بينما تتحدث القوات الروسية والأوكرانية عن نجاحاتها وإخفاقاتها على جبهات القتال في خضم الحرب الدائرة منذ 11 شهرا، تسللت قوة البطالة بصمت، واحتلت حياة ملايين الأوكرانيين.
وتقدّر إحصاءات الحكومة الأوكرانية والبنك الوطني ووزارة الاقتصاد أعداد من خسروا أعمالهم ووظائفهم خلال عام 2022 بنحو 2.6 مليون؛ ليرتفع بذلك عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 5 ملايين شخص.
لكن إحصاءات أخرى في مراكز دراسات غير حكومية تشير إلى أن عدد من خسروا أعمالهم في القطاعين العام والخاص قد يصل فعلا إلى 10 ملايين نسمة، أي ما يعادل 28.5 إلى 30% من إجمالي عدد السكان حاليا.
والنسبة ذاتها تنطبق على تراجع كل من الاقتصاد الكلي والناتج المحلي خلال العام الماضي، نتيجة توقف نسبة كبيرة من المصانع والمؤسسات والشركات عن العمل لأسباب كثيرة؛ أهمها الحرب والدمار وتراجع إمكانية الاستيراد والتصدير.
ولعل النسب الكبرى من الإغلاق والبطالة تعود إلى استعار الحرب في مقاطعات الشرق والجنوب أكثر من غيرها (خاركيف، ودونيتسك، ولوغانسك، وزاباروجيا، وخيرسون) التي تشتهر بأنها "عواصم الصناعة والزراعة" في البلاد.
عمل المتقاعدين
بشكل عام، قد يكون تغيير المهن أو ممارسة عدد منها في آن معا أمرا عاديا بالنسبة للأوكرانيين قبل الحرب، لكنه كان مرهونا بما يفضلونه من مجالات عمل ويخضع حتما لاعتبارات اجتماعية ومالية.
أما اليوم، فلا أهمية لكل ذلك إن جاءت الفرصة، فالحاجة تشمل الجميع، ولا ترحم حتى كبار السن المتقاعدين، الذين يصح القول إن وضعهم مأساوي.
فالسيدة غالينا -التي تجاوزت السبعين من عمرها- لم يعد يكفيها راتبها التقاعدي للعيش بضعة أيام، فقد تراجع بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية (هريفنيا) إلى نحو 75 دولارا، ولم يعد يلبي حاجاتها الأساسية أمام تضخم بلغت نسبته نحو 80%.
وفي ميدان الاستقلال (وسط كييف)، تجلس غالينا يوميا أمام طاولة صغيرة لبيع الأعلام والرموز العسكرية والأوكرانية الدارجة في ظل الحرب. وتقول، "البرد شديد هنا، لكن سؤال الناس أشد، وفكرة اللجوء إلى بلد آخر صعبة عليّ. سأعمل ما دمت أستطيع، وأفضل الموت على أرضي".
انتشار الفقر
وتراجع دخل شريحة المتقاعدين جميعا والعاطلين حديثا عن العمل، بسبب تدهور الاقتصاد والتضخم، ودخلوا جميعا في قائمة الفقر الذي وصلت نسبته إلى حدود 60%.
ووفقا لتقييم معهد الديموغرافيا والبحوث الاجتماعية في الأكاديمية الوطنية للعلوم، فإن ما بين 55 و60% من الأوكرانيين سيعيشون تحت خط الفقر في 2023.
وتقول الخبيرة في المعهد إيلا ليبانوفا "لم نكن أبدا أمة غنية جدا، لكن الناس كانوا يملكون مدخرات معينة؛ بعضها بالدولار أو الهريفنيا. الآن هذه المدخرات تُلتهم في ظل الحرب".
وتذكر ليبانوفا، أن لدى اللاجئين الأوكرانيين في الخارج -على الأقل- بعض الدعم المالي وفرص العمل، في حين أن ملايين النازحين داخليا يواجهون البطالة، ومساعدات الدولة لا تذكر. وللأسف من المحتمل أن تتفاقم الأمور هذه السنة، وقد تصل نسب الفقر إلى 75% مع نهايتها".
https://telegram.me/buratha