أمل الياسري
مسيرة عشق حسيني، لأكبر حشد مدني، وتجمع سلمي، لبقاء وخلود قضية مقدسة، أُرُخت أحداثها منذ بدء الخليقة، في سِفر حافل بالعطاء والإبداع، ليعلن بداية الصراع الرهيب، بين الحق والباطل، والفساد والإصلاح، وما يقال عنها ملحمة زاخرة، بالشيفرات المستقبلية العميقة، عن أنصار الفضيلة والعقيدة، والغلبة لمعسكر الإمام الحسين (عليه السلام)، أما أزلام الرذيلة والفسق والفجور، في معسكر يزيد الطاغية، فأنهم مبشرون بالموت، وكأنهم أشباح رايات قاتمة، على تابوت أسود، يساقون لمقبرة نائية، وسيصلون فيها ناراً لظى!
يكره الحياة، هائم بين خراب الدنيا، وعمران الآخرة، لم تتشتت طاقاته الإيمانية الهائلة، في الثبات والصبر، فرحاً بكرامة الشهادة، ولم يستطع الأعداء إبتكار شيء، أكثر وجعاً، وألماً، وحرقة، أكثر من مصرع أحمر، لحز الرأس المقدس، للإمام الحسين (عليه السلام)، أمام العقيلة المخدرة، المدهوشة من جرأة المجرمين، والسماح للخيول الأعوجية، بتكسير الصدر السليب، ولكن العزاء الزينبي، كان يقول: هون عليّ أن ما نزل بعين الله، فتقبل هذا القربان، وسيعلم الذين ظلموا آل محمد، أي منقلب ينقلبون!
أقدام وتراب كلاهما مقدسان، وزائرون ينشدون معلقة، يستحق تدوينها على أستار الكعبة، تميز القضية عن غيرها، لتقدم إنجازاتها الغنية، في زمن أربعيني باعث للسعادة، يزحفون نحو كعبة الأحرار، حيث حكايات الدماء والدموع، لتصرخ الأجساد: إننا مَنْ نكتب التأريخ، لا أنتم أيها الأوغاد المارقون، ليصف لنا العدد الأربعين، عظمة مسيرة ولدت من رحم الإباء، وتفرز قراراً يقول: الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة، وبعدها يمتلك حياة لا نهاية لها أبداً!
ما الذي دفع بملايين السائرين الى الزحف، وإطلاق النداء المدوي بالمظلومية؟ والسر في الجواب، إنها قوة المبدأ، والعقيدة، والموقف، التي لا ولن تسمح لمرتزقة يزيد عليهم اللعنة، بمحو المسيرة الخالدة، حيث أذهلت العالم في إكرامها للسائرين، كرامة للحسين، وتكريمها لزائري قبة الحسين، وكرمها غير المحدود، من أجل ديمومة سفرة الحسين، وبعد كل شيء، يكتبون لوحتهم المليونية، دون دعاية أو ترويج، فالثأر، والحزن، والحرية، تطرزها الأقدام الزاحفة، والعيون الباكية، والضمائر الحرى، والصدور العبرى، لتدون ملحمة الأربعين!
زحف مليوني صانع للأمن والأمان، رغم تهديدات الخوارج والتكفيرين، لكن خارطة الحياة تتغير في الأربعين، فعندما يعلق أحد الزوار، على كرم المواكب الحسينية، ندرك أن هذا الوصف قليل جداً، لأسطورة بحجم كربلاء، لأن الأمر الذي يتجدد دائماً في المسيرة، هو ولادة الأحرار، وتدفق الإصرار، وإعلان الإنتصار، وهمة الإستمرار، ومغادرة الدنيا لطلب الثأر، عبر قارة تلبس السواد، لتنهض الجبال بأوتادها، والمياه بقطراتها، وتصنع خيمة تجمع محبي الإمام الحسين (عليه السلام)، تحت نداء واحد: لبيك يا حسين!
https://telegram.me/buratha