ضياء المحسن ||
باحث في الشأن المالي والإقتصادي
منذ ما يقرب من شهرين والسوق العراقية تشهد أزمة إقتصادية تضغط على المواطن، بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي، جراء إيقاف التعامل مع عدد من المصارف العراقية الخاصة؛ لإتهامها بتهريب العملة لأجنبية لدول مفروض عليها المنع (إيران، سوريا، لبنان، تركيا، روسيا)، بالإضافة الى عمليات غسيل أموال لمتنفذين التي يحصلون عليها عن طريق العقود وتهريب المخدرات والدعارة وتجارة الأعضاء.
لهذه الأسباب وغيرها من الأمور كانت هناك إشارات من البنك الفيدرالي الأمريكي يتم إرسالها الى البنك المركزي العراقي لتصحيح ما يراه الفيدرالي الأمريكي بأنه خطأ قد ينتج عنه تدمير ممنهج للإقتصاد العراقي والذي يعتمد بدرجة كبيرة على تصدير النفط.
مع ما تقدم من الأسباب المذكورة يبرز أمامنا تساؤل كبير، يتمثل في(ما هي إجراءات البنك المركزي العراقي تجاه ما حصل ويحصل في الإقتصاد العراقي؟) واقعاً لم نلمس أي تجاوب من قبل البنك المركزي العراقي حول البحث في أصل المشكلة الحاصلة، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنها ليست وليدة اللحظة، بل يتجاوز عمرها الخمسة أعوام، حيث أن البنك الفيدرالي الأمريكي كان يقوم بتنبيه إدارة البنك المركزي العراقي بأن هناك عدد ليس قليل من المصارف يقوم بتهريب العملة الأجنبية الى هذه الدول، لكن دون أن يأخذ المركزي العراقي أي إجراء للحد من هذه المشكلة، الأمر الذي اضطر معه البنك الفيدرالي لإتخاذ إجراء بإيقاف التعاملمع هذه المصارف، مع تحذير شديد لعدد أخر من المصارف الخاصة بأنها يمكنأن تواجه نفس الأمر.
تمثلت إجراءات البنك المركزي العراقي بالتصريح بأن هذه الأزمة عابرة وستنتهيخلال الفترة القليلة القادمة، بالإضافة الى التصريح بأنها سمحت للمصارف الحكومية والخاصة ببيع الدولار الى الأفراد، لكن بقي القرار مجرد حبر على ورق لصعوبة تنفيذ آلية هذا القرار، مما جعل السوق يترنح ويشهد إرتفاعاً لسعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقيوإدارة البنك المركزي العراقي عاجزة عن التعاملمع هذا الموضوع، ليس لقلة خبرتها في هذا الموضوع؛ لكن لأنها لا تريد أن تصطدم مع الكتل السياسية المؤثرة والتي لها علاقات بشكل أو بأخر مع مجموعة المصارف الخاصة ومكاتب الصيرفة أيضا.
ما تقدم يطرح سؤال أكبر، ما هي الحلول من وجهة نظرنا الشخصية؟
هنا نحن لا ندعي بأننا نملك عصا موسى لحل الأزمة، فالأزمة ليست مستعصية على الحل، فهي من جانب لم ترتقِ الى مستوى أزمة مستعصية الحل، ومن جانب أخر فإن الحلول قد لا تُعجب الآخرين، وهنا نحن لا يهمنا الآخر، بقدر ما يهمنا المواطن بالدرجة الأساس، ذلك لأن أمن الوطن من أمن المواطن، وطالما الأمور وصلت الى هذا الحد، بات من الضروري أن تكون الإجراءات قوية من قبل السلطة النقدية والحكومة التنفيذية، وتبدأ أولا بإلغاء نافذة العملة وإعادة العمل بدائرة التحويل الخارجي لتكون هذه الدائرة هي المسؤولة حصرياً عن إنجاز تعاملات المستوردين مع الموردين، من خلال إلزام المستورد بإخبار هذه الدائرة عن الجهة التي يستورد منها بضاعته، لتقوم الأخيرة بالتواصل مع المُوَرِد لمعرفة تفاصيل الشحنة (نوع البضاعة، الكمية، سعر التجزئة، سعر الجملة، طريقة التسديد، المصرف المراسل) وبعد وصول هذه المعلومات الى الدائرة تقوم بتبليغ المُوَرِد بالموافقة على الإلتزام بتسديد المبلغ عن تلقيها إشعار من التاجر بوصول بضاعته الى مخازنه، بشرط أن يقوم البنك المركزي ببيع الدولار الى التاجر بالسعر الرسمي المذكور في الموازنة العامة، مع إلتزام التاجر بأن يبيع بضاعته بأرباح لا تتجاوز ال10% بعد إحتساب الضريبة الكمركية المفروضة على السلعة.
الأمر الأخر هو دخول الحكومة كتاجر في السوق، وهذا الأمر له أفضلية كبيرة على التاجر، لأن الحكومة لا تشتري الدولار مثل التاجر، بل إن معاملاتها التجارية تقوم على أساس المبادلة سلعة بسلع أخر، فهي تبيع النفط للدول وتشتري منها سلع يكون الإقتصاد العراقي بحاجة، سواء للإستهلاك الداخلي أو دخولها في تصنيع سلع في العراق، بملاحظة أن وزارة التجارة العراقية لديها علاقات تجارية مع أغلب الدول في العالم وهناك ملحقيات تجارية تعمل في سفارات العراق في هذه الدول، بالتالي فإن هذه الخطوة ستمثل ضربة قوية لمن يتاجر بقوت المواطن، وستحد كثيراً من جشع التجار وتضغط على من يتلاعب بسعر الدولار.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha