نستذكر في هذه الأيام ذكرى استشهاد سيدة نساء العالمين، فاطمة الزهراء عليها السلام. وكان لابد لنا ونحن نعيش أجواء هذه الشهادة الطاهرة، أن نستذكرها و نستلهم منها القيم والدلالات، التي أصبحت نبراسًا ونورًالأمة مازالت تتكون على مر خمسة عشر قرنا،
لقد كانت الزهراء عليها السلام؛ نوعا بشريا متفردا، اجتمعت فيه صفات يندر أن توجد، في غيره على مدى التاريخ، فأصبحت بحق سيدة نساء العالمين، وحاملة لواء المرأة المسلمة الصالحة الحقيقية..
رافقت الزهراء البتول (عليها السلام)؛ الدعوة الإسلامية بمصاعبها المصيرية الأولى ، فكانت مع زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، خير سند ومعين لحامل الرسالة السماوية.
كانت عليها السلام تدرك أنها إزاء مهمة كبرى، برغم صغر سنها الذي لم يمنعها، أن تشارك أبيها وزوجها، هم تشكيل التأريخ، ولم تضعف أو تتراجع، عن قيادة المرأة المسلمة، واندمجت بأفكار الإسلام وتعاليمه ومبادئه، روحيًّا وفكريًّا حتى باتت هي والإسلام سواء.
الزهراء (عليها السلام) كانت ابنة أعظم رجل، عرفه التاريخ على مر العصور، وأحب الناس إليه، فقال "فاطمة بضعة مني من أرضاها فقد أرضاني ومن أغضبها فقد أغضبني".
لقد كانت (عليها السلام) مثال نادر، للمرأة المسلمة المؤمنة الزاهدة في الحياة، والمترفعة عن الأمور الدنيوية الضيقة، فأتجهت بروحها؛ إلى آفاق الكمال والعصمة وسماء الفضيلة.
أقترنت فاطمة البتول بسيف الإسلام عليٍّ، لتكون سندًا لجهاده ومؤازرة له في معظم الأهوال التي تعرض لها. وامتدت هذه المؤازرة بإنجابها لسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (عليهما السلام)، لتستمر مسيرة الدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف، بوجه الطغاة والمتكبرين، ومحرفي الإسلام عن طريقه الصحيح، ليكون الحسين رمزًا لكل الثائرين على مدى العصور، وصرخة مدوية مستمرة، في وجه الطغاة والجبابرة.
فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها، خماسيًّا ملائكيًّا نورانيًّا روحانيًّا، استند عليه الإسلام والمسلمون الحقيقيون، فكان هذا الخماسي، بحق أثمن هدية وهبها الخالق العظيم، لهذه الأمة ببركة الرسول الكريم... وأصبح شعلة وهاجة في طريق الإسلام والمسلمين.
لقد أراد سبحانه وتعالى لهذا الدين، الذي بدأ برجل واحد، هو الرسول الكريم (صلواته تعالى عليه وآله وسلم)، والذي استند على مؤازرة أم فاطمة خديجة الكبرى، وبشجاعة زوج فاطمة المجاهد الكبير علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي نشر الإسلام في أصقاع الجزيرة العربية وبقاع العالم الأخرى، أن يستمر بوجود الحسن والحسين(عليهما السلام)، الذي استطاع من خلال ثورته الكبرى، ونهضته العظيمة، الإبقاء على مبادئ هذا الدين الحقيقية، إلى أن يظهر حفيد الزهراء الامام المهدي المنتظر، عجل فرجه الشريف ليملأ الأرض عدلا ونورًا بعد أن تملأ ظلمًا وجورًا.
أيـضـــرم الـنــار بـــاب دارهـــــا ..وآيــــة الــنــــور عـلـى مــنــارهـــا
وبـابـــهـا بــاب نـبـي الــرحـمــــة ..وبــــاب أبــــواب نــجـــاة الأمـــة
بل بـابـهـا بـاب الـعلـيّ الأعـلـى .. فـثــمّ وجـــه الله قـــد تـــــجــــلّى
شيعوا نعش الطاهرة المظلومة .. شيعوا نعش الطاهرة المظلومة
إوداعة الله صيحوا يا مهظومة .. إوداعة الله صيحوا يا مهظومة
كتبتُ أنـــاجي إمـــام الـــزمان ................. وحبري نزيفُ الجوى المسعرِ أتُبقي دمـــوعاً وفــي دفـــتري................ حديثٌ عـــن الضلعِ والمــحــجرِ
عظم الله أجرك يا مولاي يا صاحب الزمان
.
المدينة وشيوع الوفاة:
ثم توفيت فاطمة عليه السلام فصاحت نسوة المدينة صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول الله.
وأقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي عليه السلام وهو جالس، والحسن والحسين عليه السلام بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما وخرجت أم كلثوم وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء عليها تسحبها وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاًً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً.
جنازة وظلامة:
اجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون أن تخرج الجنازة فيصلون عليها فخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فأن ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله قد أخُر إخراجها في هذه العشية فقام الناس وانصرفوا فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل أخرجها علي والحسن والحسين عليه السلام وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة، ونفر من بني هاشم وخواصه. صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوى على حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها وقيل أربعين قبراً كما في رواية.
وقيل قبرها سوي مع الأرض مستوياً فمسحها مسحاً سواء مع الأرض حتى لا يعرف أحد موضعه.وذلك لإخفاء قبرها وأن لا يصلي عليه أحد أو يهم بنبشه ولذا وقع الخلاف في موضع قبرها عليه السلام قيل أنه بالبقيع جنب قبور الأئمة وقيل أن قبرها بين قبر رسول الله وبين منبره لقوله صلى الله عليه وآله: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. وقيل أنها دفنت في بيتها. وهذا أصح الأقوال كما تدل عليه الروايات الصحيحة.
روى ابن شهر آشوب وغيره أنه: لما صار بها إلى القبر المبارك خرجت يد تشبه يد رسول الله صلى الله عليه وآله فتناولها وانصرف.
سلام على الزهراء يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية في جنان الخلد مع أبيها وبعلها وبنيها عليهم السلام.
https://telegram.me/buratha