عبد الكاظم حسن الجابري
المهام الجِسام تحتاج إلى رجال ذوي بأس ليحملوها, يمتلكون المؤهلات القيادية, ويتحلون بالصبر والاستقامة والاخلاص للقضية, لكي يؤدوها على أتم وجهها.
مسلم بن عقيل عليه السلام كان النموذج الكامل, المؤهل لحمل سفارة المعصوم عليه السلام, وتحمل قيادة الأمة وتهيئتها, لتكون على استعداد لاستقبال قائدها الهمام, الذي لطالما راسلوه وبعثوا إليه الكتب ليقدم عليهم قائلين “اقدم علينا يبن فاطمة ستجدنا جند لك مجندة”.
الظلم الذي عاناه المجتمع الإسلامي عموما, ومجتمع الكوفة خصوصا, دعاهم ليستنصروا بالخليفة الشرعي للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله, وسبطه والمؤتمن على رسالته, وبعد تواتر وتوالي كتب أهل الكوفة وتكاثرها, قرر الإمام الحسين عليه السلام –والحال الظاهري هكذا من الولاء- أن يقدم على الكوفة لإعلان الثورة ضد الطغيان الأموي الحاكم, وليستحكم الأمر ويتأكد الإمام عليه السلام من نوايا القوم, فقد أوكل مهمة الاطلاع على الأوضاع الى ابن عمه وثقته مسلم عليه السلام, ليذهب الى الكوفة ويستقصي الأمر, وقد كتب الإمام الحسين عليه السلام رسالة إلى أهل الكوفة قائلا “بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين, أما بعد فإنَّ هانئاً وسعيداً قَدِما عليَّ بكتبكم, وكانا آخر من قَدِمَ من رسلكم, وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جُلِّكم, إنه ليس علينا إمام, فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق, وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي…..”
ومن علمنا بأن الامام المعصوم عليه السلام لا ينطق عن الهوى, وأنه لا يجامل أو يداهن, فإننا نعلم إن اختياره لمسلم ابن عقيل عليه السلام إنما هو لملكات كبيرة ومزايا عظيمة يحملها مسلم.
لقد كان مسلم بن عقيل عليه السلام, انسانا صالحا, ومؤمنا عابدا, وقائدا فاهما, خًبًرَ الإدارة والسياسة, وكيف لا يكون كذلك؟! وهو سليل بيت منهم نبي الله صلى الله عليه, والأئمة المعصومين, وأباءه عليهم السلام هم سادات العرب ومشايخهم وشجعناهم, فجده أبو طالب عليه السلام كان سيد البطحاء, وأبيه عقيل كان صلبا في ذات الله, ولطالما مرغ أنف معاوية بن أبي سفيان في بلاطه وأمام حاشيته في الشام, من خلال تبيان مساوئه ومثالبه.
وصل ابن عقيل عليه السلام إلى الكوفة, وجمع الناس وهيأهم لنصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله, واجتمع له على ما تنقل كتب التاريخ والسير ما يقرب الثمانية عشر ألف مقاتل.
سار مسلم بن عقيل عليه السلام بالنهج الديني القويم, فلم يغدر ولم يفتك, ولم يتجبر, وحتى مع أعداءه كان يلتزم النهج الشرعي, لذا فهو لم يقم بقتل اللعين عبيد الله بن زياد في بيت هانئ, لأن الإسلام حرم الغدر والحيلة, كما ورد في الأثر “الإسلام قيد الفتك”.
بعد أن استوثق مسلم عليه السلام من نوايا القوم –ولو ظاهريا- كتب إلى الإمام الحسين عليه السلام بالقدوم, لكن أحداث دراماتيكية حدثت بعد ذلك قلبت الأمور رأسا على عقب, فنكث القوم بيعتهم, وتركوا مسلما لوحده في غربة وعناء, لم يقف معه من القوم إلا المخلصة المؤمنة طوعة رضي الله عنها والتي آوته وسقته وأطعمته.
بعث ابن زياد العيون للبحث عن مسلم عليه السلام, وبعد ان عثروا على مكان تواجده في بيت طوعه, تجهزت الجيوش لاعتقال مسلم عليه السلام, إلا أنه لم يسلم نفسه, فتجهز لملاقاة تلك الجموع غير آبه بعددهم وعدتهم, وأخذ يجندل الأبطال, ويكسر الكتائب, فبعث ابن الأشعث لابن زياد يطلب المدد, فاستغرب ابن زياد لعنه الله ورد قائلا “اني ارسلتك لرجل واحد” فرد ابن الاشعث قائلا : “أ تحسب أنك ارسلتني إلى دهقان من دهاقنة الكوفة, لقد ارسلتني إلى بطل من أبطال العرب” لم تصمد الجيوش أمام بسالة وإقدام مسلم عليه السلام, فعمدوا إلى الحيلة والغدر, وهذه شيمتهم, فحفروا حفيرة في الأرض وغطوها, ولما مر مسلم عليه السلام عليها سقط فيها, وأجهز عليه القوم طعنا بالرماح, ورميا بالنبال, وضربا بالحجارة, حتى إذا خارت قواه أوثقوه وبعثوا به لابن زيد لعنه الله.
أمر بن زياد بقطع رأس مسلم عليه السلام, وأن يرمى جسمه من أعلى قصر الإمارة, وأن يمثل بجثته, وأن تُسحل بالحبال في أسواق الكوفة, وما هذه الأوامر من ابن زياد إلا دليل على بعد هذا النكرة عن قيم الإسلام الأصيلة, وعن القيم الإنسانية, وتعكس الهوة الأخلاقية بين مسلم الذي رفض الفتك بن زياد غدرا, وبن ابن زياد الذي يقطع الرؤوس ويمثل بالجثث.
استشهد مسلم في الثامن من ذي الحجة, وفي رواية في التاسع من ذي الحجة, أي يوم عرفه, ورميت جثته من أعلى القصر, وسحلت في الأسواق بالحبال, وراح شهيدا حميدا ناصحا لله ولرسوله, مؤديا الأمانة التي كلفها به الإمام الحسين عليه السلام فكان نعم السفير الناصح.
فسلام عليك يبن عقيل, يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا, ولعن الله قاتليك وخاذليك والراضين بقتلك والشاكين بأمرك.
https://telegram.me/buratha