عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
في الافق البعيد، يظهر ضوء لمركبة تسير ببطء، لانها تنوء بالكثير من الاحمال، التي تجعل من حركتها بطئية، فضلا عن المطبات الكثيرة التي تملأ ذلك الطريق، وعندما تقترب تلك المركبة، بعد انتظار ممل لوصولها، يتبين انها مركبة القطاع الخاص العراقي، هذا القطاع الذي نطالبه بالكثير، من دون ان نعطيه شيئا! فعلى مدى عشرين عاماً كان الحديث عن القطاع الخاص، يتصدر المجالس التي تعنى بالملفات الاقتصادية، واصبح هذا القطاع مثل السمك (مأكول مذموم)!
فعلى الرغم، من ان الجميع يتحدثون عن ضرورة ان يحظى القطاع الخاص، بالمساحة التي ينبغي ان يملأها على اعتبار اننا نتحدث عن اقتصاد حر، من دون قيود، ولكن يبدو جليا، ان العقلية الاشتراكية، مازالت تهيمن على الكثير من العقول المتحكمة بالقرار،ولعل واحدة من الاشكالات التي سببها الدستور للقطاع الخاص هي عدم تحديده هوية واضحة للاقتصاد العراقي، فهو لم يوضح فيما اذا كان هذا الاقتصاد اشتراكيا، ام حرا، ام مختلطا.
لذلك فان وضعا مثل هذا اربك الاقتصاد، وادى الى المزيد من التهالك لقطاعات التنمية المختلفة.
وهذا الامر اتاح للقطاع العام المزيد من الهيمنة على المشهد التنموي برمته، (يخطط وينفذ) فكان ذلك سببا في نمو قطاع خاص طفيلي غير قادر على المشاركة الحقيقية في التنمية، كما تسبب هذا الامر في نمو الفساد بنحو ضرب الكثير من المفاصل العامة.
وفي ظل هذا المشهد الشائك والمعقد، خطت الحكومة العديد من الخطوات المهمة باتجاه احتضان ودعم وتطوير القطاع الخاص، بدأتها باطلاق استراتيجية لتطوير هذا القطاع، بثلاث مراحل، هي التهيئة، والتمكين، ثم منحه القيادة والريادة للاقتصاد والتنمية، تلا ذلك الاعلان عن تشكيل مجلس خاص لتطوير القطاع الخاص، كانت البداية ان يعمل المجلس بنحو مؤقت، ثم يتحول الى مجلس دائم يضم ممثلين عن جميع الفعاليات الاقتصادية والتجارية المنضوية تحت لواء القطاع الخاص، ولكن يبدو واضحا ان خطوة مهمة اخرى اتخذتها الحكومة، وهي الاعلان عن انشاء خمس مدن سكنية عملاقة كوجبة اولى ضمن مشروع كبير يضم نحو ١٥ مدينة في عموم المحافظات، وسيضطلع القطاع الخاص بتنفيذ هذه المشاريع من الالف الى الياء، وهي بتقديري ، تمثل فرصة كبيرة وعلى قدر كبير من الاهمية، يحصل عليها القطاع لاثبات وجوده، وتغيير الصورة النمطية عنه، وان تمثل هذه الفرصة بداية حقيقية، لمفاصل القطاع الخاص، التي عانت من التكلس لسنوات طويلة، وفي المقدمة منها القطاع المصرفي، الذي سيكون له شأن عظيم في تمويل المشاريع التنموية، وهي فرصة جيدة للمصارف لان تتحول من الجانب الاستهلاكي غير المنتج تنمويا الى الجانب الاستثماري، الامر الذي يسهم في تقوية كفاءتها المالية، ويعزز من فرصها الحقيقية، وهذا ينسحب ايضا على باقي الفعاليات الاقتصادية.
https://telegram.me/buratha