تتسارع وتيرة الأحداث السياسية في تركيا، مع تصاعد التوترات بين المعارضة والحكومة، وسط أزمة اقتصادية خانقة تلقي بظلالها على المشهد العام.
وبينما يحاول الرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحفاظ على قبضتهم على السلطة، تسعى المعارضة إلى استثمار الغضب الشعبي لتحقيق مكاسب سياسية تمهيدًا للانتخابات المقبلة. فهل تتمكن المعارضة من قلب الطاولة؟ أم أن أردوغان ما زال يملك أوراقًا رابحة تُبقيه في الصدارة؟.
المعارضة والرهان على الأزمة الاقتصادية
في ظل التراجع الكبير في قيمة الليرة التركية، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، بات الوضع الاقتصادي الورقة الأقوى في يد المعارضة. فقد تسببت الأزمة في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما أدى إلى موجة استياء متزايدة تجاه سياسات الحكومة.
يرى الباحث في العلاقات الدولية والشؤون التركية، مهند حافظ أوغلو، أن المعارضة "تعتمد على توظيف الأزمة الاقتصادية كأداة رئيسية في حملتها ضد أردوغان، لكنها تفتقر إلى برنامج اقتصادي موحد وقوي يمكن أن يطمئن الشارع التركي".
من جانبه، يؤكد الكاتب والباحث السياسي حسن سيفري أن "الشعب التركي يشعر بالإحباط من الأزمة الاقتصادية، لكنه في الوقت ذاته لم يجد بديلا سياسيا قادرا على إقناعه بأن الوضع سيكون أفضل مع المعارضة".
ورغم أن المعارضة، بقيادة حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد، تحاول تكثيف انتقاداتها للسياسات الاقتصادية الحكومية، إلا أنها لا تزال عاجزة عن تقديم رؤية اقتصادية واضحة، مما يجعل الناخبين في حالة من التردد بشأن البديل الحقيقي.
أردوغان والمناورة بملفات الأمن والسيادة
يدرك الرئيس التركي أن الملف الاقتصادي هو نقطة ضعفه الأساسية، ولذلك يعمد إلى تحريك ملفات أخرى لتعزيز موقعه، وعلى رأسها القضايا الأمنية والسيادية.
من خلال العمليات العسكرية في شمال سوريا والعراق، يسعى أردوغان إلى تقديم نفسه كـ"حامي تركيا" ضد التهديدات الإرهابية، وهو خطاب يلقى قبولا لدى الناخبين القوميين والمحافظين.
كما يستخدم مشاريع التنمية الكبرى، مثل قناة إسطنبول، وبرامج الإسكان، والمشاريع التحتية، لإرسال رسالة مفادها أن تركيا لا تزال قادرة على النمو رغم الصعوبات الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، تشير بعض التوقعات إلى أن أردوغان قد يلجأ إلى تصعيد الإجراءات ضد المعارضة، سواء عبر الملاحقات القضائية أو فرض مزيد من القيود على أنشطتها السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات.
المعارضة بين مطرقة الانقسامات وسندان الانتخابات
رغم تصاعد الانتقادات للحكومة، إلا أن المعارضة لا تزال تعاني من خلافات داخلية تجعل قدرتها على تشكيل جبهة موحدة موضع شك.
في هذا السياق، يقول مهند حافظ أوغلو: "التحدي الحقيقي للمعارضة ليس فقط انتقاد سياسات أردوغان، بل إثبات أنها قادرة على الحكم عبر تقديم مرشح قوي وبرنامج موحد".
أما حسن سيفري، فيرى أن "المعارضة، رغم أنها تستفيد من حالة السخط الشعبي، إلا أنها لا تزال غير قادرة على تقديم قيادة موحدة قادرة على إقناع الناخبين بأنها بديل حقيقي".
أحد أكبر المعضلات التي تواجه المعارضة هو غياب مرشح توافقي قوي يمكنه مواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ لا تزال الأحزاب المعارضة منقسمة بشأن الشخصية التي يجب أن تخوض هذا السباق.
إلى أين تتجه تركيا
مع اقتراب موعد الانتخابات، تبدو تركيا مقبلة على معركة سياسية مصيرية، حيث تحاول المعارضة توظيف الأوضاع الاقتصادية لكسب الشارع، بينما يعتمد أردوغان على أدواته التقليدية للحفاظ على نفوذه.
لكن السؤال الأهم: هل سينجح أردوغان في تجاوز التحديات وإعادة ترسيخ حكمه، أم أن تركيا ستشهد تحولًا سياسيًا غير مسبوق؟.
في النهاية، يبقى الشارع التركي هو الحَكَم الحقيقي في هذه المواجهة، إذ ستعتمد النتيجة النهائية على مدى قدرة المعارضة على تقديم نفسها كبديل مقنع، وعلى قدرة أردوغان على امتصاص الغضب الشعبي واستعادة ثقة الناخبين.
https://telegram.me/buratha
