستقلاليته وهو ما يفقد عذرية السيادة لأي بلد وهذا ما يعانيه العراق اليوم فحجم التدخلات بلغ حدود لا تطاق منها ، تلويح إقليم شمال العراق بالاستعانة بالأمم المتحدة وأمريكا لأخذ ما يفوق حصة المحافظات الثلاث ، كذلك فإن الصندوق يجبر الحكومة على عدم استحداث أي باب صرف غير الذي يضعه هو كما أنه يضع أولى أولوياته تسديد ديون الشركات الأجنبية رغم عملها بنظام الاستثمار !
https://telegram.me/buratha