مكث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مكة المكرمة فترة من الوقت كان يواجه خلالها حرباً إعلامية من قبل رجال قريش، بهدف إقامة جدار بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمجتمع كمحاولة لفصل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اجتماعياً تحت مبررات مختلفة.
وكان من وسائل هذه الحرب القذرة بثّ الشائعات والأضاليل الباطلة والمزيفة في أوساط الرأي العام القرشي والمكّي منها: أنّ رسول الله أبتر لا عقب له ولا خلف. ولقد سرت هذه الشائعة بين المجتمع المكي ممّا ترك في نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعض الحزن والتأثر.
ولكن الله سبحانه وتعالى أبطل هذه الأكذوبة، وبشّر رسوله بأن أعطاه فاطمة سيدة نساء العالمين وسيكون أبناؤه منها وهم اللذين سيشكلون امتداد الرسالة من بعده.
وفي السنة الثالثة للهجرة في ليلة النصف من شهر رمضان المبارك (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)، جاء الوعد الإلهي بأن ولد الإمام الحسن (عليه السلام) ممّا بعث في نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تباشير الفرح والسرور بأن حقق الله عز وجلّ وعده وبأن ردّ كيد الأعداء من مشركي مكة، ولذلك بقدر ما كان مولد الإمام الحسن (عليه السلام) يضفي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) السعادة والبشرى، كانت زعامات قريش وأقطاب مكة تعض الأنامل وتتقطع من الغيظ والحقد لفشل المؤامرة الإعلامية ضد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..
وكانت الولادة المباركة في المدينة المنورة حيث استقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سبطه الحسن سيد شباب أهل الجنة وبدا عليه الارتياح وقام من ساعته إلى بيت الصديقة فاطمة الزهراء (عليه السلام) ونادى يا أسماء أين ولدي؟ فأسرعت به أسماء بنت عميس إلى جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وقد لفّ الحسن (عليه السلام) في خرقة، فقدمته إلى جدّه (صلّى الله عليه وآله) فاستقبله والبشرى تلوح على وجهه، فأخذ ابنه برفق، وضمه إليه وراح يلثمه بعطفه وحنانه، ثم بدأ يقطر أذنيه بالإيمان، ويعصر في روحه آيات التكبير والتهليل، فكان غذاؤه الأول: الله أكبر.. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله.. أذّن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى ثم أقام في اليسرى، لتكون هذه الكلمات القصار، الكثيرة والكبيرة بمحتوياتها أنشودة الإمام أبي محمد الحسن (عليه السلام) في كل مراحل حياته يحاول غرسها بكل ما لديه من جهد في أعماق النفوس لتكون أنشودة الحياة جيلاً بعد جيل. وجاء الإمام علي (عليه السلام) إلى فاطمة وسألها عن اسم المولود، أجابته: ما كنت لأسبقك، فأردف عليّ (عليه السلام) قائلاً: وما كنت لأسبق رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فجاء الإمام علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسأله عن اسم المولود، فأجاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)! وما كنت لأسبق ربّي.فنزل جبرائيل من السماء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال له: إن الجليل يقرؤك السلام ويقول لك اسمه حسن، فكان كذلك. ثم عق عنه وحلق رأسه وتصدق بزنة شعره فضةً فكان وزنه درهمان وشيئاً، وأمر فطلي رأسه طيباً، وسُنّت بذلك العقيقة والتصدّق بوزن الشعر وكنّاه (أبا محمد). ولا كنية له غيرها.
ألقابه:
أشهر ألقابه: التقي والزكي والسبط. وعرف غيرها كالسيد والمجتبى. والطيب والولي.
زوجاته:
تزوج (أم إسحاق) بنت طلحة بن عبيد الله، و(حفصة) بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، و(هند) بنت سهيل بن عمرو، وجعدة بنت الأشعث بن قيس، وهي التي أغراها معاوية بقتله فقتله بالسم.
وقد تحدث المؤرخون عن زوجات الإمام الحسن (عليه السلام) وأكثروا ومال أكثرهم إلى المبالغة في تعدادهن مبالغة لا تعتمد على أساس معقول…
أولاده:
كان له خمسة عشر ولداً ما بين ذكر وأنثى وهم: زيد، أم الحسن، أم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية. الحسن، أمه خولة بنت منصور الفزارية. عمر والقاسم وعبد الله، أمهم أم أولد. عبد الرحمن، أمه أم ولد. الحسين الملقب بالأشرم وطلحة وفاطمة أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي. أم عبد الله وفاطمة وأم سلمة ورقية، لأمهات شتى ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.
أوصافه:
(لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الحسن بن عليّ (عليهما السلام) خلقاً وخُلقاً وهيأة وهدياً وسؤدداً).
بهذا وصفه واصفوه. وقالوا: (كان أبيض اللون مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، كث اللحية، جعد الشعر ذا وفرة، كان عنقه إبريق فضة، حسن البدن، بعيد ما بين المنكبين، عظيم الكراديس، دقيق المسربة، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، مليحاً من أحسن الناس وجهاً. أو كما قال الشاعر:
ما دب فـــي فطن الأوهام من حسنٍ إلا وكــــــان لـــه الحظ الخصوصيّ
كأنّ جبــــهته مـــــــن تحـــت طرّتـــه بدر يتـــــوجّه اللــــيل البهـــــيميّ
قد جلّ عن طيب أهل الأرض عنبــره ومسكه فـــــهو الطيـــب السماويّ
فالإمام الحسن (عليه السلام) حاز على صفات جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في خَلقِه وخُلُقِه حتى أن المسلمين إذا اشتاقوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نظروا إلى ابنه الحسن (عليه السلام) يقول أبو جحيفة: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان الحسن بن علي يشبهه) ويقول أنس: (لم يكن أحد أشبه برسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الحسن بن علي (عليه السلام) وقد أورد الشيخ المفيد (رحمه الله) في الإرشاد أنه: كان الحسن بن علي (عليهما السلام) يشبه النبي (صلّى الله عليه وآله) من صدره إلى رأسه والحسين يشبهه (صلّى الله عليه وآله) من صدره إلى رجليه.
وقال أيضاً: (كان الحسن (عليه السلام) أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً وهيأة وهدياً وسؤدداً).
وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للحسن ذات مرة: (أشبهت خَلقي وخُلقي) وقال واصل بن عطاء: (كان الحسن بن علي (عليهما السلام)، عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك).
أخلاقه:
كان في شمائله آية الإنسانية الفضلى، ما رآه أحد إلا هابه، ولا خالطه إنسان إلا أحبه، ولا سمعه صديق أو عدو وهو يتحدث أو يخطب فهان عليه أن ينهي حديثه أو يسكت.
وقال محمد بن إسحاق: (ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ما بلغ الحسن بن عليّ. كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس).
ونزل عن راحلته في طريق مكة فمشى، فما من خلق الله أحد إلا نزل ومشى حتى سعد بن أبي وقاص، فقد نزل ومشى إلى جنبه.
وروى المؤرخون عن تواضعه وكرم أخلاقه عشرات الروايات فمن ذلك انه اجتاز على جماعة من الفقراء وقد جلسوا على التراب يأكلون خبزاً كان معهم فدعوه إلى مشاركتهم فجلس معهم وقال: (إن الله لا يحب المتكبرين، ولما فرغوا من الأكل دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم وأغدق عليهم من عطائه، ومرة أخرى مر على فقراء يأكلون فدعوه إلى مشاركتهم، فنزل عن راحلته وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وأعطاهم، وقال: (اليد لهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد ما أعطيناهم). وكان من كرمه أنه أتاه رجل في حاجة، فقال له: (أكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا). قال: فرفعها إليه فأضعفها له، فقال له بعض جلسائه: (ما كان أعظم بركة الرفعة عليه يا ابن رسول الله!). فقال: (بركتها علينا أعظم، حين جعلنا للمعروف أهلاً. أما علمتم أن المعروف ما كان ابتداء من غير مسألة، فأما من أعطيته بعد مسألة، فإنما أعطيته بما بذل لك من وجهه وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً يميل بين اليأس والرجاء لا يعلم بما يرجع من حاجته ابكأية الرد، أم بسرور النجح، فيأتيك وفرائصه ترعد وقلبه خائف يخفق فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه، فإن ذلك أعظم ممّا نال من معروفك).
وأعطى شاعراً فقال له رجل من جلسائه: (سبحان الله أتعطي شاعراً يعصى الرحمن ويقول البهتان!). فقال: (يا عبد الله إن خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك وإن من ابتغاء الخير اتقاء الشر).
وسأله رجل فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار، وقال له: (ائت بحمال يحمل لك). فأتى بحمال، فأعطاه طيلسانه، وقال: هذا كرى الحمال).
وجاءه بعض الأعراب. فقال: (أعطوه ما في الخزانة!.. فوجد فيها عشرون ألف درهم. فدفعت إليه، فقال الإعرابي: (يا مولاي ألا تركتني أبوح بحاجتي، وأنشر مدحتي فقال الإمام الحسن (عليه السلام):
نحــــن أناس نــــوالــــنا خــــضل يرتــــــــع فـــيه الرجاء والأمل
تجود قبل الســـــؤال أنـــــفسنا خوفاً على ماء وجه من يسل
ومرّ به رجل من أهل الشام ممن غذّاهم معاوية بالحقد والكراهية لعليّ وآل عليّ فجعل للإمام الحسن (عليه السلام) السب والشتم والإمام ساكت لا يتكلم وهو يعلم بأن الشامي لا يعرف عليّا وآل عليّ إلا من خلال الصورة التي كان معاوية بن هند يصورهم بها وعندما انتهى الشامي من حديثه بما فيه من حلف وفظاظة ابتسم إليه وتكلم معه بأسلوب هادئ ينم عن سماحة وكرم متجاهلاً كل ما سمع وما رأى، وقال: (أيها الشامي أظنك غريباً فلو أنك سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، وإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، أو طريداً آويناك)، ومضى يتحدث إلى الشامي بهذا الأسلوب الذي يفيض بالعطف والرحمة حتى ذهل الشامي وسيطر عليه الحياء والخجل وجعل يتململ بين يديه يطلب عفوه وصفحه ويقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
وهكذا كان في جميع مواقفه مثالاً كريماً للخلق الإسلامي الرفيع الذي دعا إليه القرآن الكريم بقوله تعالي: (وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). لقد قابل جميع ما كان يوجه إليه من الأذى والمكروه من أخصامه وحساده بالصبر والصفح الجميل حتى اعترف له ألد أخصامه وأنكرهم بذلك، فقد روى المؤرخون أن مروان بن الحكم أسرع إلى حمل جنازته ومشى مع المشيعين والكآبة بادية عليه، فقال له أبو عبد الله الحسين (عليه السلام): (إنك لتحمل جنازته وقد كنت بالأمس تجرعه الغيظ، فقال: لقد كنت أفعل ذلك مع من يوازي حمله الجبال.
ورأى غلاماً أسود يأكل من رغيف لقمة، ويطعم كلباً هناك لقمة فقال له: (ما حملك على هذا؟) قال: (إني استحي منه أن آكل ولا أطعمه). فقال له الحسن (عليه السلام): (لا تبرح مكانك حتى آتيك). فذهب إلى سيده، فاشتراه واشترى الحائط (البستان) الذي هو فيه، فأعتقه، وملّكه الحائط.وسأله رجل أن يعطيه شيئاً فقال له: (إن المسألة لا تصلح إلا في غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة) ، فقال له: ما جئتك إلا في إحداهن فأعطاه مائة دينار، ثم اتجه الرجل إلى الحسين (عليه السلام) فأعطاه تسعة وتسعين ديناراً وكره أن يساوي أخاه في العطاء، ثم ذهب الرجل إلى عبد الله بن جعفر فأعطاه أقل منهما ولما قص عليه ما جرى معهما، قال له: ويحك أتريد أن تجعلني مثلهما إنهما غرا العلم والمال غراً.ويروي المؤرخون عن سخائه أيضاً أن جماعة من الأنصار كانوا يملكون بستاناً يتعايشون منه فاحتاجوا لبيعه فاشتراه منهم بأربعمائة ألف، ثم أصابتهم ضائقة بعد ذلك اضطرتهم لسؤال الناس، فرد عليهم البستان حتى لا يسألوا أحداً شيئاً.
وروى المؤرخون صوراً كثيرة من ألوان بره وكرمه ومعروفه التي كان يغرق بها على السائلين والفقراء والمحرومين لإنقاذهم ممّا كانوا يعانون من آلام الحاجة والبؤس ابتغاء وجه الله وثوابه لا للجاه ولا للدنيا ولا تدعيم ملك وسلطان ولا لمكافأة على المديح والثناء كما كان يصنع معاوية وغيره من الأمويين والعباسيين، ومن يتلذذون بالمديح والإطراء والجاه والسلطان. وأخبار كرمه كثيرة لسنا بسبيل استقصائها، وهذا مقدار يسير من أحاديث الرواة عن كرمه ومعروفه وإن كان الكثير ممّا يرويه الرواة يخضع للنقد والحساب، إلا أن القليل المتفق عليه بينهم يكفي لأن يجعله في القمة بين أجواد العرب الذين لا يرون للمال وزناً ولا يحسبون له حساباً.
مكانة الحسن (عليه السلام) عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله):
علاقة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بابنه الحسن (عليه السلام) فاقت حدود العلاقة العائلية الموروثة كعلاقة الأب بابنه وما يصحب هذه العلاقة من انشدادات عاطفية وانجذاب مشترك بين الطرفين، بل كانت علاقة تتجاوز هذا الحد، لأنها متوجة بحب الله عز وجل وآمره وأن حب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لابنه الحسن (عليه السلام) إنما هو ـ أيضاً ـ من حب الله له، وهذا ما دفع باتجاه تعزيز العلاقة بين الرسول (صلّى الله عليه وآله) وابنه الحسن (عليه السلام)، ولذلك كان المصطفى الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يرعى تربية الحسن (عليه السلام) رعاية مميزة وخاصة، فكان يغذيه بآدابه ومعارفه وكما كان يخشى عليه من كل مكروه لحبه له وخوفه عليه لأنه أمانة الله عنده ووصي من بعده والامتداد الطبيعي للرسالة الإسلامية.. ونجد هذا الانشداد الوثيق يتجسد في مواقف عديدة تعبر عن عمق العلاقة.
ففي ذات يوم وبينما الإمام الحسن (عليه السلام) كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ عطش الحسن (عليه السلام) واشتد ظمأه فطلب له النبي (صلّى الله عليه وآله) ماءً فلم يجد فأعطاه لسانه فمصه حتى روي..
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قالت الجنة يا رب زينتني فأحسنت زينتي، فأحسن أركاني فأوحى الله تبارك وتعالى إليها أني قد حشوت أركانك بالحسن والحسين وجنبيك بالسعود من الأنصار وعزتي وجلالي لا يدخلك مرائي ولا بخيل.
وعن مطالبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المسلمين بحب ابنه الحسن (عليه السلام) يروي زهيد بن الأقمر هذه الحادثة يقول: بينما الحسن بن علي (عليه السلام) يخطب بعدما قتل عليّ (عليه السلام) إذا قام رجل من الأزد آدم طوال فقال: لقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واضعه في حبوته يقول: (من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد الغائب) ولولا عزمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما حدثتكم.
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: (حسن مني وأنا منه، أحب الله من أحبه الحسن والحسين سبطان من الأسباط).
الحسن (عليه السلام) في مدرسة النبوة:
امتازت السنوات القليلة التي عاشها الحسن (عليه السلام) في كنف جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) قبل عروجه إلى الرفيق الأعلى، أنها كانت بمثابة حجر الأساس في بناء شخصيته كما أنها الفترة المشرقة والذهبية في حياة الإمام الحسن (عليه السلام) في الالتصاق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن قرب.
فالحب المتميز لم يكن من جانب الرسول (صلّى الله عليه وآله) فقط بل كان الإمام الحسن (عليه السلام) أشد حباً وتعلقاً بجده وهذا ما يظهر بوضوح في اهتمام الحسن (عليه السلام) في المداومة على رؤية جده المصطفى (صلّى الله عليه وآله) والالتصاق به أكبر مدة فحينما كانت الزهراء (عليها السلام) تأخذ الحسنين (عليهما السلام) إلى بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيأتياه وهما في شوق شديد إليه فيتسابقا في الوصول إليه، فإذا وصلا إليه ضمّهما وقبّلهما وأجلسهما في حجره فيجلس الحسن (عليه السلام) على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر فيشعران بالأمان والحنان والعطف. بل إنه في بعض الليالي التي كانت تأتي بهما الزهراء (عليها السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيمكثان طويلاً فتضطر فاطمة (عليها السلام) إلى العودة إلى البيت وحدها، ويبقى الحسنان مع جدهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيتوسدا اليدين الكريمتين لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويناما إلى جنبه (صلّى الله عليه وآله).
ولعل من الصور الرائعة في حجم الصلة الوثيقة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابنه الحسن (عليه السلام) يذكرها بعض الرواة وهي عبارة عن دروس تربوية ذات درجة كبيرة من الأهمية منها: عن البهي قال: تذاكرنا من أشبه الناس بالنبي (صلّى الله عليه وآله) من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي (عليهما السلام) رايته وهو ساجد فيركب رقبته (أو قال ظهره) فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
أما عن الجانب العلمي في علاقة الحسن (عليه السلام) بجده (صلّى الله عليه وآله)، فلقد كان (عليه السلام) وعلى صغر سنه، يأتي إلى مجلسه (صلّى الله عليه وآله) فيصغي بسمعه إلى حديث جده (صلّى الله عليه وآله) وهو يبث رسالة الله في الناس، وبعد أن يستمع الحسن (عليه السلام) إلى ما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ينطلق مسرعاً إلى أمه فاطمة (عليها السلام) فيخبرها بلسان فصيح صادق كلّ ما دار في حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع الناس، فيأتي الإمام علي (عليه السلام) فتخبره فاطمة (عليها السلام) بحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في المجلس فيسأل الإمام علي (عليه السلام) عن الذي أخبرها بذلك، فتقول: ابنك الحسن (عليه السلام).
فتخفّى عليّ (عليه السلام) يوماً في الدار ليستمع إلى ما يقوله الحسن (عليه السلام) من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فدخل الحسن (عليه السلام) وقد جاء من مجلس الرسول (صلّى الله عليه وآله) فأراد أن يلقي لوالدته الزهراء (عليها السلام) فارتج عليه الأمر، فعجبت أمه من ذلك فقال الحسن (عليه السلام): لا تعجبي يا أماه فإن كبيراً يسمعني واستماعه قد أوقفني فخرج علي (عليه السلام) إليه فضمه وقبّله.
ومن جهة ثانية نرى أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان منذ صغره يتلقى علوم الوحي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذلك من خلال الأسئلة عن أمور عديدة، منها ما ذكره الإمام الصادق (عليه السلام) انه: (بينما الحسن (عليه السلام) يوماً في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة).
فالزائر الذي يستحق الجنة في هذه الأماكن الشريفة هو الذي يعمل بما أمر الله تعالى ويترك ما نهى الله عنه ويكون عارفاً بحق أهل البيت (عليهم السلام)، مؤمن بكل ما جاءوا به..
الامام الحسن (عليه السلام ) في خلافة ابيه الامام علي (عليه السلام):
شارك الإمام الحسن (عليه السلام ) في جميع حروب والده الإمام علي (عليه السلام) في البصرة وصفين والنهروان وأبدى انصياعاً وانقياداً تامين لإمامِهِ وملهمه. كما قام بأداء المهام التي أوكلت إليه على أحسن وجه في استنفار الجماهير لنصرة الحق في الكوفة أثناء حرب الجمل وفي معركة صفين وبيان حقيقة التحكيم الذي اصطنعه اللعين الفاجر المنحرف معاوية لشق جيش الامير المطلق الامام علي (عليه السلام).
إمامته (عليه السلام):
بعد فاجعة شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) تولَّى الإمام الحسن (عليه السلام) دفنه.
وبعد أن انتهى المسلمون من مراسم العزاء قام الإمام الحسن (عليه السلام) في المسجد خطيباً، وقال: أيُّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا، ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطَهَّرهم تطهيراً.
وأنا من أهل بيت افترض الله مودَّتهم على كلِّ مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيِّه (صلى الله عليه وآله): (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا) ، فاقتراف الحسنة مَوَدَّتُنا أهل البيت.
وهكذا انهالت الجماهير إلى بيعة الإمام الحسن (عليه السلام)، عن رضاً وطيب نفس، لأنهم رأوا فيه المثال الفاضل لمؤهلات الخليفة الحق.
وعلى كلِّ حالٍ يجب أن يكون إمام المسلمين مختاراً من قبل الله تعالى، منصوصاً عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله).
فيجب أن يكون قِمَّة في المكرمات والفضائل، أكفأ الناس وأورعهم وأعلمهم والحسن (عليه السلام) كذلك.
قد توفرت فيه شروط والي أمر المسلمين بأكمل وجه وأحسنه، وهو صاحب النص المأثور عن الرسول العظيم: (الحَسَن والحسين إمامان قَامَا أو قعدا).
وبايعه الناس بعد أن حضَّهم عليها خيار الصحابة والأنصار، فقد قال في ذلك عبيد الله بن العباس: معاشر الناس هذا ابن نبيِّكم، ووصي إمامكم فبايعوه.
وكان للإمام الحسن (عليه السلام) حُبٌّ في القلوب نابعٌ عن صميم قلوب المسلمين.
وقد اتَّخذ أصله عن حُبِّ النبي (صلى الله عليه وآله) له، وحُبِّ الله تعالى لمن أَحَبه النبي (صلى الله عليه وآله).
أضف إلى ذلك، ما كانت تقتضيه الظروف، من رجل يقابل معاوية ومن التفَّ حوله من الحزب الأموي الماكر، وله من كفاءة القيادة، وسداد الرأي، والمودة في قلوب المسلمين.
لذلك أسرع المسلمون إلى بيعته قائلين: ما أَحَبُّه إلينا، وأوجب حقَّه علينا، وأحقه بالخلافة.
وجاء في مقدمة الزعماء المجاهدين الأنصاري الثائر، قيس بن سعد، فبايعه وهو يقول: أبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسُنَّة نبيه، وقتال المحلين.
فقال له الإمام (عليه السلام): عَلى كتاب الله وسنّة نبيه، فإنهما يأتيان على كلِّ شرط.
وكلما دخل فوج يبايعونه قال لهم: تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت.
وتمَّت البيعة في العقد الثالث من شهر رمضان المبارك، بعد أربعين عاماً من الهجرة النبوية.
عبادته:
إن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً، ولا يمر في شيءٍ من أحواله إلا ذكر الله سبحانه وكان أصدق الناس لهجة وأفصحهم منطقاً وكان إذا بلغ المسجد رفع رأسه ويقول: الهي ضيفك ببابك يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم).
وقيل أنه حج خمساً وعشرين حجة ماشياً، وإن النجائب لتقاد معه، وإذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث بكى، وإذا ذكر الممر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغش عليه منها، وإذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله تعالى الجنة وتعوذ بالله من النار.وكان إذا توضأ، أو إذا صلّى ارتعدت فرائصه واصفر لونه من خشية الله تعالى. وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات. وخرج من ماله لله تعالى مرتين.
ثم لا يمر في شيء من أحواله إلا ذكر الله عز وجل.
قال: (وكان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم بالدنيا).
من وصاياه واقواله الشريفة
تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوا في بيوتكم.
تعلموا فإنكم صغار قوم اليوم وتكونوا كبارهم غدا.
علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أنفقت علمك وعلمت ما لم تعلم.
حسن السؤال نصف العلم.
إن الناس أربعة: فمنهم من لاخلاق(أي النصيب الوافر من الخير في الحياة) وليس له خلق، ومنهم من له خلاق وليس له خلق، ومنهم من ليس له خلق وله خلاق فذاك أشر الناس، ومنهم من له خلق وخلاق فذلك أفضل الناس.
يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فجد بما في يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه.
عجبت لمن يفكر في مأكولة كيف لا يفكر في معقوله.
غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الهم.
من عبد الله عبد الله له كل شيء.
عليكم بالفكر فإنه حياة قلب البصير ومفاتيح أبواب الحكمة.
صاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك به.
خير الغنى القنوع وشر الفقر الخضوع..
كرم الامام الحسن (عليه السلام ):
تعتبر صفة الكرم و السخاء من أبرز الصفات التي تميَّز بها الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، فكان المال عنده غاية يسعى من خلالها إلى كسوة عريان ، أو إغاثة ملهوف ، أو وفاء دين غريم ، أو إشباع جوع جائع ، وإلخ .
هذا وعرف الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) بكريم أهل البيت ، فهو الذي قاسم الله أمواله ثلاث مرّات ، نصف يدفعه في سبيل الله و نصف يبقيه له ، بل وصل إلى أبعد من ذلك ، فقد أخرج ماله كلّه مرتين في سبيل الله ولا يبقي لنفسه شيء ، فهو كجدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطي عطاء من لا يخاف الفقر ، وهو سليل الأسرة التي قال فيها ربّنا و تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )
وآية أخرى تحكي لسان حالهم
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وأسيرا إنما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) ،.
فهذا هو الأصل الكريم لإمامنا الحسن ( عليه السلام ) الزكي من الشجرة الطيّبة التي تؤتي أُكلها كل حين ، فمن كريم طبعه ( عليه السلام ) أنّه لا ينتظر السائل حتّى يسأله ، و يرى ذل المسألة في وجهه ، بل يبادر إليه قبل المسألة فيعطيه .
و الشواهد لهذه الصفة المتميِّزة عند الإمام ( عليه السلام ) :
1ـ روي أنَّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) خرج مع أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) و عبد الله بن جعفر ( رضوان الله عليه ) حُجَّاجاً ، فَجَاعوا وعطشوا في الطريق ، فمرّوا بعجوز في خباء لها ، فقالوا : ( هَلْ مِن شراب ) ؟
فقالت : نعم هذه شَاة احلبوها ، واشربوا لبنها ، ففعلوا ذلك ، ثمّ قالوا لها : ( هلْ مِن طَعَام ) ؟ فقالت : لا ، إلاّ هذه الشاة ، فليذبحها أحدكم حتَّى أُهيئ لكم شيئاً تأكلون .
فقام إليها أحدهم فذبَحَها وكشطها ، ثمّ هَيَّأت لهم طعاماً فأكلوا ، فلمّا ارتحلوا قالوا لها : ( نحن نَفَرٌ من قريش ، نريد هذا الوجه ، فإذَا رَجعنا سالمين فأَلِمِّي بنا فإنَّا صانعون إليكِ خيراً ) ، ثمّ ارتحلوا .
وأقبل زوجُها ، وأخبَرَتْه عن القوم والشاة ، فغضب الرجل و قال : وَيْحكِ ، تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ، ثمّ تقولين : نَفَرٌ من قريش .
ثمّ بعد مدَّة أَلجَأَتْهُم الحاجة إلى دخول المدينة فدخلاها ، فمرَّت العجوز في بعض سِكَك المدينة ، فإذا بالحسن ( عليه السلام ) على باب داره ، فَسَلَّمَت عليه ، فعرفها الإمام ( عليه السلام ) ، وأمر أن يُشتَرَى لها ألف شاة ، وتُعطَى ألف دينار .
و أرسل معها غلامه إلى أخيه الحسين ( عليه السلام ) ، فقال : ( بِكَمْ وصلك أخي الحسن ) ؟ فقالت : بألف شاة وألف دينار ، فأمر ( عليه السلام ) لها بمثل ذلك .
ثمّ بعثَ ( عليه السلام ) بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر ، فقال : بكم وَصَلك الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ؟ فقالت : بألفي دينار وألفي شاة ، فأمر لها عبد الله بن جعفر بمثل ذلك ، فَرجِعَت العجوز إلى زوجها بذلك .
2ـ روي أنَّ رجلاً جاء إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) و سأله حاجة ، فقال ( عليه السلام ) له : ( يا هذا ، حَقّ سؤالك إيّاي يعظم لديَّ ، ومعرفتي بما يجب تكبر عليَّ ، ويدي تعجز عن نَيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات الله عزَّ وجلَّ قليل ، وما في ملكي وفاء بشكرك ، فإن قبلت منّي الميسور ، ورفعت عنِّي مؤونة الاحتيال والاهتمام ، لما أتكلَّفه من واجبك فعلت ) .
فقال : يا بن رسول الله ، أقبل القليل ، وأشكر العطية ، وأعذر على المنع ، فدعا الإمام ( عليه السلام ) بوكيله ، وجعل يحاسبه على نفقاته حتّى استقصاها ، فقال ( عليه السلام ) : ( هات الفاضل من الثلاثمِائة ألف درهم ) .
فأحضر خمسين ألفاً ، فقال ( عليه السلام ) : ( فما فُعِل بالخمسمِائة دينار ) ؟ قال : هي عندي ، فقال ( عليه السلام ) : ( أحضِرها ) ، فأحضرها ، فدفع ( عليه السلام ) الدراهم والدنانير إلى الرجل ، وقال : ( هَات من يَحملها ) .
فأتاهُ بِحمَّالين ، فدفع الإمام الحسن ( عليه السلام ) إليهم رداءه كأجور الحمل ، فقال له مواليه : والله ما عندنا درهم ، فقال ( عليه السلام ) : ( لِكَي أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم ) .
3ـ روي أنّه ( عليه السلام ) اشترى بستاناً من قوم من الأنصار بأربعمِائة ألف ، فبلغه أنّهم احتاجوا ما في أيدي الناس ، فردَّه إليهم .
4ـ روي أنّه ( عليه السلام ) سمع رجلاً يسأل رَبَّه أن يرزقه عشرة آلاف درهم ، فانصرف الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى منزله ، وبَعَثَ بها إليه .
5ـ روي أنّه قيل ذات مرّة للإمام ( عليه السلام ) : لأيِّ شيء لا نراك تردُّ سائلاً ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( إنِّي للهِ سائل ، وفيه راغب ، وأنا أستحي أن أكون سائلاً ، وأَرُدُّ سائلاً ، وإنَّ الله عَوَّدني عادة ، أن يفيض نعمه عليّ ، وعَوَّدتُه أن أفيض نِعَمه على الناس ، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة ) .
6ـ روي أنّه جاء أعرابي يوماً سائلاً الإمام ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( أعطُوه ما في الخَزَانة ) ، فَوُجِد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها ( عليه السلام ) إلى الأعرابي ، فقال الأعرابي : يا مولاي ، ألا تركتني أبوحُ بحاجتي ، وأنشر مِدحَتي .
فأنشأ الإمام ( عليه السلام ) يقول :
نَحنُ أُناسٌ نَوالُنا خضـل
يرتع فيه الرجـاء والأمــل
تَجودُ قبل السؤال أنفسـنا
خوفاً على ماء وجه مَن يَسَلُ
لو علم البحرُ فَضلَ نائلنا
لغاصَ مِن بعد فيضِـهِ خَجَلُ
7ـ روي في ( شرح نهج البلاغة ) : أنّ الحسن ( عليه السلام ) أعطى شاعراً ، فقال له رجل من جُلَسَائه : سبحان الله ، أتُعطِي شاعراً يعصي الرحمن ، ويقول البهتان ؟!
فقال ( عليه السلام ) : ( يا عبد الله ، إنَّ خير ما بذلتَ من مالك ما وقيت به عرضك ، وإن من ابتِغاء الخير اتِّقاء الشر ) .
8ـ أتاه رَجُل يَطلب حاجَة وهو يَستَحيي مِن الحاضرين أن يفصح عنها ، فقال له الإمام ( عليه السلام ) : ( اكتب حاجتك في رقعة وارفعها إلينا ) ، فكتب الرجل حاجته ورفعها ، فضاعفها له الإمام مرّتين ، وأعطاه في تواضع كبير .
فقال له بعض الشاهدين ما كان أعظم بركة الرقعة عليه ، يا بن رسول الله ! فقال ( عليه السلام ) : ( بركتها إلينا أعظم حين جعلنا للمعروف أهلاً ، أما علمت : إنّ المعروف ما كان ابتداءً من غير مسألة ، فأمَّا مَن أعطيته بعد مسألة فإنّما أعطيته بما بذل لك من وجهه .
وعسى أن يكون بات ليلته متململاً أرقاً ، يميل بين اليأس والرجاء ليعلم بما يرجع من حاجته أبكآبة ردّ ، أم بسرور النجح ، فيأتيك وفرائصه ترعد ، وقلبه خائف يخفق ، فإن قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه ، فإنّ ذلك أعظم ممّا ناله من معروفك ) .
9ـ تنازع رجلان ، أحدهما أموي يقول : قومي أسمح ، والآخر هاشمي يقول : بل قومي أسمح ، فقال أحدهما : فاسألْ أنت عشرة من قومك ، وأنا أسأل عشرة من قومي ، يريد أن يسأل كلٌّ عطاء عشرة من قومه ، فينظروا أيّ القومين أسخى وأسمح يداً ، ثمّ إذا عرفوا ذلك أرجع كلّ منهما الأموال إلى أهلها ، كلّ ذلك شريطة أن لا يخبرا من يسألاه بالأمر .
فانطلق صاحب بني أمية فسأل عشرة من قومه فأعطاه كلّ واحد منهم ألف درهم ، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم ، ثمّ أتى إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقال : ( هل بدأت بأحد قبلي ) ؟ قال : بدأت بالحسن ، قال : ( ما كنت أستطيع أن أزيد على سيّدي شيئاً ) ، فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم .
فجاء صاحب بني أمية يحمل عشرة آلاف درهم من عشرة أنفس ، وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسَين ، فغضب صاحب بني أمية ، حيث رأى فشله في مبادراته القبلية ، فردّ الأوّل حسب الشرط ما كان قد أخذه من بني أمية فقبلوه فَرحِين ، وجاء صاحب بني هاشم إلى الإمام الحسن والحسين ( عليهما السلام ) يردّ عليهما أموالهما فأبيا أن يقبلاهما قائلين : ( ما نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق ) .
شهادة الإمام الحسن ( ع ) ودفنه
دَعَت السياسة الرشيدة للإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ومكانته المُتَنَامية في الأمّة ، معاوية إلى أن يشك في قدرته على مناوأته ، واستئثاره بقيادة الأمّة .
حيث إنه ما خطى خطوة تُالف قِيَمَ الحق ، أو مصالح الأمّة ، إلا وعارضه الإمام ( عليه السلام ) واتَّبعته الأمّة في ذلك . ففشلت مساعي معاوية وخابت آماله ، فدبَّر حيلة كانت ناجحة إلى أبعد الحدود ، تلك هي الفتك بحياة الإمام ( عليه السلام ) عن طريق السُّم . فبعث معاوية إلى عاهل الروم يطلب منه سمّاً فتَّاكاً ، فقال ملك الروم : إنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا . فراسله معاوية يقول : إن هذا الرجل هو ابن الذي خرج بأرض تهامة – يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) – خرج يطلب ملك أبيك ، وأنا أُريد أن أدس إليه السمَّ ، فأُرِيح منه العباد والبلاد .
بَعَث ملك الروم إلى معاوية بالسمِّ الفتاك ، فَدَسَّه إلى الإمام ( عليه السلام ) عن طريق جعدة ، الزوجة الخائنة التي كانت تنتمي إلى أسرة فاجرة .
حيث اشترك أبوها في قتل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وأخوها في قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) فيما بعد .
وفي ذلك النهار حيث كان قد مضى أربعون يوماً أو ستون على سقيه السُّم ، أتمَّ ( عليه السلام) وصاياه التي أوصى بها إلى أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ،وعلم باقتراب أجله .
فكان ( عليه السلام ) يبتهل إلى الله تعالى قائلاً
اللَّهُمَّ إني أحتسب عندك نفسي ، فإنها أعزُّ الأنفس عليَّ ، لم أُصَب بمثلها ، اللَّهُمَّ آنِسْ صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ، ولقد حاقت شربته – أي معاوية – ، والله ما وفيَ بما وعد ، ولا صَدَق فيما قال ).
وكان ( عليه السلام ) حين التحق بالرفيق الأعلى ، يتلو آياتٍ من الذكر الحيكم .
وكانت شهادته ( عليه السلام ) في السابع من صفر 50 هـ ،
دفنه ( عليه السلام ) :
وقامت المدينة المنورة لِتُشيِّع جثمان ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي لم يزل ساهراً على مصالحهم قائماً بها أبداً .
وجاء موكب التشييع يحمل جثمانه الطاهر إلى الحرم النبوي ، ليدفنوه عند الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، و ليجدِّدوا العهد معه ، على ما كان قد وصَّى به الإمام ( عليه السلام ) .
فلم يدفن الامام الحسن (عليه السلام )عند قبر جده المصطفى (صلى الله عليه واله )
ولولا وصية من الإمام الحسن ( عليه السلام ) إلى أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) أَلاَّ يُراق في تشييعه ملء محجمةِ دمٍ ، لَمَا ترك بنو هاشم لبني أمية في ذلك اليوم كِيَاناً .
ولولا أن الإمام الحسين ( عليه السلام ) نادى فيهم
الله الله يا بني هاشم ، لا تضيِّعوا وصية أخي ، واعدلوا به إلى البقيع ، فإنه أقسم عليَّ إن أنا مُنعت من دفنه عند جدِّه إذاً لا أُخاصم فيه أحداً ، وأن أدفنه في البقيع مع أُمِّه ).
هذا وقبل أن يعدلوا بالجثمان ، كانت سهام بني أمية قد تواترت على جثمان الإمام ( عليه السلام ) ، وأخذت سبعين سهماً مأخذها منه .
فراحوا إلى مقبرة البقيع ، وقد اكتظَّت بالناس ، فدفنوه فيها ، حيث الآن يُزار مرقده الشريف ( عليه السلام ) .
وهكذا عاش السبط الأكبر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نقيّاً ، طاهراً ، مَقهوراً ، مُهتَضَماً ، ومضى شهيداً ، مظلوماً ، مُحتَسِباً .
فَسَلام الله عليه ما بقي اللَّيل والنهار .
زيارته عليه السلام
(السلام عليك يابن رسول ربّ العالمين، السلام عليك يابن أمير المؤمنين، السلام عليك يابن فاطمة الزهراء، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا صراط الله، السلام عليك يا بيان حكم الله، السلام عليك يا ناصر دين الله، السلام عليك أيها السيد الزكي، السلام عليك أيها البرّ الوفي، السلام عليك أيها القائم الأمين، السلام عليك أيها العالم بالتأويل، السلام عليك أيها الهادي المهدي، السلام عليك أيها الطاهر الزكي، السلام عليك أيها التقي النقي، السلام عليك أيها الحق الحقيق، السلام عليك أيها الشهيد الصديق، السلام عليك يا أبا محمد الحسن بن علي ورحمة الله وبركاته)