بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
عظم الله أجورنا وأجوركم بذكرى دخول سبايا آل بيت الرسالة للشام بمثل هذا اليوم الحادي من صفر المظّفر عام 61.
[{ كلامكم نور وأمركم رشد }]
" بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي ياآلَ المُصْطَفى، إِنّا لا نَمْلِكُ إِلاّ أَنْ نَطُوفَ حَوْلَ مَشاهِدِكُمْ وَنُعَزِّي فِيها أَرْواحَكُمْ عَلى هذِهِ المَصائِبِ العَظِيمَةِ الحالَّةِ بِفِنائكُمْ وَالرَّزايا الجَلِيلَةِ النَّازِلَةِ بِساحَتِكُمْ الَّتِي أَثْبَتَتْ فِي قُلُوبِ شِيعَتِكُمْ القُرُوحَ وَأَوْرَثَتْ أَكْبادَهُمْ الجُرُوحَ وَزَرَعَتْ فِي صُدُورِهِمُ الغُصَصَ، وَعَلَيْكُمْ مِنَّا السَّلامُ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ " .
بعث ابن زياد إلى يزيد لعنهم الله يستفتيه في شأن الرؤوس وعائلة الحسين (ع) فجاءه الجواب بأن يحملهم إلى الشام.وقيل في روايةٍ أخرى جاءه البريد من الشام بأمر من يزيد بإرسال السبايا له.
ذكر الطبري في تاريخه أن عبيد الله أمر بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجِّهزن وأمر بعلي بن الحسين (ع) فغُلَّ بغلٍّ إلى عنقه ثم سرَّح بهم مع محفِّز بن ثعلبة العائذي ومع شمر بن ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد...) وقد مر السبايا بعدة بلدان منهم تشمت بهم ومنهم من تألم وبكى .
قال المحدث القمي في نفس المهوم: في أول صفر أدخل راس الحسين (ع) إلى دمشق وهو عيد عند بني أمية.
وقال البهائي في الكامل: أوقفوا أهل البيت على باب الشام ثلاثة أيام، حتى يزينوا البلد فزينوها بكل حلي وزينة، ثم استقبلهم أهل الشام من الرجال والنساء مع الدفوف، وخرج أمراء الناس مع الطبول والصنوج والبوقات، فلما ارتفع النهار أدخلوا الرؤوس إلى البلد ومن ورائها الحرم الأسارى من أهل البيت.
قال سهل بن سعد الساعدي: رأيت الرؤوس على الرماح ويقدمهم رأس العباس بن علي (ع) فنظرت كأنه يضحك ورأس الإمام كان وراء الرؤوس أمام المخدرات، وللرأس مهابة عظيمة، ويشرق منه النور، بلحية مدورة قد خالطها الشيب، والريح تلعب بلحيته الشريفة يمينا وشمالا كأنه أمير المؤمنين.
رأسُ ابن بنت محمدٍ ووصيه
للناظرين على قناة يُرفَـعُ
والمسلمون بمسمعٍ وبمنظر
لا منكرٌ منهم ولا متفجِّعُ
وأكثر من ذلك ما قاله أبو مخنف عن سهل أن عجوزا قامت إلى رأس الحسين (ع) وبيدها حجر ضربت به وجه الحسين (ع) فأدمته وسال الدم على شيبته، فالتفتت أم كلثوم إلى الرأس الشريف فرأت الدم سائلا على وجهه وشيبته، فلطمت وجهها. ونادت وا غوثاه، وا مصيبتاه، وا محممدا، وا علياه، وا حسناه، وا حسيناه، ثم غشي عليها.
قال المجلسي في البحار عن سهل بن سعد الساعدي قال: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار، وقد علقوا الستور والحجب والديباج وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي لا نرى لأهل الشام عيدا لا نعرفه نحن، فرأيت قوما يتحدثون، فقلت: أنا سهل بن سعد قد رأيت محمد (ص). قالوا: يا سهل أما أعجبك السماء لا تمطر دما والأرض لا تخسف بأهلها. قلت: ولم ذلك؟ قالوا: هذا راس الحسين عترة محمد (ص) يهدى من أرض العراق. فقلت: وا عجباه يهدى رأس الحسين والناس يفرحون، قلت: من أي باب يدخلون؟ فأشاروا إلى باب يقال له: باب الساعات.
قال: فبينما أنا كذلك إذ الرايات يتلو بعضها بعضا، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان، عليه رأس أشبه الناس وجها برسول الله (ص)، ورأيت من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من أولاهن: فقلت: يا جارية من أنت؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين (ع). فقلت لها: ألك حاجة إليَّ؟ أنا سهل بن سعد، ممن رأى جدك وسمع حديثه، قالت: يا سهل قل لصاحب هذا الرأس أن يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس إليه، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله، قال سهل: فدنوت من صاحب الراس فقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار؟ قال: وما هي؟ قلت تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل، فدفعت إليه ما وعدته.
وقال سهل: وأقبلت جارية على بعير مهزول بغير وطاء ولا غطاء وهي تنادي: وا محمداه، وا جداه، وا علياه، وا أبتاه، وا حسناه، وا حسيناه، وا عقيلاه، وا عباساه، وا بعد سفراه، وا سوء صباحاه .
قال سهل بن سعد الساعدي: أقبلت على علي بن الحسين (ع) وقلت له: مولاي هل لك من حاجة؟ فقال لي: هل عندك من الدراهم شيء؟ فقلت: ألف دينار وألف وَرقة. فقال: خذ منها شيئا وادفعه إلى حامل الرأس وأمره أن يبعده عن النساء، قال سهل، ففعلت ذلك ورجعت إليه وقلت له: مولاي فعلت الذي أمرتني، هل من حاجة أخرى؟ قال: يا سهل هل عندك ثوب عتيق؟ قلت: سيدي ما تصنع به، (أنتم تهدون إلى الناس الثياب الثمينة وتسألني ثوبا بالي)؟ قال: يا سهل لأضع تحت الجامعة فإنها أكلت عنقي. قال سهل: فناولته الثوب، فلما رفع الجامعة سالت الدماء من تحتها وكان الإمام (ع) ينشد هذه الأبيات:
أقاد أسيرا في دمشـق كأننـي
من الزنج عبد غاب عنه نصيـرُ
وجدي رسول الله في كل مشهدٍ
وشيخي أمير المؤمنيـن وزيـر
فياليت أمي لم تلدني ولم يكـن
يزيدٌ يراني فـي البـلاد أسيـر
سهل و دخول السبايا إلى الشام
قال سهل بن سعد الساعدي دخول السبايا إلى الشام ومعها رؤوس الشهداء : وكان معي رفيق نصراني يريد لبيت المقدس وهو متقلد بسيف تحت ثيابه فكشف الله تعالى عن بصره فسمع رأس الحسين (ع) وهو يقرأ القرآن ويقول: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) فادركته السعادة، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله، ثم انتضى سيفه وحمل به على القوم وهو يبكي فجعل يضرب فيهم فقتل منهم جماعة كثيرة فتكاثروا عليه فقتلوه، رحمه الله.
فقالت أم كلثوم: ما هذه الصيحة؟ فحكيتُ لها بالحكاية، فقالت، وا عجباه النصارى يحتشمون لدين الإسلام وأمة محمد الذين يزعمون أنهم على دين محمد يقتلون أولاده ويسبون حريمه؟
قال الراوي: ثم أشرفت تسع عشرة راية حمراء وأشرفت السبايا مهتكات بلا وطاء ولا غطاء ثم أقبل رأس العباس بن علي يحمله ثعلبة بن مرة الكلبي وهو بيده على رمح طويل وهو ينشد ويقول:
فقالت أم كلثوم ويلك أتفتخر بقتل آل بيت محمد ثم أقبلت بقية الرؤوس ثم أقبل رأس الحسين (ع) وهو أشبه الخلق برسول الله (ص) يحمله حواش بن خولي بن يزيد الأصبحي.
نقل القزويني عن السيد في كتاب الإقبال أنه قال: رأيت في كتاب المصابيح بإنه ناده إلى جعفر بن محمد (ع) قال: قال لي أبي محمد بن علي (ع) سألت أبي جعفر بن الحسين (ع) عن حمل يزيد له فقال حملني على بعير يضلع بغير وطاء ورأس الحسين (ع) على علم ونسوتنا خلفي على بغال فأكف أي أميل وأشرف على السقوط و الشرطة وأعوان السلطان خلفنا وحولنا بالرماح، إن دمعت من أحدنا عين، قرع رأسه بالرمح حتى إذا دخلنا دمشق صاح صائح يا أهل الشام هؤلاء سبايا أهل البيت . أقول: إن هذا المنظر المؤلم لم يحتمله سامع فضلاً عن أن يتحمله شاهد عيان. نعم كيف يحتمل رؤية بنات رسول الله سبايا والسياط تتولى على ظهورهن لمجرد بكائهن على قتلاهن وكيف يحتمل رؤية رأس الحسين ابن فاطمة وهو محمول على رمح طويل وشيبته مخضوبة بدمائه وكيف يحتمل بقية آل محمد الإمام علي بن الحسين العليل الذي أنهكه المرض وهو مقيد بالسلاسل والجامعه في عنقه والدماء تنزف من جسده لذا روي أن بعض الفضلاء التابعين، لما شاهد رأس الحسين (ع) بالشام أخفى نفسه شهرا من جمع أصحابه فلما وجدوه بعد إذ فقدوه سألوه عن سبب ذلك فقال: ألا ترون ما نزل بنا
قال الراوي: لما أدخلوا الرؤوس والسبايا في دمشق الشام، أمر يزيد فزينت داره بأنواع الزينة وأوصلوا الرؤوس والنساء وقت الزوال إلى باب يزيد، فأوقفوهم ثلاث ساعات ليأذن لهم يزيد بالدخول، بعد ذلك أدخلوا بنات رسول الله (ص) وحريمه عليه.
وروي عن الإمام الباقر (ع) انه قال: أتي بنا يزيد بن معاوية بعد ما قتل الحسين (ع) ونحن اثنا عشر غلاما وكان أكبرنا يومئذ أبي علي بن الحسين (ع) فأدخلنا عليه وكان كل واحد منا مغلولة يده إلى عنقه. فجعل رأس الحسين بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرون إليه ـ أي لوجه الحسين (ع) لأنه يريد حرمانهم من النظر إليه وتلك من خساسة طبعه ـ إليه ثم دعا بسوط فجعل ينكب به ثنايا الحسين (ع) , أما زينب فإنها لما رأته ينكت ثنايا أخيها الحسين (ع) نادت بصوت حزين يقرح القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا ابن مكة ومنى، يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء.
نقل الطريحي في المنتخب عن علي بن الحسين (ع) أنه قال: لما وفدنا على يزيد بن معاوية أتونا بحبال وربطونا مثل الأغنام، وكل الحبل بعنقي وعنق أم كلثوم، وبكتف زينب وسكينة والبنات وساقونا. وكلما قصرنا عن المشي ضربونا حتى أوقفونا بين يدي يزيد، فتقدمت إليه هو على سرير مملكته وقلت له: ما ظنك برسول الله (ص) لو يرانا على هذه الصفة، فأمر بالحبال فقطعت من أعناقنا وأكتافنا.
ونقل أيضاً: إن الحرم لما أدخلن على يزيد كان ينظر إليهن ويسأل عن كل واحدة بعينها وهن مربطات بحبل طويل
وفي الدمعة الساكبة: وزجر بن قيس لعنه الله يجرهن حتى أقبلت المرأة كانت تستر وجهها بزندها لأنه لم يكن لها خرقة تستر بها وجهها فقال لعنه الله: من هذه التي ليس لها ستر؟ قالوا: سكينة بنت الحسين، قال: أنت سكينة فسالت دموعها على خدها واختنقت بعبرتها فسكت عنها حتى كادت أن تطلع روحها من البكاء فقال لها وما يبكيك؟ قالت: كيف لا تبكي من ليس لها ستر تستر وجهها عنك وعن جلسائك .
قال في الدمعة الساكبة: فنظر ـ يزيد ـ إلى أم كلثوم (ع) وقال لها يا أم كلثوم كيف رأيت ما صنع الله بكم؟ فقالت له: يا ابن الطلقاء هذه حرمك وإمائك من وراء الستور وبنات الرسول على الأقتاب بغير وطاء وينظر إليهن البر والفاجر .
قيل: ووثب رجل شامي وقال: يا أمير هب لي هذه الجارية يعني سكينة فتكون خادمة عندي، فانضمت إلى عمتها أم كلثوم وقالت: يا عمتاه أترين نسل رسول الله يكونون مماليك للأدعياء. فقالت أم كلثوم لذلك الرجل: اسكت يا لكع الرجال، إن أولاد الأنبياء لا يكونون خدمة لأولاد الأدعياء، فلم تزل أم كلثوم تكلمه حتى صرفته عن مراده .
قال السيد ابن طاووس عليه الرحمه : ولما وضع يزيد رأس الحسين بين يديه أجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه وأما زينب فإنها لما رأته نادت بصوت حزين يقرّح القلوب، يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء، فأبكت كل من كان في المجلس ويزيد ساكت .
وفي المنتخب، قال: ثم إن هندا بنت عبد الله بن عمر زوجة يزيد دعت برداء وتقنعت، ورقفت من خلف الستر، فلما رأت الرأس، قالت ليزيد: ما هذا؟ فقال: رأس الحسين، فبكت هند وقالت: عزيز على فاطمة أن ترى رأس ابنها بين يديك يا يزيد، ويحك فعلت فعله استوجبت بها النار يوم القيامة، والله ما أنا لك بزوجة ولا أنت لي ببعل، ويلك بأي وجه تلقى الله، وجده رسول الله؟
ولما نصب رأس الحسين على باب القصر قال الخوارزمي من مقتله: فشقت الستر وهي حاسرة فوثبت على يزيد وقالت أرأس ابن فاطمة مصلوب على باب داري فغطاها يزيد فقالت له يا يزيد أخذتك الحمية عليَّ ولم تأخذك الحمية على بنات رسول الله (ص) قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن. ثم أخذت حجرا وضربت به رأسها فسال الدم على وجهها وغشي عليها وكأني بها وقد قيل لها: يا هند قومي وادخلي بيتك.
قال ابن طاووس في اللهوف: ثم أمر بهم يزيد إلى منزل لا يكنُّهم من حر ولا برد فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم وكانوا مدى إقامتهم في البلد المشار إليه ينوحون على الحسين (ع).
وعن المنهال ابن عمر قال: كنت أتمشى في أسواق دمشق وإذا أنا بعلي بن الحسين (ع) يمشي ويتوكأ على عصاة في يده، ورجلاه كأنهما قصبتان، والدم يجري من ساقيه، والصفرة قد علت عليه.
قال المنهال: فخنقتني العبرة، فاعترضته وقلت له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال (ع) : يا منهال وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية، يا منهال: والله منذ قتل أبي نساؤنا ما شبعت بطونهن، ولا كسون رؤوسهن، صائمات النهار نائحات الليل.
لهذا ورد عن زين العابدين (ع) أنه قال: دخلت على عمتي زينب فرأيتها تصلي من جلوس، فسألتها عن ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف (لأنها منذ ثلاثة أيام لم يدخل في جوفها طعام، لأنها كانت تدفع نصيبها من الطعام قال ابن طاووس في اللهوف: ثم أمر بهم يزيد إلى منزل لا يكنُّهم من حر ولا برد فأقاموا به حتى تقشرت وجوههم وكانوا مدى إقامتهم في البلد ينوحون على الحسين (ع).
قال المنهال: فخنقتني العبرة، فاعترضته وقلت له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله ؟ قال (ع) : يا منهال وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية، يا منهال: والله منذ قتل أبي نساؤنا ما شبعت بطونهن، ولا كسون رؤوسهن، صائمات النهار نائحات الليل يا منهال أصبحنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم أصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً منها، وتفتخر قريش على العرب بأن محمداً منها وإنا عترة محمد أصبحنا مقتولين، مذبوحين، مأسورين، مشردين، شاسعين عن الأمصار، كأننا أولاد ترك او كابل، هذا صباحنا أهل البيت.
فقد ورد عن زين العابدين (ع) أنه قال: دخلت على عمتي زينب فرأيتها تصلي من جلوس، فسألتها عن ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف (لأنها منذ ثلاثة أيام لم يدخل في جوفها طعام، لأنها كانت تدفع نصيبها من الطعام على الأطفال).
• بيان وتعريف بعض الاماكن التي مر ووقف فيها سبايا آل الرسول صل الله عليه وآله :
كيف كانت مصيبة سبي السيدة زينب عليها السلام وبنات الرسالة بعد إخراجهم من كربلاء وأي الطرق الطويلة والوعرة مر بها ركب السبايا ، هل أكتفى الاعداء أخذهم للشام لا والله بل كان سبيهم من كربلاء للكوفة وصعوداً للمناطق الشمالية في العراق ، ولتركيا ، ولبنان وسوريا إلى المناطق والمدن الكثيرة فمن أهالي بعض المناطق التي مر بها السبايا أستقبلوهم متألمين وباكين لما جرى على أهل البيت و غيرهم من مناطق أخرى أستقبلوهم بالتشمت والاستهزاء .
طافوا بهم في البلدان إلى أن يصلوا بهن إلى عاصمتهم الشام وسيراهم كل إنسان مكشفات الوجوه وفي أيديهم الأغلال والسلاسل وأكثر الناس سيقابلون ذلك بالنقمة على الأمويين والأسف والحزن لآل بيت نبيهم الذي بعث رحمة للعالمين .
جاء في كتاب المنتخب إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج وضم إليهم ألف فارس وأمرهم بإيصال السبايا والرؤوس إلى الشام.
كان سبي بنات الرسالة من كربلاء إلى الكوفة جنوباً من ثم القادسية بعدها شمالاً إلى تكريت و الموصل، ثم غرباً عبر جبل سنجار، ثم منطقة الجزيرة في الشمال السوري، و بعدها إلى حلب، حماة، بعلبك في لبنان وصولاً إلى دمشق في سوريا.
يقول أبو مخنف أنهم مروا بهم بمدينة تكريت وكان اغلب أهلها من النصارى فلما اقتربوا منها وأرادوا دخولها اجتمع القسيسون والرهبان في الكنائس وضربوا النواقيس حزنا على الحسين وقالوا : إنا نبرأ من قوم قتلوا ابن بنت نبيهم فلم يجرؤوا على دخول البلدة وباتوا ليلتهم خارجها في البرية .
وهكذا كانوا يقابلون بالجفاء والإعراض والتوبيخ كلما مروا بدير من الأديرة أو بلد من بلاد النصارى، وحينما دخلوا مدينة لينيما وكانت عامرة يومذاك تظاهر أهلها رجالاً ونساء وشيباً وشبانا وهتفوا بالصلاة والسلام على الحسين وجده وأبيه ولعن الأمويين وأشياعهم وأتباعهم وأخرجوهم من المدينة وتعالى الصراخ من كل جانب، وأرادوا الدخول إلى جهينة من بلاد سورياً فتجمع أهلها لقتالهم فعدلوا عنها واستقبلتهم معرة النعمان بالترحاب بلدة المعري الذي يقول :
أليس قريشكم قتلت حسيناً
وصار على خلافتكم يزيد
وقال : وعلى الأفق من دماء الشهيدين علي ونجله شاهدان . وحينما اشرفوا على مدينة كفرطاب أغلق أهلها الأبواب في وجوههم فطلبوا منهم الماء ليشربوا فقالوا لهم : والله لا نسقيكم قطرة من الماء بعد أن منعتم الحسين وأصحابه منه، واشتبكوا مع أهالي حمص وكان أهلها يهتفون قائلين : أكفرا بعد إيمان وضلالا بعد هدي، ورشقوهم بالحجارة فقتلوا منهم 26 فارساً ولم تستقبلهم سوى مدينة بعلبك كما جاء في الدمعة الساكبة فدقت الطبول وقدموا لهم الطعام والشراب . وجاء عن سبط بن الجوزي عن جده انه كان يقول : ليس العجب أن يقتل ابن زياد حسينا وإنما العجب كل العجب أن يضرب يزيد ثناياه بالقضيب ويحمل نساءه سبايا على أعقاب الجمال. قد رأى الناس في السبايا من الفجيعة أكثر مما رأوه في قتل الحسين وهذا ما أراده الحسين عليه السلام من الخروج بالنساء والصبيان، ولو لم يخرج بهن لما حصل السبي الذي ساهم مساهمة فعالة في الهدف الذي أراده الحسين من نهضته وهو انهيار تلك الدولة الجائرة .
ولكم التعريف ببعض الاماكن التي أوقف فيها سبايا أهل البيت عليهم السلام عند وصولهم إلى الشام :
(باب الساعات) الذي أُدخل منه سبايا أهل البيت ومعهم رأس الحسين (ع)، في حين كان الناس مبتهجين ويقرعون الطبول ويرقصون فرحاً. وهو أحد الأبواب الشرقية لمدينة دمشق وينتهي إليه طريق حلب والكوفة.
فحينما وصل سبايا أهل البيت توقفت القافلة عنده لعدة ساعات بسبب شدة الازدحام إضافة إلى الاستعراض الذي كان يقوم به الجيش الأموي، ولذا أطلق الشيعة على هذا الباب اسم باب الساعات، ويسمى هذا الباب شحاليا باسم (باب توما)، ولا زالت بعض آثار البوابة باقية إلى اليوم ويقع باب توما في الوقت الحاضر في محلّة بمدينة دمشق. وتبدو أكثر قذارة وتخلفا من سائر أحياء المدينة.
(جامع دمشق) هو المسجد الجامع أو المسجد الأموي في دمشق ، وهو من أكبر المساجد في البلدان الإسلامية وبناؤه العظيم (كان في السابق كنيسة) يعود إلى عهود قديمة قبل الإسلام. في داخله منبر يقال أنه يقع في نفس موضع المنبر الذي ارتقاه الإمام السجاد عليه السلام في بلاط الأمويين، وأورد خطبته المشهورة في مجلس يزيد وفي موضع آخر من المسجد قبّة صغيرة تقوم على أربعة أعمدة تعرف بمقام زين العابدين، ويقال: أنّ هذا المكان هو الموضع الذي يستريح فيه الإمام السجاد عليه السلام ويقع إلى جانب المنبر المذكور في القسم الشرقي من هذا المسجد "مقام رأس الحسين" وهو مزار الشيعة.
(خربة الشام) بعد الخطبة التي ألقتها زينب وفضحت فيها يزيد وقلبت الأوضاع ضدّه، اضطر لوضع أهل البيت في خرابة لا سقف لها، ومكثوا فيها ثلاثة أيّام ينوحون ويلطمون على الحسين عليه السلام وفي هذا الموضع رأت رقيّة طفلة الإمام الحسين عليه السلام أباها في المنام فاستيقظت وطلبت رؤية أبيها فجاؤوها برأسه، ولمّا رأت ذلك المشهد فارقت روحها جسدها السلام (لم ترد هذه القضية في المصادر الأولى رغم ما لها من شهرة)، ودُفنت هناك حيث جعلوا لها ضريحاً فيما بعد.
(دار الإمارة) ويراد بها مقر الحاكم أو الأمير، وكانت تقام في أغلب المدن التي يوجد بها أمير أو وال إلى جانب المسجد، لكي لا تكون بعيدة عن موضع إقامة الصلاة وإلقاء الخطب، وفي الكوفة كانوا يطلقون على مقر إقامة ابن زياد، اسم دار الإمارة، أما الاجتماعات العامة فتقام في المسجد الجامع، وبعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام جيء بسبايا أهل البيت إلى هذا الموضع في الكوفة، وجرى فيه ذلك الكلام بين ابن زياد والعترة الطاهرة.
تعتبر بناية دار الإمارة في الكوفة هي أقدم بناية حكومية شيدت في الإسلام بناها سعد بن أبي وقاص: "وقد اندثرت معالمها كما اندثرت جميع معالم الكوفة ما عدا الجامع. وقد اهتمت مديرية الآثار العامة في العراق بالتعرف عليه فكشفت في مواسم مختلفة أسسه. وقد أظهرت نتائج الحفريات التي أجريت عليه أنه يتألف من سور خارجي يضم أربعة جدران تقريبا طولها 170 مترا ومعدل سمكها 4 أمتار، وتدعم كل ضلع من الخارج ستة أبراج نصف دائرية باستثناء الضلع الشمالي حيث يدعمها برجان فقط والمسافة 60/24 متر وارتفاعها حوالي 20 مترا أن البناء المحكم والهندسي لهذا القصر جعله محمي من كل غزو خارجي وتقع إلى جانب أبوابه الرئيسية غرف أعدت للسجن منه مطابخ القصر.
دير الراهب (دير ترسا) اسم لموضع في أرض الشام مرّ به سبايا أهل البيت، وكانت رؤوس الشهداء برفقة القافلة وفي الطريق نزلوا في موضع يقال له "قنّسيرين" وعنده دير يتعبد فيه راهب، ولما وقع نظر الراهب وهو في صومعته على رأس الإمام الحسين عليه السلام رأى نورا يصعد منه إلى السماء فأعطى لحامل الرأس عشرة آلاف درهم ليبقي عنده الرأس تلك الليلة وفي تلك الليلة رأى الراهب من تلك الرأس عجائب وكرامات أسلم على أثرها ويقع هذا الدير حاليا على الطريق بين سوريا ولبنان، فوق مرتفع يشرف على الطريق.
(سوق الشام) سوق كان في مدينة دمشق قرب المسجد الجامع فيها، وبقاياه يسمى اليوم بـ"سوق الحميدية". ومن المشهور أن ابن زياد ساق عيال سيد الشهداء من بعد واقعة كربلاء كسبايا وسيّرهم من الكوفة إلى الشام. وأمر يزيد بإضاءة وتزيين بلاد الشام، وأن يطاف بعائلة الإمام الحسين في الأزقة والأسواق. ومن جملة الأماكن التي سير فيها السبايا هو سوق الشام الذي احتشدت على جانبيه جموع غفيرة من الناس للتفرّج على سبايا آل الرسول صلى الله عليه وآله.
______________________
أهم المصادر
أسرار الشهادة للدربندي
نفّس المهموم
المنتخب للطريحي النجفي
اللهوف في قتلى الطفوف
مقتل الخوارزمي
الدمعة الساكبة