الشيخ غحسان الفضلي
في أواسط الثمانيات من القرن الماضي أبان الحرب، شدد البعث كثيرا ضد المجالس الحسينية وسعى لمنعها، واطلق حملة اغتيالات للخطباء، مرة عبر حادث سيارة والكثير عبر دعوتهم لمديرية الامن وتقديم السم لهم بالعصير.
ومع هذا التشدد أصبحت المجالس الحسينية التي تقام تعد بالاصابع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مجلس آل بحر العلوم في منزل السيد غياث بحر العلوم وكان يعد من اكبر المجالس حينها، ولا زلت أتذكر الحضور المكثف لرجال الامن في الباب ينظرون ويتابعون كل حركة وسكنه ويهددون ويتوعدون أصحاب المجلس.
في تلك الايام الشديدة اصبح أولياء الأمور بين نارين:
نار انهم يريدون لابناءهم ان ينهلوا من الفيض الحسيني، ونار الخوف عليهم من الهلاك على يد ازلام السلطة الصدامية.
ويتسائل في نفسه: ايمنع ولده من الذهاب للمأتم ومواساة الزهراء عليها السلام وماذا يقول للزهراء ع غدا؟ ام يمنعه من الهلاك على يد طغاة مالهم رحمة؟ ايسمح له ان يلبس السواد او لا؟ اخشى على ولدي ان يندفع فيصرخ يا حسين ويتيه في دوامة المعتقلات؟ حيرة كانت تمر بهم في كل يوم وساعة.
وكان اغلبية العوائل تستمع عبر شريط مسجل لمجلس عزاء في بيتها، ومع قلت الاشرطة ومنع بيعها وتداولها واعتقال من يجدون في منزله مجموعة منها، فكان التخفي في تداول اشرطة التسجيل، وكان اكثر مجلس عزاء تداولا للخطيب السيد جابر اغائي وهو يقرأ: زينب لفت يم حسين لاجن كَابعه بالهم.
ما اريد قوله: مرت علينا سنين وايام لم يكن لنا من الشعائر الحسينية غير العَبرة والدمعة نواسي بها وتتجذر في اعماقنا، ومنعنا كل شيء آخر، ولكن تلك الدمعة كانت وما زالت وستبقى ولادة حفظت وادامت العشق الحسيني وما نشهده اليوم دليل صارخ.
وبعض اخوتنا من المثقفين حينما ينظّرون إلينا ان الحسين عليه السلام لا يريد الدمعة والعَبرة بل يريد كذا وكذا نقول لهم تلك الدمعة التي لا يمتلك احد ان يمنعها مهما طغى وتجبّر وتضحيات خدام الحسين عليه السلام لها الفضل الكبير في ديمومة العشق الحسيني.
اما تنظيراتكم مع الاعتزاز بها واحترام مطلقيها فانها لم تكن حاضرة معنا في الشدة ولم تلد شيئا.
فهنيئا لمن يعيش هذا العصر الذهبي ورحم الله الذين فارقونا وهم يحلمون بمثل هذه الأيام وكانت حسرة في قلوبهم، وجزى الله خيرا خدام الحسين عليه السلام الذين ضحوا ويضحون وسيبقون يقدمون الاضاحي في طريق الحسين عليه السلام.
اخوكم