أرسى العباس بن الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام صرح البطولة والتضحية والفداء والاباء بكل ما لهذه الكلمات من معان عندما قدم الغالي والنفيس وجسد مقطع الأوصال بين يدي أخيه الأمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء فداءاً لاعلاء كلمة الله عزوجل وترسيخ الحق والحقيقة وابقاء رايتها ترفرف عالية في ربوع المعمورة .
أضحت مدرسة العباس بن علي (ع) والذي يصادف اليوم الرابع من شعبان المعظم ذكرى ميلاده المبارك، منهاجاً وضاءاً ومشعلاً منيراً وقدوة للأحرار والمضحين والمقاومين والمنتفضين في وجه الطغاة والظالمين والفراعنة وكبح جماحهم ومطامعهم وإجرامهم طيلة القرون الماضية وستبقى شوكة في عيونهم مادامت الدنيا قائمة، وهو ما شهدناه ونشهده على الدوام في الانتصارات التي يحققها محور المقاومة على جبهة الاستكبار الملحد والإرهاب التكفيري الوهابي البشع في منطقتنا.
لا بد لنا أن نستذكر كيف أتخذ المقاومين الأباة والمضحين الأوفياء طوال التاريخ من إحياء ذكرى هذه المدرسة الوضاءة والمشرقة منهاجاً في طريق كفاحهم الطويل والمرير مع الطغاة والفراعنة والديكتاتوريين هنا وهناك وقدموا الغالي والنفيس من أجل حرية الانسان ورفض إستعباده وإستحماره، كما قال معمار الثورة الاسلامية المباركة ومؤسسها الامام الخميني /قدس سره/: "إن المغزى من أوامر أئمة أهل البيت عليهم السلام في إحياء هذه الشعائر التاريخية الاسلامية وكل اللعن على أعداء وظالمي أهل البيت يتجسد في هتاف الشعوب ضد الحكام الظالمين على مر التاريخ والى الأبد"( صحيفة نور ج 10 ص 31) .
كان أول مولود زكي للسيدة أم البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العباس (عليه السلام)، وقد أزدهرت يثرب، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الاَسرة العلوية، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره، وأضاف الى الهاشميين مجداً خالداً وذكراً نديّاً عاطراً.. وحينما بُشِّر أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا المولود المبارك سارع الى الدار فتناوله، وأوسعه تقبيلاً ، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعية فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، لقد كان أوّل صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الاِيمان والتقوى في الاَرض ، وأنشودة ذلك الصوت...« الله أكبر... »...« لا إله إلاّ الله »( المحقق الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه بطل العلقمي).
العباس عليه السلام كان مناراً للبطولة والتضحية والفداء وقدوة النصر والولاء ومعجزة الامام علي عليه السلام لنصرة وإثبات الحق الحسيني الالهي ، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل وكان ذا قوة روحية هائلة، وطبيعة بنائه الجسدي تخدم قوته المعنوية والروحية.. فأمتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والايمان الحسيني، والأخوة الصادقة، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة .. وهو أبن خير القوم وأولهم ايماناً وسيد الوصيين وأشجعهم يقيناً وبصيرة وقوة وأفداهم بنفسه عن رسول الله (ص) أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام.
من هذا المنطلق لا زلنا نشاهد كيف يقدم الشباب المسلم الثائر في اليمن والبحرين واقتداءاً بنهج مدرسة التضحية والفداء والإباء، تلك الأجساد العارية أمام رصاص الطغاة الطائفيين والمحتلين الوهابيين التكفيريين ولن يأبهوا لذلك ولن يرتابوا أو يسمحوا للخوف من الاقتراب منهم، بل العكس حيث يسمع العالم صراخ إستغاثة المعتدي والمجرم السعودي في اليمن، والخليفي في البحرين لإنقاذهما من ورطة سياسة البطش والتمييز الطائفي والعرقي، فيما شباب البحرين واليمن المؤمنين يستقبلون الموت بصدور رحبة ووجوه ضاحكة مبتسمة كما فعلها ويفعلها شباب المقاومة الغيارى والمدافعين عن المراقد المقدسة إقتداءً بسيدهم ومرادهم ومولاهم العباس بن علي (ع) وكما قال في وصفه ذلك الشاعر:-
عبــست وجـوه القوم خوف الموت*****والعـــبّاس فــــيهم ضــاحك متبسّم
فما أروع الشموخ والسمو والعظمة إذا کانت من صنع الإيمان بالله سبحانه وتعالى وصاغتها عقيدة السماء ونهج الأنبياء والأوصياء والأئمة المعصومين الهداة وأهل بيتهم الأباة عليهم السلام أجمعين لتبقى شامخة مرفوعة الرأس يشهدها التأريخ ويستشهد بها .
https://telegram.me/buratha