الصفحة الاقتصادية

التجارة شطارة .. ولكن !!

1721 2022-04-05

عبدالملك سام ||

 

هناك قصة أعجبتني للأديب الروسي الشهير (تولستوي) ، والقصة لها معان عميقة حقا ، وتحكي عن منطقة زراعية واسعة في روسيا حيث كان جماعة من الناس يقتسمون الأراضي بينهم بطريقة فريدة ، فقد كان كل شخص منهم يقوم عند شروق الشمس ليمتطي جواده وينطلق ، وكل الأرض التي يمر فيها تكون ملكه بشرط أن يعود قبل غروب الشمس .. والنتيجة أنه لم يعود أحد منهم ! فالجشع دفع بهم بأن ينطلقوا بسرعة وكل واحد منهم يحاول أن يصل لأبعد ما يستطيع ، فكان الحصان يموت من التعب ، أو أن لا يتمكن راكب الحصان من العودة قبل غروب الشمس ! وأهم معاني القصة هي أنه لا يهم أن تنطلق بسرعة ، بل الأهم أن تفكر في طريقة عودتك سالما ، وأن جشع الإنسان لا حدود له .

معظم تجارنا يفكرون بالربح السريع ، لذلك فهم يفعلون أي شيء لتحقيق ذلك ، والنتيجة الماثلة أمامنا أننا نرى تجارا كثيرون أندثرت شركاتهم بعد سنوات قليلة وظهر غيرهم ، كما نرى أن معظمهم عاجزون عن دخول اسواق أخرى ، بينما في الماضي البعيد كان أهل اليمن من أشهر التجار الذين وصلوا إلى أطراف الدنيا ، كما نشاهد في الدول التجارية اليوم شركات عمرها مئات السنين ، وها نحن نرى أسواقنا العتيقة التي كانت مزدهرة في الماضي وهي تعاني من الكساد بعد أن كانت سلعها المحلية قبلة لحاجات الناس ، فلماذا ؟!

هناك مثل قديم يقول : "الجشع قل ما جمع" ، وفعلا نحن نرى أن تجارنا مهما جمعوا فإنهم يصلون لمرحلة لا يستطيعون فيها الاستمرار ، والواقع أن القصص في مجتمعنا فيها الكثير من هذه النماذج . بجانب الأثر الاجتماعي السلبي الذي ينتج عن ظواهر الأستغلال والجشع والربا والاحتكار والرشوة فقد فشل تجارنا في تكوين مجتمع تجاري قادر على المنافسة والتوسع والأزدهار ؛ فأهم صفات المجتمعات التجارية هي الصدق والأمانة والوفاء وعدم الغش ، وجميعها تعتبر أكبر دعاية لأي تجارة في العالم .

الاستغلال قد يؤدي لتحقيق ربح كبير ربما ، ولكن عبء ذلك لا يمكن تحمله إذا ما سقطت السمعة التجارية ، ومهما حاول التاجر فيما بعد سقوط سمعته أن يرمم الضرر فغالبا لن يستطيع ذلك ، وغالبا أيضا ما يتم إزاحة هذا التاجر بواسطة تاجر جديد حل مكانه . وهذا هو أحد أسباب ظهور السلع الجديدة والكثيرة ، واختفاء سلع أخرى كانت منتشرة ولكنها لم تعد قادرة على المنافسة ، بل من المستغرب أن تكون سلع أجنبية قادرة على إزاحة منتجات محلية رغم بعد المسافات التي تأتينا منها بسبب ثمنها الأرخص !

 معظم تجارنا لا يفكرون بالآثار الاجتماعية لتجارتهم ، فجل ما يهمهم هو الثمن ، ولهذا التصرف آثار كارثية على المجتمع الذي يعتبر "زبون" هذه المنتجات ، فعندما تكون السلعة رديئة وغير صحية ويمرض "الزبون" بسبب رداءة السلعة فإنه لا يعود قادرا على شرائها ، بل قد يسبب دعاية سيئة ضد السلعة ، فالمجتمع المريض "زبون" سيء ! وأيضا السلعة الرديئة لا تستمر طويلا وتأتي سلع أخرى تزيحها من السوق ، والسلع السيئة تدمر السوق التجاري بشكل عام ، وآثار ذلك أن المشتري يعزف عن الشراء أو يكون غير قادر على الشراء أصلا ..

أنا إلى الآن أتحدث مع تجارنا عن الحرفية ، ولم أتحدث عن الجوانب الدينية والأخلاقية رغم أهميتها لمعرفتي بأن معظم التجار يفكرون بعقولهم لا بمشاعرهم ، وكما رأينا فإن لغة العقل تشهد ضد التاجر الذي يظن بأنه ذكي ، ولكنه بحساب المنطق ليس كذلك . والمفترض أن تجارنا مسلمون ويؤمنون بالبركة وآثار فعل الخير ومسئوليتهم الدينية والأخلاقية أمام مجتمعهم خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها من عدوان وحصار .. نريد تجارا ناجحين وأغنياء ، ولكننا نريدهم أيضا شرفاء وإنسانيين . نريدهم أن يربحوا وأن تكبر تجارتهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير ، ولا نريد أن يخسروا أو نخسر .. نريد تجارة لا تستغل حاجات الناس فتحل على تجارنا اللعنة فيسقطوا ونسقط معهم .

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك