الصفحة الإسلامية

الحسنُ (ع)؛ ثَورةٌ ضِدّ آللّاأُباليّة

1399 02:30:17 2014-11-28

كلُّ الذي ارادهُ الرّسل والانبياء هو ان يزرعوا في نفوس الناس روحَ المسؤوليّة، فلا يتصرفوا بلاأُيالية او يتصوّرون انهم خُلِقوا عبثاً او لهواً او بلا هدفٍ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} فكان الشعار العام قول الله عز وجل {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
فالانسانُ مسؤولٌ، ولا مفرّ من هذه الحقيقة أبداً، مهما برّر او تحجّجَ او اعتذرَ {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} وهي لا تتحقّق الا بالحرّية وعلى رأسها حرّية الاختيار، فلو فرضتَ شيئاً على ولدِك فليسَ من حقّك ان تُحمّلهُ المسؤولية لأنّك، وببساطة، لم تمنحْهُ حرّية الاختيار فلم تُعطِه الفرصة الكافية ليختار بنفسه قبل ان تحمّله مسؤولية هذا الاختيار، فإما ان يختار هو فَيَكُونُ مسؤولاً عمّا يختار، او ان تختارَ لَهُ انت فتسقط عنه المسؤولية، وهذا هو مبنى العقل والمنطق.
لقد خلق الله تعالى الانسان حراً قبل ان يخلقه مسؤولاً، وبمعنى آخر، فانّه تعالى منحهُ حرية الاختيار قبل ان يحمل على عاتقه مسؤولية هذا الاختيار، فقال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وفي قوله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.
انّ تجريدَ الانسانِ من حرّية الاختيار يحوّله الى بهيمة، فقال تعالى مثلا {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} وقال عزّ من قائل {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
هذا النّهج القرآني تمسّك به عِدْلُ القرآن وأَحَد الثّقلين، أهل البيت عليهم السلام، في كل الظروف، فلم يشأ الامام امير المؤمنين (ع) ان يُكرِه الناس على شيء رفضوه، بالقوة مثلاً او تحت حدّ السّيف او بالتّهديد بالقتل او تحت التعذيب او باسقاط اسمه من الدّيوان مثلاً، بل انه رفض ان يُخفي الامور عنهم او يضلّلهم او يغُشّهم من اجل ان يقتنعوا بوجهة نظره، كما يفعل اليوم بعض الساسة عندما يبذلون أموالاً طائلةً لتضليل الناس او تعمية الحقيقة عنهم تحت مسمّى الديمقراطية وصندوق الاقتراع، أبداً، فلقد كان الامام واضحاً لم يَجبرَهم يوماً على شيء، فقال عليه السلام في شأن التحكيم وهو يؤسس لنظام الأغلبية {وَلاَ خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ، وَلاَ لبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ، إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ} لماذا؟ يجيب عليه السلام {وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ!} بعد ان {أَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ} وهو تقرير من الامام (ع) لمبدأ الأغلبية والأقلّية كأسلوب للحفاظ على وحدة الجماعة كما يقول عليه السلام {فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيَما تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقّ، خَيْرٌ مِنْ فُرْقَة فِيَما تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ}.

على هدى هذه الحقيقة القرآنيّة النّبويّة والعلويّة سار الامام المجتبى الحسن السبط عليه السلام، يصادف يوم الاحد القادم ذكرى استشهاده، مع الامّة قائلا {انّي رأيتُ هوى معظمِ النَّاسِ في الصّلح، وكرِهوا الحرْبَ، فلم أحِبُّ انْ أحمِلهُم على ما يكرَهون}.
انهّ عليه السلام اختار (الصلح) كطريق آخر غير الحرب لتحقيق نفس الهدف، الإصلاح في أمة جدّه، ولفضح الطاغية الطليق ابن الطليق معاوية بن ابي سفيان ابن هند آكلة الأكباد، بعد ان خطّط ليحرّر إرادة الامة وُيطلق سراح حقها في الاختيار، لتتعامل مع الأحداث والتّطورات بروحِ المسؤولية بعيداً عن ايٍّ نوعٍ من انواع اللّااباليّة.

وبقراءة متأنّية لبنود (الصلح) من جانب، ولكلّ خطبه (ع) التي القاها بمناسبة وبغير مناسبة بعد توقيع الوثيقة بينه وبين الطاغية، فسنلْحظُ هذه المنهجيّة الاستراتيجية واضحةٌ جداً، انها اعتمدت على تحرير إرادة الامة لتختار بكامل حرّيتها ثم بعد ذلك لتكون مسؤولة عن خياراتِها.
وما احوجنا اليوم لتكريس هذا المفهوم القراني في حياتِنا اليومية، اذ يلزمنا ان نشيع في مجتمعنا ثقافة حرية الاختيار لتشيع روح المسؤولية في نفوس الصغير والكبير، الحاكم والمحكوم، المرأة والرجل، المعلم والطالب، فهي ثقافٌة يجب ان تحكم مجتمعنا، من اجل ان لا يفلت فاشلٌ من الحساب او فاسدٌ من العقاب او هاربٌ من الملاحقة.

علينا ان نحُلّ عُقدة كلّ خوفٍ في نفوسنا، خاصة ابناءنا وشبابنا ليختاروا بإرادتهم تحت إشرافنا وتعليمنا وترشيدنا وتوجيهنا، لتكن خياراتهم بترشيدنا فحسب، ليتعلّموا كيف يختارون بمسؤوليّة.
ولو تساءلنا هنا، تُرى؛ لماذا يتكرر الفشل عندنا؟ الجواب؛ لغياب روح المسؤولية، فعندما تفشل السلطة، مثلاً، لا احدَ يُبادر من تلقاءِ نفسه ويتحمّل مسؤولية ذلك، أبداً، بل تراهم يبرّرون للفشل وينظّرون له وفي احسنِ الفروضِ يرمونه على الآخرين، كما يفعل اليوم سلف السيد رئيس مجلس الوزراء، فبدلاً من ان يتحلى بالشجاعة فيُصارح العراقيين بفشله، اذا بِنَا نسمع منه خطابات التبرير وفلسفة الفشل وكأنه مدرسة في الفشل، فهو لم يكتفِ ان دمّر البلد، اقتصاده، تعليمه، صناعته، وأضاع نصفه عندما ترك الفقاعة تتمدّد حتى استولت على الموصل وعدد من المدن والبلدات في عدد من المحافظات الغربية، كما انّه لم يكتفِ بان ترك أقاربه ومحازبيه وزبانيته يستثرون على حساب المال العام في واحدة من أقبح حالات الاستغلال السيء للسلطة باسم الدين وباسم المذهب، ولم يكتفِ انّه بسطَ يد انسباءه وأولاد اشقائه وشقيقاته ليعبثوا بالمال العام وأملاك الدولة ليفسدوا العملية الديمقراطية، تحت عناوين تضليليّة مثل (مختار العصر) ومواكب الاربعين، لم يكتف بكل ذلك، اذا به نراه اليوم يسعى بكل ما بقي عنده من حول وقوة وبقايا سلطة ليضع العصي في عجلة خَلَفِه، اذا به يتكلم بكل ما لم يلتزم به بل نسيه وتناساه ايام كان في السلطة، فيطلق ابواقه والمصفّقين المنتفعين الذين خسروا امتيازاتهم بخسارته للثالثة، لينشروا الشائعات والدعايات المبتذلة والرّخيصة ضد كل خطوة اتخذها لحد الان مجلس الوزراء وعلى مختلف الاصعدة.
اوليس كان من الاولى به ان يعضُد حكومة السيد العبادي لتعبر بالعراق من هذه الأزمة الخانقة والظّرف الاستثنائي المرعب؟ اوليس كان عليه ان يشدّ على يد المرجعية التي اثبتت للأعمى قبل البصير انها الاقدر على انتشال العراق من ازماته كلما مر بواحدة بسبب سياساته الحمقاء التي وضعت البلاد على كفّ عفريت؟ وانها الاقدر على تفكيك الأزمات التي ظلّت تتوالد في عهده بسبب تبنّيه لسياسة صناعة الأزمات مع اقرب الناس اليه؟ اوليس كان عليه ان يصطفَّ الى جانب العبادي، على الأقل من اجلِ ان يساعد حزبه على تحقيق النجاح في السلطة وهو امينهُ العام؟.
نحن ننتظر ان نسمعَ من المسؤول حديثاً عن محاسبة الذات والمراجعة والتقييم وما الى ذلك من العبارات الرّنانة وهو في السلطة وليس بعد ان يتركها غير مأسوف عليه، فالمراجعات تنفع ولها اثرٌ إيجابيّ كبير عندما يتبناها المسؤول وهو في السلطة، اما عندما يَكُونُ خارجها مركونٌ في زاوية من زوايا السلطة، فان مثل هذه المساعي التي لا قيمة لها أبداً، لن تنفعَ شيئاً ولن تُجدي أبداً، فلماذا غابت المراجعات يوم كنت في السلطة؟ لماذا كُنتَ تطعن وتتهم وتسقّط كلّ من حاول ذلك معك حتى من داخل حزبك؟ لماذا رفضت كل نقدٍ وجههُ لك حريص وكل تنبيه قاله لك محب؟.
لقد أخذتَ فرصتك في السلطة بالكامل وربما زيادة، فلماذا لا تترك الآخرين يجربوا حظّهم؟ فقد يُثبتوا كفاءةً وقدرةً على الإنجاز والنجاح؟.
أفِقْ من سكرة السلطة وشهوتها وجنونها، فالأمور تغيّرت والظروف تبدلّت، وإنّ عقارب الساعة لن تعود الى الوراء أبداً أبداً أبداً. 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك