ما هو دور الامام الجواد (ع) في الحياة العلمية ..... من المقدمات التي يلزم التذكير بها أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) جميعاً هم أبواب مدينة علم رسول الله (ص) لا يختلفون سعة، ولا يتميزون عمقاً، ولا تختلف أهدافهم ومواقفهم ,إنّما الاختلاف والتباين والتنوع في أدوار كل منهم، تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقليمية التي تتحكم في مساحة تحرك كل إمام على الساحة الإسلامية، وفي صفوف الاُمّة.
فهناك دور مفروض للاَئمة (ع) في نصّ الشريعة الإسلامية، وهو دور صيانة العقيدة الاسلامية وتعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في الأمة.. والمحافظة على حقيقة التشريع ..وقد نجحوا في القيام بدورهم الاِيجابي كاَئمة أهل البيت (ع )، وانهم استطاعوا الإبقاء على المعالم الدينية الأساسية للأمة، والحفاظ على طابعها الرسالي، وهويتها الفكرية من ناحية، ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة، وضربها في بدايات تكوينها من ناحية أخرى ...وذلك فإنّ الرسالة الاِسلامية تعنى بالإنسان من كلِّ نواحيه، وتأخذ بيده إلى كلِّ مجالاته ولا تفارقه،من مخدعه في فراشه، وفي بيته وبينه وبين ربّه، وبين نفسه،وأفراد عائلته، وفي المجتمع،وفي السياسة،وفي أي مجال من مجالات حياته..
من هنا يتوجب في القائد أن يكون على اطلاع ومعرفة بكلِّ مناحي الحياة، واستيعاب لمجمل العلوم التي يحتاجها أهل الدين وغيرهم ... بل ان تكون له معرفة بالدين لكلِّ ما نزل من السماء،وكل ما بلغه النبي محمد (ص) في حياته ..اضافة أنّ من صفات الاِمام (ع): «أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وكل أحكامه،
**** بعد هذه المقدمة نعود إلى سماحة إمامنا الجواد (ع)، كي نستلهم من فيض علومه ما نتمكن من خلاله استقراء نشاط الاِمام العلمي خلال حياته القصيرة جداً، ورغم التضييق والاِقامة الجبرية في بغداد،إلاّ أنها بلا شك ليست قليلة بالنسبة إلى المدة التي عاشها (ع).
كان الإمام الجواد [ع] أعجوبة لم تسبق بها الأمة الإسلامية. فقد نهض بأعباء الإمامة بعد أبيه الرضا [ع] وعمره تسع سنوات. وهو أمر استدعى التأمل والاستغراب حتى من قبل أتباع الإمام الرضا [ع] حين سئل عمن يخلفه، فأشار إليه وهو صغير. نعم! لقد عرفوا من خبر عيسى بن مريم وخبر يحيى بن زكريا عليهما السلام من قبل، وقد قص القرآن الكريم حكايتهما. لكن من طبيعة الإنسان الركون الى المشهود المحسوس، والتعود والحكم على المألوف. غير أنهم بعد أن رأوا آية الله حاضرة ناطقة، لم يكن أمامهم إلا التسليم.
كان ذلك ما ميّز الإمام الجواد [ع] من بين الأئمة المعصومين الباقين، فقد تأخرت ولادته زمناً جعل أتباع أهل البيت في قلق، ثم تقلد الإمامة هو صغير السن، كبير العقل، خارقاً في منطقه وحكمته وعلمه، ثم توفي وهو شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره......رغم أن ابنه الإمام الهادي [ع] تولى الإمامة وهو صغير أيضاً، لكن خبر تولي الإمام الجواد [ع] الإمامة وهو صغير انتشر وذاع ذكره، وذلك لأن مركز ذيوعه كان في قصر الخليفة المأمون الذي أقام المناظرة الكبرى الشهيرة بين الإمام الجواد وبين قاضي قضاة المسلمين في حينه يحيى بن أكثم...ولم يرزق بولد من زوجته أم الفضل بنت المأمون، التي قامت باغتياله.عاصر الإمام الجواد [ع] شطراً من خلافة المأمون، وسنتين من خلافة المعتصم. أما المأمون، الذي اتجهت اليه أصابع الاتهام في قتل الإمام الرضا [ع]، فقد حاول استقطاب ابنه الإمام الجواد [ع] واستمالته إليه، في محاولة منه لإسقاط التهمة عنه وتبرئة ساحته من دم أبيه. قام باستدعاء الإمام الجواد من المدينة، وعرض عليه أن يزوّجه ابنته أم الفضل، أملا في أن تشفع له المصاهرة في نسيان دم أبيه. لكن قراراً كهذا ووجه بثورة من رجال البلاط المحيطين بالمأمون. فقرار كهذا يبعثهم فيهم القلق على مستقبل العرش العباسي، وكانت تجربة ولاية العهد لأبيه الإمام الرضا [ع] من قبل المأمون قد جرّت عليهم قلقاً مماثلا.حاولوا بشتى السبل إقناعه في العدول عن عزمه، لكنه لم يستجب لضغوطهم. ....
فتنازلوا بعض الشيء، وقالوا له إنه صغير لم يتعلم ولم يتفقه، تنقصه الثقافة العامة. فاتركه حيناً يتعلم ويكتسب من المعارف ما يؤهله أن يكون صهراً للخليفة. ( ضحك المأمون من مبرراتهم التي طروحها لدفعه الى الرجوع عن قراره او تأخير تنفيذه على الأقل). فهو رجل ذكي، ويعلم منزلة هذا البيت وأهله، وأن علومهم لا تكتسب بالتعلّم التقليدي الذي يعرفونه. فعرض عليهم أن يمتحنوه بما يشاؤون من المعارف. فإن فشل في الاختبار، أخذ بمشورتهم. واذا نجح في الاختبار فله أن يمضي في قراره دون أن يكون لهم الاعتراض.
وافق رجال البلاط على عرض المأمون، وأعدوا ليوم الاختبار، واستدعوا قاضي القضاة في زمانه، يحيى بن أكثم، وطلبوا منه أن يهيئ من المسائل الشداد ما يفشل خطط الخليفة ويحقق لهم أهدافهم بمنع تلك الزيجة. وجاء اليوم الحاسم فاجتمع القوم، واستأذن قاضي القضاة الخليفة المأمون في أن يسأل الإمام الجواد [ع] بعض المسائل في الفقه. فأشار عليه أن يستأذن من الإمام في السؤال. تقدم القاضي للاستئذان وتطلع في وجه الصبي، وهو غير مصدق بجدوى توجيه أسئلة فقهية كبرى الى صبي في مثل ذلك السن، لكن عليه أن يمتثل أمر أولئك الرجال الذين استدعوه الى المنازلة، وربما وعدوه بالجوائز والعطايا إن حقق لهم مآربهم في إفحام الإمام وإفشال مخطط الخليفة. يحيى: أتأذن لي، جعلت فداك، في مسألة؟ الإمام [ع]: سل إن شئت. يحيى: ما تقول في مُحرمٍ قتل صيداً؟.. فاجاب الامام عليه بعد ان شعب سؤاله الى أسئلة لم يتمكن يحيى بن اكثم الاجابة عليها , لم يجب الإمام بطريقة تقليدية، لأنه كان يعلم أن السائل لم يكن يقصد من سؤاله فهم حكم شرعي غامض. وإنما كان الداعي الى ذلك التحدي وإثبات وجود المعرفة لدى الإمام من عدمه. فكان الجواب شافياً وافياً، لم يثبت للخصم غزارة علم الإمام وحسب، بل أثبت جهل الخصم في تفاصيل سؤاله...بعد ذلك، طلب المأمون من الإمام [ع] أن يفصل جواب مسألة القاضي بكل الاحتمالات التي ذكرها. ففصل الإمام بذلك الكثير من الاحتمالات، وحدد لكل احتمال جوابه.
وزيادة في إقناع حاشية الخليفة بخطئهم، طلب من الإمام [ع] أن يوجّه سؤالا بالمقابل الى قاضي القضاة ليمتحنه. فكان السؤال محيراً وأعلن القاضي عجزه عن الجواب وطلب من الإمام الجواب بنفسه عن سؤاله.
رضيت حاشية الخليفة بالواقع الجديد على مضض، مترقبين لما قد يحدث للعرش من انهيار، ومن وقوعه بيد غيرهم من غير العباسيين. وانتهى عهد المأمون، وتولى الخلافة بعده أخوه المعتصم.
لم يكن يروق للمعتصم المكانة التي يحظى بها الإمام الجواد [ع] بين أصحابه أو عند سلفه المأمون. وهو يتذكر على الدوام التجارب التي مرّ بها آباؤه العباسيون مع أفراد هذا البيت، الذي ظلّ على مرّ الزمن مصدر قلق لعروشهم. تولى المعتصم الخلافة في عام 218 ﻫ بعد وفاة أخيه المأمون. وظل يتحين الفرص لقتل الإمام. وجاءته الفرصة مواتية له حينما علم أن زوجة الإمام، أم الفضل، ابنة أخيه المأمون، على غير وفاق مع زوجها، بسبب غيرتها من زوجته الأخرى. فطلب منها أن تدس السم إليه في العنب. ففعلت ذلك. وحينما رأت الإمام [ع] وهو يصارع الموت من شدة السمّ، ندمت على ما فعلت وانفجرت باكية. ولكن أنّى لبكائها وندمها أن ينفعها وقد قتلت حجة الله في أرضه وإمام المسلمين. وصعدت روحه الطاهرة ليلتحق بجدّه [ص] وآبائه الطاهرين الذين سبقوه بالنهاية نفسها. ودفن الى جوار جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم في الكاظمية المقدسة التي كانت تسمى قديماً مقبرة قريش. من اقواله المشهورة العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم.
***وعندما كان الإمام الجواد (ع) في الخامسة من عمره جاءت رسل المأمون العباسي تحث والده الإمام الرضا (ع) ليهاجر إلى العاصمة خراسان ، ويكون ولي العهد بعدما قتل المأمون أخاه الأمين ، وكانت الظروف تُكره الإمام علي بن موسى (ع) على أن يغادر المدينة إلى خراسان عاصمة المسلمين الجديدة ، حيث إن الحرب التي قامت بين الأخوين العباسيين ، الأمين والمأمون ، كانت قد صرفت كثيراً من طاقات المسلمين وجعلتها وقوداً مشتعلاً لها ، بل قامت ثورة خراسان على كتف الشيعة هناك الذين استخدموا في ثورة العباسيين الأولى ضد الحكم الأموي ، ثم سرقت ثورتهم بانحراف القادة وذهبت مساعيهم أدراج الرياح ، وهذه الثورة الثانية قامت كرد فعل قوي لانحراف دفة الحكم عن آل بيت الرسول (ص).. والمأمون كان ممن تشيع ظاهراً ونادى بمبادئ الشيعة صريحاً في بداية أمره ، وأكره الإمام الرضا (ع) على الرحيل إلى خراسان ليثبت فكرة تشيعه في قلوب التابعين ثم يصنع ما يشاء .
استعد الإمام الرضا للرحيل ولكنه كان يعلم يقيناً بما سوف يحدث له بعد سفره ، إنها رحلة واضحة المعالم ، ولكنها خطة يجب أن يسير عليها الإمام حسب الظروف وحسب التعاليم الظاهرية للدين الإسلامي ، يجب عليه أن يبلّغ فيعذر ، ويعمل حسب مقدرته على بث الوعي الصحيح للمسلمين وإن كان ذلك سوف يؤدي بحياته الكريمة ، ثم ودع أهله وجعل الخليفة عليهم ابنه الجواد ، وهو ابن الخامسة فقط ، لِمَا كان يعرف منه من الكفاءة الموهوبة ، وراح الرضا يخترق السهل والجبل إلى خراسان حيث تستقبله الجماهير المؤمنة ويجعلونه ولياً لعهدهم ، تنتقل إليه الخلافة الإسلامية بعد المأمون ، وكانت الرسائل تربط بين الوالد والولد ، فترد تباعاً بشأن الأمور الخاصة أو العامة .
أما الإمام الرضا (ع) فقد كان معجباً بنجله أيما إعجاب ، فإذا جاءت رسالة عن الجواد (ع) وأراد أن يخبر شيعته بها قال : كتب لي أبو جعفر أو كتبت إلى أبو جعفر ، فلا يقول ابني ولا يرضى باسمه الخاص ، بل يكنيه إجلالاً واحتراماً .وأما ولده التقي في المدينة فقد كان يختلف إليه الشيعة اختلافهم إلى والده الرضا (ع) ، لأنهم كانوا يعرفون أنه إمامهم في المستقبل ، وعلى حد تعبيرهم ( إمامهم الصامت ) .
وذات يوم والشيعة في حضرة الجواد (ع) وفي مشهده إذ تغير حاله وأخذ يبكي ، وعندما جاء الخادم ، أمره بإقامة المأتم . ـ عزاء من ؟ ومأتم لمن ؟ جعلت فداك .ـ مأتم أبي الحسن الرضا (ع) ، فقد استشهد الساعة في خراسان .ـ بأبي أنت وأمي ، خراسان قطر يبتعد عن المدينة آلاف الأميال ، وتفصل بينهما سهول وجبال .
ـ نعم ، دخلني هم وغم كبير من الله عزّ وجلّ لم أكن أعرفه ، فعرفت أن أبي قد مات .وكان الإمام الجواد يكنى بأبي جعفر ليكون تذكاراً لجده أبي جعفر بن علي الباقر (ع) ، ولأئه لم يكن له ولد يسمى بجعفر .
وكان يلقب بألقاب شتى ، منها الجواد ، والتقي ، والمرتضى ، والمنتجب ، والقانع ، بيد أن لقباً واحداً اشتهر به أكثر من غيره وهو " ابن الرضا " ذلك أن أباه الإمام الرضا (ع) طار صيتُه في الآفاق لما اشتهر به من الفضل والشرف .. فعرف الناس ثلاثة من أبنائه باسم ابن الرضا ولذلك كان كل من الإمام التاسع والعاشر والحادي عشر يعرفون بـ ( ابن الرضا ) لِمَا كان للرضا من الصيت الحسن بين المسلمين .
الفصل الثاني :حياته وإمامته :...إمام وهو ( صبي )
الإمامة في عقيدة الشيعة القائلين بها تختلف عنها في منطق الاخرين كثيراً . فإن الكلمة تعني عند الشيعة الخلافة المطلقة لشخص الرسول ولعلوم رسول الله(ص) ومعارفه ومؤهلاته وصلاحياته بتعبير آخر " صورة كاملة للنبوة " ، بفارق واحد أن الإمام لا يوحى إليه ، بينما النبي يوحى إليه ، فلا نبي بغير وحي..
النبوة ـ في منطق الإسلام ـ صلاحية فريدة في نوعها ومتميزة عن صلاحيات سائر البشر ، يهبها اللـه تعالى إلى فرد يختاره ويجعله وسيطاً يتلقى الوحي منه وينشره بين قومه ، وإذا تمت هذه الفكرة عن النبي تتم عن الإمام بنفس الملاك ونفس الحجة ، وكما أنه إذا صح القول بأنه من الممكن ان يكون الصبي نبياً وهو في المهد رضيع ، صح ذلك في الإمام (ع) ..
** اذا كان العمر مقياساً للناس غالبا ولكنه ليس بمقياس عند الله ، فليس الأكبر سناً أعظم عند اللـه دائماً ، وربَّ شيخ يغيض عند ربه ولربَّ شاب أو طفل محبوب عند بارئه . العمل الصالح والنية الطيبة وما إلى ذلك هو المقياس الأول عند الإسلام وفي منطق القرآن ، أضف إلى ذلك أن القول بالنبوة والإمامة لا يمكن إلاّ بعد الإيمان الكامل بقدرة اللـه تعالى على أن يجعل من فرد واحد مجمعاً للفضائل ، ومرجعاً للمعارف ، وقدوة للناس وأسوة للخلق ، فالإعتقاد بالنبوة يفرض على الإنسان الإيمان بالمعجزة ( والتي هي ما يتعدى طاقة الإنسان ) وله ميزة على سائر البشر حتى يمكنه أن يقودهم ويقول لهم إنني نذير من الله .
وإذا كانت المعجزة تعني شيئاً خارجاً عن الطبيعة الجارية في سائر الخلق ، فلا فرق بين أن يكون الفرد الذي تتجلى فيه المعجزة كبيراً أو صغيراً ، غنياً أو فقيراً .وزعمت الأمم السالفة : أن النبي يجب أن يكون له مال وثراء عريض ، ويكون سيداً في قومه ورئيساً مهيباً ، فأفهمهم أنبياؤهم (ع) بأن اللـه إذا أراد أن ينزَّل رحمته في فرد لا تتوفر فيه هذه الشروط ويجعله نبياً ، فهل في ذلك من بأس ؟
ولطالما أعجبت الأمم ودهشت حينما رأت أن الله قد بعث إليها صبياً نبياً ، ولكن ربنا أبرز لهم أن فعله ذلك إنما كان تعمداً ليعرفهم معنى النبوة ، وأنها ليست موهبة عادية تبرز في فرد دون فرد ، تبعاً للبيئة والتربية ، وإنما هو نبوءٌ عن عادة الخلق ، وخرق لسنة الكون ، ونداء جديد ليس يشابهه نداء المخلوقات ، بأن الله هو القادر وأنه إليه المصير ، يقول علي بن أسباط في حديث له عن الإمامة : رأيت أبا جعفر الجواد (ع) قد خرج إليّ فأحددت النظر إليه ، وإلى رأسه وإلى رجله لأصف قامته لأصحابنا بمصر فخر ساجداً وقال : إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج في النبوة ، قال تعالى:(وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾.. وقال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) وقال :(( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتى وهو في فترة الشباب . وان يؤتيه وهو ابن أربعين سنة ....
عن بعض الرواة أنه قال : كنت واقفاً عند أبي الحسن الرضا (ع) بخراسان فقال قائل : يا سيدي .. إن كان من بعدك فلمن تكون ؟ ( يريد : إذا متَّ فمن الإمام بعدك ؟ ) .قال : إلى أبي جعفر ابني .. وكأن القائل استصغر سن أبي جعفر .فقال ألجواد (ع) : إن الله سبحانه بعث عيسى رسولاً نبياً صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر (ع) ليس هناك أي استبعاد لما يشاؤه اللـه ويفعله ، فقد يجعل عيسى نبياً في أول صباه .. ويهب محمد بن علي الإمامة صبياً أيضاً .
***** كان للإمام أبي عبد الله الصادق (ع) ولد كان يدعى علي بن جعفر وكان وجيهاً محترماً لدى الشيعة الإمامية ، وكان يفد إليه الناس ، وينهلون من علومه التي تلقاها مباشرةً عن أبيه الصادق (ع) .. وأخيه موسى بن جعفر (ع) .. فيروي بعض المحدثين : أنه كنت عند علي بن جعفر بن محمد (ع) جالساً بالمدينة ، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمعه من أخيه يعني موسى بن جعفر (ع) إذ دخل عليه محمد بن علي بن موسى (ع) المسجد ـ مسجد رسول الله (ص) فوثب علي بن جعفر بلا رداء ولا حذاء ، فقبَّل يده وعظَّمه ، فقال له أبو جعفر (ع) : يا عم اجلس رحمك الله .قال : يا سيدي كيف أجلس وأنت قائم .
فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه جعل أصحابه يتسائلون ويقولون أنت عم أبيه وأنت تفعل هذا الفعل؟فقال : اسكتوا ، إذا كان الله عزَّ وجلَّ ـ وقبض على لحيته ـ لم يؤهل هذه الشيبة وأهّل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه ،أأنكر فضله ! نعوذ بالله مما تقولون بل أنا له عبد .......................بعد وفاة والده
توفي الإمام الرضا في خراسان مسموماً ، ودفن في طوس ، واختلفت ـ بسبب موته ـ الأمة الإسلامية ، وفقدت الأمة ملامحها التي كانت قد تميَّزت بها في عهد الرضا (ع) .. فرجعت الخلافة إلى بغداد .. وقرَّب المأمون العباسي من يريد وغدر بمن كان قد نصره على أخيه الأمين في نزع الملك عنه ، وغيَّر شعاره الذي اتخذه للثورة التي كانت نصف علوية ، ورجع إلى لبس السواد ، فأصبحت الدولة دولة عباسية مرة أخرى .ومرة كان الإمام يسير في طرقات بغداد العاصمة المزدحمة وقد اصطف الناس لابن الرضا (ع) ، رافعين أعناقهم كي يفوزوا بنظرة منه .. وكان من الواقفين رجل زيدي المذهب ، يحدثنا فيقول :
خرجت إلى بغداد فبينما أنا بها ، إذ رأيت الناس يتدافعون ويتشرفون ويقفون ، فقلت :
ما هذا ؟ .. فقالوا : ابن الرضا (ع) ، فقلت : والله لأنظرن إليه ، فطلع على بغل أو بغلة ، فقلت لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون أن الله افترض طاعة هذا ، فعدل إليَّ وقال : يا قاسم بن عبد الرحمن : ﴿ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ). فقلت في نفسي : " ساحر والله " . فعمد إليَّ فقال : ﴿أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ﴾ : فانصرفت وقلت بالإمامة وشهدت أنه حجة الله على خلقه واعتقدت به ( ع ) ، أجل ... إن الاستغراب الذي غمر قلب هذا الرجل من جهة صغر السن كان جوابه في هاتين الآيتين المباركتين واضحاً مستبيناً . وكان الإمام الجواد (ع) رابضاً بالمدينة وهو الفتى الحديث في السن ، المقدر عند الله والخلق ، قد أعطت الشيعة ـ وهي يومذاك كثرة لا يستهان بها ـ أزّمتها بيده فنهض بتدبيرها خير نهوض ، حتى التفت حوله طائفة من أصحاب أبيه وجده .
****في المدينة :.. بقي في المدينة المنورة بعد عهد إمامته زهاء ثمانية أعوام ، يحترمه الخاص والعام ويأوي إليه البعيد والقريب ، يسألونه عما أغمض وأشكل عليهم فيحل ذلك لهم في أسرع وقت . يقول بعض الرواة : لما مات أبو الحسن الرضا (ع) حججنا فدخلنا على أبي جعفر وقد حضر من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر (ع) فدخل عمه عبد الله بن موسى وكان شيخاً كبيراً نبيلاً ، عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة . فجلس وخرج أبو جعفر (ع) من الحجرة وعليه قميص وازار ونعل خوص بيضاء ، فقام عبد الله ـ عمه ـ واستقبله وقبَّل بين عينيه وقامت الشيعة ، وقعد أبو جعفر (ع) على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض تحيراً لصغر سنه .فانتدب رجل من القوم فقال لعمه : أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة . فقال تقطع يمينه ويقام عليه الحد ... فغضب أبو جعفر (ع) وقال : يا عم إتق الله ـ إتق الله ـ إنه لعظيم أن أفتيت يوم القيامة بين يدي الله عز وجل لما أفنيت الناس بما لا تعلم ، فقال له عمه : يا سيدي أليس قال هذا أبوك (ع) ؟
فقال أبو جعفر (ع) : إنما سُئِل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ، فقال أبي : تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا ، فإن حرمة الميِّتة كحرمة الحية فقال : صدقت يا سيدي أنا أستغفر الله ، فتعجب الناس فقالوا له : يا سيدنا أتأذن أن نسألك ؟
فقـال : " نعم ، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها وله تسع سنين.. وهذه القصة تبين مدى أهمية الإمام في عين الشيعة ثم غزارة علمه وطول باعه وسعة ثقافته التي نبعث عن قلب نفخ فيه الله علمه ومعرفته وأكثر فيه تقواه وخشيته . وهناك قضية حدثت في موسم الحج في قافلة إيرانية , كان شاب يطلب شخصا ثارا ولم يستطع قتله الى ان ذهب للحج , وفي منى مات ولم يتمكن ان يثار لابيه , فجاء بسكين وذبح الميت .ولم يتمكن احد ان يجيب على هذه المسالة .. فقال الامام تاخذون منه 100 دينار ذهبا وتطلقونه لان المذبوح ليس فيه روح , فيعامل معاملة الجنين الكامل في بطن امه ...
**** في بغداد :... وحينما انتقل المأمون العباسي إلى بغداد ، وكان يعيش في صراع دائم مع العباسيين الذين استنكروا عليه إعطائه ولاية العهد للرضا (ع) ، مذكرين له أن هؤلاء بني فاطمة هم المناوئون الذين يخشى جانبهم أكثر من أي مناوئ آخر لأن لهم أنصاراً وموالين في شرق البلاد وغربها . كان المأمون يبرر موقفه من علي بن موسى بنقل فضائله التي عجزت شفاه المأمون وغيره عن أن تحصيها عداً قائلاً : بأن أهل هذا البيت قد ورثوا العلم من آبائهم كما ورثوا المكارم والخلق الرفيع .
وكانت الشيعة يومئذ قد قويت شوكتهم بالإمام الرضا وأصبح لهم دعاة مخلصون في كل زاوية من البلاد الإسلامية ومالت إليهم العامة لما ظهر من الإمام الرضا (ع) في المسرح السياسي من آيات الفضل والكمال .
ثم إنه ذهبت دعوتهم إلى إمامة بني فاطمة تنتشر أكثر من أي يوم آخر ، لأن كثيراً منهم نالوا المناصب الرفيعة في الدولة وقاموا بحركات إيجابية دائمة بسبب الإختلاف الذي وقع بين العباسيين .. وعرفت السلطة طوائف كثيرة من العباسيين أنفسهم كانوا يكيدون للدولة ويريدون لأنفسهم السلطان فاضطرت إلى استخدام مناوئ هؤلاء ، من الشيعة .هذا من جانب ومن جانب آخر كانت موجة من الاستياء العام تمثل العامة بسبب قتل المأمون للرضا (ع) . وتغطية لغدره بالرضا (ع) واحتجاجاً على الخاصة من العباسيين .. واستمالة لفؤاد العامة من غيرهم ، أرسل المأمون إلى المدينة يطلب الإمام الجواد (ع) في دعوة رسمية . .
كان ذلك في السنة ( 211 ) هجرية حيث كان لأبي جعفر الجواد من العمر زهاء ( 16) سنة فقط .ومما يبدو من التاريخ : أن وفود الإمام (ع) كان حافلاً بالاحتفاء الملوكي ... الذي هيأه الخليفة لمقدمه المبارك . وكان الناس يبشرون أنفسهم بابن الرضا (ع) الذي طالما تشوقوا إلى رؤيته والمثول عندهم.. استقبله المأمون استقبالاً حافلاً ، ونوى أن يزوجه ابنته أم الفضل ، كما زوج أباه الرضا (ع) ابنته أم حبيب . فاعترضه العباسيون اعتراضاً شديداً ، خوفاً من انتقال الخلافة إلى بني فاطمة .
فاجتمع من أهل بيته الأدنون وقالوا له : نناشدك الله يا أمير المؤمنين ألا تقدم على هذا الأمر الذي عزمت من تزويج ابن الرضا (ع) ، فإنّا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكنا الله عزَّ وجلَّ ، وينزع منا عزّاً قد ألبسناه الله ، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً ، وقد كنا في خشية من عملك مع الرضا (ع) ، فكفانا الله المهم في ذلك ، فالله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا .
فقال لهم المامون : أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم ، واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم ، وأعوذ بالله من ذلك ، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا (ع) .. ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى وكان أمر الله قدراً مقدوراً !!
وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتفوِّقه على أهل الفضل كافة في العلم والثقافة مع صغر سنه . وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فتعلمون أن الرأي ما رأيت فيه . فقالوا : إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه ، فأمهله ليتأدَّب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك .
**** الرجوع المدينة من جديد :. رجع الى المدينة من جديد ولكنه عرج لزيارة الكوفة ، ليجتمع مع شيعته ومحبوه فلما دخل الكوفة اجتمع إليه الشيعة ، فاستقبلوه استقبالاً حافلاً ، ثم ودعهم إلى مدينة جده ، حيث بقي فيها سائر أيام حياته يواصل أداء مسؤولياته الدينية منها إنشاء مدرسة فكرية جامعة حتى وفاة المأمون العباسي . وبعد موت المأمون .. أوصى المأمون إلى أخيه المعتصم العباسي ولبى دعوة ربه فمات في قرية من نواحي طرسوس ، التي كانت من الحدود الفاصلة بين البلاد الإسلامية وبلاد الروم وكانت قد اشتعلت فيها مناوشات وقد سار إليها الخليفة بنفسه حتى ظفر المسلمون .
خرج بجيش ضخم وامر ان يقام له عريش قرب حوض ماء كبير, وجلس على فراشه ينظر الى جيشه الممتد على السفوح والوديان فجاءت سمكة قريبا منه وحركت ذيلها القت عليه ماء .. فارتجف بدنه وارتفعت حرارته , حاول الاطباء علاجه ولكنه يزيد سوءا .. فعرف بدنو منيته .. قال احملة سريري لارى الجيش .. طال النظر نحو جيشه الكبير ودمعت عيناه .. ورمق السماء .. قال : يا من لا يزول ملكه وحكمه .. ارحم من زال ملكه وحكمه .. ثم سكت فحركوه فاذا هو ميت ...في رجب سنة 218 هـ توفي المأمون العباسي ودفن في ضاحية طرسوس ، فأخذ المعتصم أزمّة الحكم ، وراح يثبت حكمه بكل قدر مستطاع ..
ففكر في أن الإمام الجواد وهو صهر الخليفة الراحل وسيد الشيعة وهم قوة جبارة في الأمة ، قد يشكل خطراً علـى الدولة فأشخصه من المدينة إلى بغداد ، لا لشيء إلاّ لكي يكون الإمام تحت مراقبته الشخصية ، ونزح الإمام للمرة الثانية إلى بغداد ، وبقي فيها مبتعداً عن البلاط الملكي مشتغلاً بالشؤون العامة وذلك في سنة 220 هـ و 29 ذي القعدة الحرام من نفس السنة ) حيث وافته المنية بسم دس إليه من قبل السلطة بإشارة من الخليفة المعتصم باللـه ...
قصة ذلك حسب ما رواها المؤلف القدير العياشي عن خادم ابن أبي داود وصاحب سره ( ونان ) ، وابن أبي داود هذا كان قاضياً شهيراً في بغداد قال : رجع ابن أبي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغموم فقلت له فيما ذاك ، قال : لِما كان اليوم من هذا الأسود " أي أبي جعفر الجواد (ع) " بين يدي أمير المؤمنين ، قال قلت وكيف ذاك ؟ قال : إن سارقاً أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره فجمع في ذلك الفقهاء وقد أحضر محمد بن علي (ع) فسألنا عن القطع في أي موضع ؟ فقلت من الكرسوع ( أي المفصل بين الكف والذراع ) ، قال : وما الحجة في ذلك ؟ قلت : لأن اليد من الأصابع إلى الكرسوع لقوله تعالى في التيمم ﴿ (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ... ﴾ 22 .
واتفق معي على ذلك جماعة ، وقال آخرون بل يجب القطع من المرفق لأن الله تعالى يقول في الوضوء( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ... ﴾ 22 فدلّ على أن اليد من المرفق ، فالتفت المعتصم إلى محمد بن علي (ع) وقال : ما تقول أنت يا أبا جعفر (ع) فقال (ع) : قد تكلم فيه القوم يا أمير المؤمنين ، قال : دعني عما تكلموا به ، أي شيء عندك ؟ قال : اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين ، قال : أقسمت عليك باللـه تعالى لما أخبرت بما عندك فيه ؟ فقال : أما إذا أقسمت علي بالله فإني أقول أنهم اخطأوا في السنَّة ، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف ، فقال : فما الحجة في ذلك ؟
قال : قول رسول الله (ص) السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقد قال الله عزّ وجلّ : ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ) يعني بهذه الاعظاء السبعة التي يسجد عليها وما كان لله لم يقطع . قال : فأعجب المعتصم بذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف .
( قال ابن أبي داود ) فقامت قيامتي وتمنيت أني لم أكُ حيّاً ، ( قال ) : ثم صرت إلى المعتصم بعد ثلاث وقلت : إن نصيحة أمير المؤمنين واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أني أدخل النار به ، قال وما هو ؟ قلت إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر وقع من أمور الدين وسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم ، وقد حضر مجلسه قوّاده ووزراؤه وكتّابه ، وقد تسامع الناس ذلك من وراء بابه ، ثم يترك أقاويلهم كلهم ، لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته ، ويدّعون أنه أولى منه بمقامه ، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء !! ( قال ) فتغير لونه وتَنبه لما نبهته له ، قال : جزاك اللـه عن نصيحتك خيراً . قال : فأمر في اليوم الرابع فلاناً ـ بالطبع ، ذكر اسماً حذفه بعض المؤلفين أو الرواة ـ من كتَّاب وزرائه ، أن يدعو الجواد (ع) إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه وقال : لقد علمت أني لا أحضر مجالسكم ، فقال : إنما أدعوك الى الطعام وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك ، ....فصار إليه ( ودسَّ إليه السم في الطعام ) فلما طعم (ع) أحس بالسم ، فدعى بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم ، فقال: خروجي من منزلك خير لك فلم يزل يومه ذاك وليلته يجود بنفسه والسمَّ يسري في بدنه حتى قبض (ع) .
وضجت بغداد بوفاة ابن الرضا (ع) وذهبت الشكوك تحوم حول البلاط وكادت تتفجر ثورة عارمة على الحكم الجائر ، وصلى عليه ابن المعتصم وولي عهده الواثق بالله كما صلى عليه نجله الكريم الإمام علي بن محمد النقي (ع) ودفن في مرقده في الكاظمية حيث لا يزال يُقصد ويُزار ، فعلى محمد بن علي الجواد (ع) التحية والسلام .وجاء في بعض الأحاديث عن وفاته (ع) أن المعتصم دعى بعض وزرائه وأمرهم بأن يشهدوا على محمد بن علي الجواد (ع) بأنه قد أراد أن يخرج عليه بثورة يفجرها مع تابعيه من الشيعة الإمامية ذلك لكي يسهل عليه أن يلقي به في السجن أو يقتله قتلاً .
فلما أحضر الإمام التفت المعتصم إليه قائلاً : انك اردت أن تخرج عليّ ، فقال الإمام : والله ما فعلت شيئاً من ذلك ، قال : إن فلاناً وفلاناً شهدوا عليك ، فأحضروا فقالوا : نعم هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك قال : وكان جالساً في ( قاعة في مقدم الدار ) فرفع أبو جعفر يده وقال : اللهم إن كانوا كذبوا عليً فخذهم .
**** لماذا صاهر الإمام الخليفة ؟
ونتساءل لماذا أقدم الإمام الجواد (ع) على الزواج من بنت المأمون العباسي ؟ ولكي نعرف الإجابة عن مثل هذا السؤال لابدّ أن نلقي نظرة على الحركة الرسالية التي كان الأئمة (ع) يقودونها ويوسعونها ، في عصر الإمام الرضا ونجله الإمام الجواد (ع) .
في عهد المأمون تحوَّلت الحركة الرسالية إلى حركة تستطيع أن تتداخل مع النظام وتستفيد من مظلته أو حتى تكوّن ما يسمى اليوم بحكومة ائتلافية ، مع أي دولة من الدول ، والأئمة (ع) كانوا يقبلون بالحماية من قبل الدولة بدون أن يفقدوا رسالتهم . والأئمة المعصومون (ع) لم يحلوا حركتهم ، أي أنهم لم يقبلوا بالخلافة ولم يشتركوا فيها ، والدليل على ذلك موقف الإمام الرضا من ولاية العهد حيث قبلها بشرط عدم التدخل في شؤون النظام . أما الإمام الجواد (ع) فحينما خطب أبنة المأمون وتزوجها ، أصبح صهر الخليفة واستفاد من ذلك لأجل رسالته فماذا يعني أن يصبح شخص صهراً للخليفة ؟
إن من يدخل البلاط يمكن أن يصير والياً على منطقة ، أو حاكماً على بلد ، أو قاضي القضاة لا أقل ، ولكن الإمام الجواد لم يفعل شيئا من ذلك ، بل أخذ بيد زوجته وذهب إلى المدينة وبقي هناك حتى مات المأمون العباسي . فماذا كسب الإمام (ع) من هذه المصاهرة ؟ كسب الإمام الجواد (ع) بهذا العمل أمرين :
أولاً : منع المأمون من أن يقوم بعملية اغتياله ، وذلك بقبوله الزواج من ابنته .
ثانياً : جعل مخالب السلطة وانيابها في قفص الحركة الرسالية ، وذلك أن المأمون ما كان ليجرؤ بعد ذلك على أن يقوم بالفتك برجالات الحركة ومجموعاتها . ولقد كان هذا الأسلوب متبعاً في كثير من عصور الأئمة (ع) ، وخير شاهد على ذلك قصة علي بن يقطين بن موسى البغدادي الذي كان بمثابة مستشار للخليفة المهدي العباسي ، ثم صار في رتبة الوزير لهارون الرشيد ، وعندما حصل على هذا المنصب وكان اتجاهه رسالياً ، جاء إلى الإمام الصادق (ع) وقال : " يا ابن رسول الله أنا صرت عوناً لهذا الطاغية " وأراد أن يستقيل ، ومعروف أن الذي يحصل على هذا المركز ذلك اليوم يسيطر على مرافق أكبر دولة في العالم .
**** والإمام الجواد (ع) عاصر خليفة من الخلفاء الذين أثَّروا تأثيراً مباشراً على زوال الدولة العباسية ، وهو المعتصم العباسي . المعتصم العباسي كان ابن أمة تركية ، فمال إلى أخواله فكان يحب جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم ، فاجتمع له منهم أربعة آلاف ، وألبسهم أنواع الديباج والحلي المذهبة وأبانهم عن سائر الجنود ثم وسمهم رتباً قيادية في الجيش حتى أنه ثارت ثائرة العسكريين العرب في الجيش ،و حاول "عجيف " أن يقلب الحكم على المعتصم ولكن هذه المحاولة أخفقت وقتله المعتصم .والأتراك حينما جاؤوا إلى البلاد الإسلامية أخذوا شيئاً فشيئاً يسيطرون على الحكم ويجردون الخلفاء من سلطتهم الحقيقية ، وأخذوا يحدثون الانقلابات العسكرية ( كما نسميها الآن )
https://telegram.me/buratha