{اَللّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْياىَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد وَمَماتي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد}.
كيف يمكنُنا ان نحيا حياتهم ونموت مماتهم، اذا كنا نجهل سيرتهم ولا نعرف شيئا عن نهجهم؟.
انّ الحياة والموت على نهجهم يتطلّب:
أولاً؛ ان نقرأ سيرتهم بوعي، بعيداً عن العاطفة التي إنْ سيطرت على مشاعر الانسان فسوف يبتعد عن العقلانيّة فلا يفهم من حياتهم إلاّ الغيبيّات التي يلجأ لها لسد النّقص في الوعي المطلوب لفهم سيرتهم.
ثانياً؛ التصميم على الالتزام بسيرتهم، ففي زمن التحدّيات القاسية يصعب على المرء الاستقامة على ما فَهِمَه ووعاه من سيرتهم العظيمة، ولقد أشار الامام الحسين (ع )الى هذه الحقيقة بقوله {النّاس عبيدُ الدّنيا والدّينُ لَعِقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فاذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الدّيّانون}.
ثالثاً؛ ان نتعامل مع سيرتهم بواقعية كونهم بشر، اما اذا تعاملنا معها كمثاليات او فهمناها بهذه الطريقة فسنجد مجالاً واسعاً للتهرّب من الالتزام بها، كونها سيرة غيبيّة لمعصومين فوق مستوى البشر، فكيف يمكننا، اذن، ان نلتزمَ بها ونحن بشرٌ غير معصومين تحيط بنا التحديات والامتحانات من كلّ حَدَبٍ وصوب، وقد لبِستنا خطايانا من قمّة رؤوسنا الى أخمص أقدامنا فيما يتربّص بنا الشيطانُ دائماً، على حدّ قول الشاعر:
نفسي وشيطاني ودنيا والهوى
كيف الخلاص وكلّهم أعدائي؟
رابعاً؛ واخيراً، يجب ان نفهم انّ الالتزام بسيرتهم مسؤوليّة يتحمّلها المرء ليكون أنموذجاً صالحاً لما يدّعي الانتماء اليه، امّا ان يكونَ الانتماء شعاراً يُناقضُه الواقع المرّ والسّلوكيّات المنحرفة، فانّ ذلك يعُتبر التزام غير مسؤول، وهو الامر الذي وقع فيه كثيرون ممن تسنّموا السلطة في العراق بعد سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام بشعارات الحسين (ع) الا انّ ممارساتهم ومنهجيّتهم تتناقض تناقضاً كلياً مع سيرة أهل البيت عليهم السلام.
يجب ان يتجسّد منهج أهل البيت (ع) في كلّ تفاصيل حياتنا، لنحيا حياتهم ونموت مماتهم، ليس على المستوى الشخصي فقط وإنّما كذلك على المستوى الاجتماعي، في المنزل وفي الشارع وفي المدرسة وفي محل العمل وفي السلطة وفي المعارضة وفي كل شيء، لانّ منهجهم كان منهج حياة غطّى كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، وهو الامر الذي يجب ان نفتخر به، ليس باللّسان وإنما بالعمل والسلوكيات والبرامج والمشاريع.
لقد قال رجلٌ مرّة للامام الحسن بن علي السبط عليه السلام؛ إنّي من شيعتكم، فقال له الامام؛ {يا عبد الله ان كنت لنا في أوامِرنا وزواجرِنا مطيعاً فقد صدقت، وَإنْ كُنتَ بخلاف ذلك فلا تُزدْ في ذنوبك بدعواك مرتبةً شريفةً لستَ من اَهلها، لا تقلْ؛ انا من شيعتكم، ولكن قُل؛ انا من مواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وانت في خيرٍ والى خيرٍ}.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو:
ما هي شروط الالتزام؟ وما هي مقومات الثبات؟.
برأيي، فانّ اوّل الشروط والمقومات هي الثقة، فإذا كان الانسانُ شاكّاً في إيمانه ضعيفاً في يقينه مهزوزاً في عقيدته فانه ينقلب على النهج في اوّل تحدّي، وعند اول اغراء، ولذلك ورد عن الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام بصفة عمّه العبّاس بن علي عليهم السلام قوله {كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة صُلْب الايمان} ولذلك كانت ثقة سيد الشهداء (ع) به غير محدودة، فكان صاحب لوائه في كربلاء في يوم عاشوراء، وعندما أراد شمر بن ذي الجوشن لعنه الله ان يغريه ويستميله الى جانبه ويبعدُه عن الحسين (ع) بأمان الطاغية الدعيّ بن الدّعي لعنهم الله تعالى اجابه العبّاس (ع) بكل ثبات ويقين ووثوق ووضوح {لعنك الله ولعن أمانك، اتأمننا وابن بنت رسول الله (ص) لا أمان له}.
لقد تحدث القرآن الكريم عن صفة الثّبات الذي يُنتجه اليقين وقوة الإيمان بقوله {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} امّا الشّكّاك المنافق فيقول العكس، كما في قوله تعالى {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}.
https://telegram.me/buratha