السيد عامر الحسني
بسم الله الرحمن الرحيمنَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىً* وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونهِ إِلهاً لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً *
منذ ان نشأت الحكومات المستبدة , نشأ بالتزامن معها رجال أحرار كانوا يرفضون الخضوع للهوان والعبودية . فأصحاب الكهف فتية لا يتجاوز عددهم السبعة عاشوا تقريباً قبل ألف وخمسمائة عام , رجال مؤمنون رفضوا العبودية في ظل حكم الإمبراطور (ثودوسيوس الثاني) , ولعل الراعي الذي رافقهم لم يعيش المأساة بكل فصولها كما عاشها فتية الكهف , إلا إن شعوره بالحرية ورفضه للعبودية جعلته يلتحق بهم , والكلب كذلك ...
والتأريخ يحوي الكثير من قصص المميزين , الذين يستأثرون دائماً بالكفاح وفي نهاية السباق يتقلدون أوسمة الشهادة , وهو ما يستحقوه .وفي مقابل ذلك تبدأ الممالك والسلالات بالتسافل والسقوط إلى أن تصل أسفل البئر , وتبقى آثارها شاهداً على همجيتها واستهتارها , فالكل في طريقه إلى الزوال , ولكن تبقى المواقف خالدة .
وقد ذكر لنا التاريخ عن سلالات حكمت واضمحلت , مثل (بنو الأحمر أو النصريون ) حيث كان مقر حكمهم في غرناطة , وكانوا آخر السلالات التي حكمت في الأندلس وحكمت أكثر من 260 سنة , إلا إن مرحلة سقوط دولتهم بدأت حينما دخل العديد من الأفراد في صراع داخلي على السلطة وتم محاصرة غرناطة واختار آخر ملوكهم (محمد الثاني عشر) أن يسلم المدينة ليضع حداً لحكم النصريون في الأندلس .
لقد تولى بنو سعود الحكم في شبه الجزيرة العربية وعلى ثلاث مراحل : الدولة السعودية الأولى تأسست في الدرعية عام 1744 وسقطت بيد القوات المصرية تحت قيادة إبراهيم باشا المصري عام 1818 واستسلام عبد الله بن سعود .
والدولة السعودية الثانية بدأت ما بين سقوط الدولة السعودية الأولى سنة 1818 واستيلاء محمد بن عبد الله بن رشيد أمير حائل على نجد سنة 1891 . وأصبحت الرياض عاصمة دولتهم بعد تدمير مدينة الدرعية .
أما الدولة السعودية الثالثة فبدأت عندما دخل المقبور عبد العزيز الرياض في 17 يناير 1902 واستمرت إلى عام 2009 .
ويجمع المؤرخون على إن السلالات الحاكمة التي حكمت في التأريخ قد عرفت أصولها , ما عدا سلالة بنو سعود التي اختلف المؤرخون بأصولها , والذي بقي مجهولاً لحين لحظة انحدارهم , فمنهم من ينسبهم إلى جدهم الأكبر مردخاي الذي أصبح (مرخان بن إبراهام بن موشي الدونمي) وهو شخص يهودي سكن الجزيرة العربية , وآخر ينسبهم إلى قبيلة عنزة , وآخر ينسبهم إلى المصاليخ وآخر إلى بني حنيفة , إلا ان الأمر برمته يبقى مجهولاً .
والمعروف بان نهاية جميع السلالات تكون بسبب حدث ظاهره بسيط , ولكن في باطنه عظيم , كما يعمد الإعلام المعادي وفي جميع العصور إلى إخفاء السبب الحقيقي , وهذا ما يسمى بالنفاق المتجذر , فالمنافق من يتزلف إلى السلطان في حياته من اجل الحصول على هديته , ومنهم من يتزلف إلى سلطان قد بليت عظامه .
ففي دولة الحميريين الذي كان آخر ملوكهم ( يوسف أسعار ) المعروف باسم ( ذو نواس ) الحميري الذي يدين باليهودية وهو صاحب الأخدود الذي حفره لحرق المؤمنين , كان سبب نهاية دولتهم هو قيام ذو نواس بقتل غلام مؤمن عاش في زمانهم وله بصيرة نافذة وآتاه الله من الإيمان والذكاء والفطنة بحيث جعل من الطاغية المتجبر يمتلأ حسداً منه وأصبح مقتله زلزالاً أرجف عرش«ذو نواس» وأهوى به .
إلا ان التأريخ المتزلف والمنافق أورد قصة مغايرة لذلك حيث قال عنها هي السبب في زوال ملك الحميريين , وهي ان «ذو نواس» تحالف مع الفرس الذين ساعدوه على مواجهة الدولة الحبشية التي كانت تغير عليه بتحريض من الروم البيزنطيين ولم يتمكن من الصمود طويلاً أمام هجمات الأحباش، وسقط أمامهم في عام 525 , وبموت (ذو نواس) انتهت دولة الحميريين في جنوب الجزيرة العربية.
لقد سقطت جميع الممالك المستبدة على يد شباب أحرار , مجهولون عند أهل الأرض , معروفون لدى أهل السماء , لا يكاد يذكرهم التأريخ , يعيشون في الظل , يشمت فيهم العدو وبعض الصديق .
إن المعروف بان للنصر والغلبة قواعد تكون أكثر الأحيان غائبة عن بال الكثيرين ممن آثروا الحياة الدنيا على الآخرة . ولم يعلموا بان النصر مقصوراً في الغالب للقلة المؤمنة , الذين يعرفون متى يقررون , ومتى يكون الوقت المناسب ، جاعلين من العقبات التي تعترضهم غير ذي حاجز ، وان الدنيا هي متاع زائل .
لقد خاطب الحسين سيد الشهداء عليه السلام أصحابه قائلاً : " هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا . ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله ، فان القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري ."الا ان أصحابه سلام الله عليهم بقوا معه واستشهدوا لآخرهم حيث كانوا سبعين أو يزيدون قليلاً.
لقد آل الشباب في العوامية على أنفسهم أن يتحملوا هذا الجهد من الصراع مع أعتى حكام هذا العصر , الذين لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم في سبيل الاستمرار في حكم كتب الله عليه أن يزول على أيديهم .
ومن المصادفات أن تقع مدينة أصحاب الأخدود في منطقة نجران في الجنوب من شبه الجزيرة العربية ومعها بعض أسرار المدينة التي احرق ملكها (ذو نواس) سكانها قبل أكثر من 1500 عام , أطلال مازال يكتنفها الغموض والأسرار والتي لم تكتشف أسرارها بصورة كاملة.لقد أراد الله سبحانه وتعالى لمدينة (ذو نواس) أن تكون علامة بارزة تذكر عناصر (مملكة) بني سعود بزوال حكمهم , على يد فتية لم يهنوا ولم يحزنوا على ما أصابهم من أذى , ونذروا أنفسهم لمواجهة الطغاة من سلالة بني سعود الذين تصوروا بانهم أينما ذهب الغمام فخراجه لهم .هؤلاء الفتية قد خرجوا من مدينة تقع في شرق الجزيرة العربية اسمها (العوامية) .
https://telegram.me/buratha
