في آخر تقرير لها حول الحرية الدينية، أغفلت الخارجية الأمريكية عن ذكر الجماعات الدينية الإسلامية بالجزائر، ومنها المجموعات الشيعية، وقد اكتفى التقرير بالحديث عن الحالة المسيحية واليهودية من حيث العدد والصعوبات البيروقراطية في ممارسة نشاطاتهم وشعائرهم.
تعود الجذور التاريخية لوجود الشيعة في الجزائر – حسب بعض البحوث التاريخية- إلى فترة قيام الدولة الشيعية في شمال إفريقيا على يد عبيد الله الشيعي الذي جند من الشمال القسنطيني نحو 4 آلاف من أتباعه إلى مصر حيث قاموا ببناء جامع الأزهر، وتجزم دراسات حول الصوفيين الشيعة أن جذور التشيع كانت قبل قيام الدولة الفاطمية.
وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، بدأت ملامح المشهد السياسي في الوطن العربي عموما والجزائر خصوصا تأخذ شكلا جديدا، متأثرة بالفكر الثوري، مما جعل التيار الديني في الجزائر يقتنع بقيام الإسلام السياسي ووصوله إلى السلطة وأصبحت هذه الثورة بمثابة قدوة ونموذج ناجح.
انطلاقا من كل هذا، سعت CNN بالعربية للاتصال بمجموعة من المنتسبين لهذا المذهب بالجزائر لملامسة أوضاعهم عن قرب والحصول على شهادات حية، لأول مرة، عن حياتهم، التي تتصف بالسرية والكتمان، وكذا محاولة معرفة عددهم بالتقريب.
وفي الموضوع، قال الصادق سوالمية، أحد أتباع هذا المذهب، في هذا الصدد “من يسأل عن عدد الشيعة في الجزائر عليه أولا إعطاءهم الحق في الوجود والاجتماع ليدرك كم عددهم”.
وأرجع سوالمية، وهو أحد ابرز وجوه الشيعة في الجزائر، سبب تخفيهم إلى “أن شعوبنا عبر 14 قرنا تربّت على الفكر الواحد والمذهب الواحد وعدم التسامح، فالعرب تعودت على قتل المعارض ورفضه”. وأضاف أن “عقلية الرفض والتحجر تجعل الشيعي لدى الكثير من الناس في صورة الشيطان ولذلك يتحاشى الكثير منا إعلان وجوده “.
أما عن أماكن العبادة وممارسة الطقوس الخاصة بالشيعة في الجزائر –يقول- سوالمية “مذهبنا ليس هندوسيًا حتى تكون له أماكن خاصة، فنحن نصلي في المسجد ونحج إلى بيت الله الحرام ونصوم رمضان، أما بخصوص الحسينيات ومكان التجمعات للقيام بها، فالحق فيها لازال ممنوعا”.
الحديث عن الشيعة لم يمنع محدثنا عن إشهار سهامه ضد سفارة السعودية في الجزائر ودورها المسكوت عنه في نشر المذهب الوهابي الذي “فاق كل الحدود” حتى وصلت كتب ابن تيمية المجانية إلى المداشر قبل أن يصلها الكهرباء بعشرات السنين على حد تعبيره.
مهما يكن، لا يمكن إنكار وجود الشيعة خاصة بالمدن الكبرى كالعاصمة، ووهران، وقسنطينة وغيرها، بيد أن أتباع المذهب الشيعي يجدون صعوبة في الإقرار به، والإعلان عنه في خضم مجتمع سني، وترفض هذه المجموعات الشيعية الظهور لأنها مهددة من طرف الوهابيين المتعصبين، فلهذا يتخفون وراء التصوف لأن التصوف أقرب منهجا وسلوكا من التشيع حسب تعبيرعبد القادر بوخيرة .
وبالعودة إلى تقرير الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية في الجزائر، يرجح أستاذ علم الاجتماع الديني بجامعة مستغانم مصطفى راجعي إغفال التقرير الأمريكي للحالة الشيعية بان ” ليس للسفارة الأمريكية في الجزائر اتصالات مع المتحولين إلى الحالة الشيعية في الجزائر”، منتقدا بذلك الخارجية الأمريكية، فـ”رغم ما لديها من وسائل تعجز عن كتابة تقارير تمتاز بالشمولية و الدقة”.