الاطمئنان الاستهلاكي..!
عبدالزهرة محمد الهنداوي ||
تأثر العالم كثيرا بتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية، فبعد ان فشلت كل التوقعات بانتهائها في غضون عدة اشهر، لم يعد ثمة امل بوجود انفراجة قريبة لهذه الازمة العالمية، التي ادت بدورها الى خلق ازمات ارتدادية حادة، تمثلت بارتفاع صارخ لاسعار المواد الغذائية والانشائية على المستوى العالمي، ذلك لان البلدين المتحاربين، يعدّان من المصادر الاساسية في تصدير القمح والزيت الى الكثير من بلدان الشرق الاوسط، ومنها العراق، ما ادى الى ارتفاع اسعار هاتين المادتين بنحو لافت، في الاسواق العالمية، حتى ان سعر القمح تضاعف مرة ونصف عما كان عليه قبل الحرب، التي ادت الى قطع سلاسل التوريد بين الشرق والغرب، ما دفع بالتجار الى البحث عن طرق ومصادر بديلة، لشحن البضائع، فكان ذلك سببا اخر لارتفاع الاسعار، وبطبيعة الحال ان مثل هذه الارتفاعات السعرية تؤدي الى ارتفاع معدلات التضخم عالميا، وهذا ما حدث فعلا، اذ شهدت الكثير من البلدان ارتفاعا جامحا في التضخم السنوي، نتيجة وجود تضخم نقدي واضح مقابل ندرة سلعية طاغية.
اما في العراق، فقد بدى المشهد مختلفا تماما، اذ لم تشهد معدلات التضخم لدينا مثل ذلك الارتفاع الذي شهده العالم، منذ بدء الحرب في اوربا الشرقية،.. نعم صحيح كان هناك ارتفاع في المعدل خلال الفترة المذكورة، ولكنه كان منطقيا، فهو لم يتجاوز بكل الاحوال نسبة الـ(٧٪) وهي قد تبدو نسبة مرتفعة بلحاظ الظروف التي تأثر بها العراق، وهي ظروف داخلية وخارجية، من قبيل تغيير سعر الصرف، والسعر الموازي، والارتفاع العالمي للاسعار، ووجود كتلة نقدية كبيرة يجري تداولها في التعاملات التجارية والسوقية، ومثل هذه العوامل كان يمكن لها ان تؤدي الى زيادة معدلات التضخم بنسب اعلى بكثير عما يتم رصده ميدانيا، انما على العكس، حتى معدلات الارتفاع بدأت تتراجع، على المستوى السنوي، فيما تم تسجيل انخفاض للتضخم خلال الاشهر الماضية، نتيجة انخفاض اسعار قسم المواد الغذائية تحديدا.
وهنا يأتي السؤال،، لماذا هذا الانخفاض في الاسعار؟ اليس العراق جزءً من العالم، حيث تعاني اغلب البلدان الان من مشاكل التضخم الاقتصادي ؟
نعم هذا صحيح، ولكن الفرق، ان لدى العراق مشروعا تدعمه الحكومة بقوة، الا وهو مشروع البطاقة التموينية، حيث كان للسلة الغذائية ضمن هذا المشروع، الاثر الكبير في استقرار الاسعار، بل وانخفاضها نتيجة قلة الطلب على المواد الغذائية، وقد ولّد هذا الامر حالة من الاطمئنان الاستهلاكي لدى الاسرة العراقية، بعد ان امتلأت البيوت، بالرز والطحين والسكر والزيت، وباقي المواد الغذائية، هذا من جانب، ومن جانب اخر، فقد نجح البنك المركزي، في تغطية المتطلبات الاستيرادية من المواد الغذائية للقطاع الخاص بالسعر الرسمي، وبذلك قلل كثيرا من تأثير السعر الموازي على الاسعار الاستهلاكية، يُضاف لذلك، الدعم السخي الذي تقدمه الحكومة للفلاحين والمزارعين، لاسيما في شراء المحاصيل الزراعية باسعار اعلى من اسعار السوق العالمية، وخصوصا الحنطة، وهذا الدعم شجع المزارعين على الزراعة بنحو جيد، فكان ان شهد العراق اكتفاء ذاتيا في محصول القمح لهذا العام، بعد ان وصل حجم الانتاج الى اكثر من (٥) ملايين طن، وان كان قليلا بالمقارنة مع المساحات المزروعة وغلّة الدونم الواحد.
ووفقا لهذه العوامل من المتوقع ان يبقى معدل التضخم محافظا على مستوياته الحالية، مع ميل للتراجع الطفيف خلال الاشهر المقبلة، مع استمرار السياسات الحالية.
https://telegram.me/buratha