يعيش العالم الاسلامي هذه الأيام مرارة الذكرى السنوية السادسة والتسعين للنكبة الاسلامية الكبيرة التي تتمثل في الاعتداء على مقدسات أولياء الله بهدم أضرحة أئمة أهل البيت عليهم السلام المقدسة والطاهرة التي أرتكبتها عصابات التكفير الوهابية والسلفية بدعم من سلطات آل سعود المجرمة ب"البقيع الغرقد" في المدينة المنورة، وكذلك قبور العظماء من صحابة الرسول (ص) والتابعين وهي تستغيث وتستصرخ الضمير الانساني وأدعياء حقوق الانسان والحفاظ على التراث وحرية الرأي والتعبير ومنظمة التعاون الاسلامي الى انقاذها من براثن سطوة آل سعود الحاقدين وفرقتهم الوهابية الارهابية المنحرفة التقتيلية التكفيرية التي يعيثون من خلالها الفساد في الارض .
البقيع الغرقد يمثل جانباً من مظلومية العترة الطاهرة لخاتم المرسلين (ص) الذين أوصى بهم كثيراً {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} - الشورى: 23، ثم هي تجسد صرخة الدهر بوجه الظالمين؛ فلا عجب عندما تقف أمام تلك البقعة الطاهرة وتتأمل في موقعها الجغرافي لابد وأنك ستغوص في أعماق التاريخ لتتذكر وقائع المّت بأهل بيت النبوة والامامة سلام الله عليهم سيما الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ومظلوميتها وغصب حقها، ثم الامام الحسن المجتبى (ع) فعند ما تذكره فلا شك ستتراءى لك واقعة الدفن وما صاحبها من أحداث، ثم ينتقل ذهنك تلقائياً وأنت تقف أمام ضريح الامام السجاد زين العابدين (ع) الى واقعة الطف الأليمة وما دار على الامام الحسين سيد الشهداء (ع) وأهل بيته وأصحابه الميامين في عاشوراء 61، وكأن البقيع يناشدكَ بها ويستفهمك عنها كون أن حلقاتها متواصلة ليس مع الامام زين العابدين لوحده بل مع الامام محمد الباقر وكذا مع الامام الصادق عليهم السلام أجمعين.. إذن فبقيع الغرقد هو التأريخ الناطق والمرآة الناصعة للتاريخ الاسلامي وتدّرج حقيقي للحضارة الاسلامية التي لا تنتابها الفرقة الوهابية الضالة وآل سعود المنافقين المنحرفين.
البقيع مقبرة مقدسة وأرض مشرفة، قطعة من الجنة تقع الى جوار المسجد النبوي الشريف ومرقد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، تضم مراقد الأئمة الأربعة المعصومين من أهل بيت النبوّة والرسالة (عليهم السلام)، وهم الامام الحسن المجتبى أبن أمير المؤمنين (ع)، والامام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، والامام محمد بن علي الباقر (ع)، والامام جعفر بن محمد الصادق (ع), وكذلك مراقد كل من: ابراهيم بن رسول الله (ص) وسيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء بنت الرسول الأعظم (ص) سيدة نساء العالمين (برواية), وبعض زوجات الرسول (ص) من امهات المؤمنين وكذلك عمه العباس بن عبد المطلب (س) وعماته , وكذلك اسماعيل بن الامام جعفر الصادق (ع), ووالدة الامام علي أمير المؤمنين (ع) سيدتنا فاطمة بنت أسد (س) وكذلك زوجة الامام علي (ع) سيدتنا أم البنين (س) , ومرضعة النبي (ع) السيدة حليمة السعدية , وجمع من الصحابة وعلى رأسهم الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الانصاري (رض) الى جانب الشهداء والصحابة والتابعين المنتجبين للرسول محمد (ص).
لقد كانت لهذه القبور قباب أضرحة وبناء, وكان لها صحن وحرم، وغيرها من المعالم التي تدل على قدسية أصحابها، فكانت عظيمة في أعين الناس، شامخة في قلوب المسلمين، محفوظة حرمتها وكرامتها، وقد كان الناس يتوافدون على هذه البقعة المقدسة لزيارة المدفونين فيها، عملاً بالسنة الاسلامية من استحباب زيارة القبور وخاصة قبور ذرية رسول الله (ص) وأولياء الله تعالى .
وبتحريك من الاستعمار البريطاني الخبيث وبتأثير من بعض الأفكار المنحرفة والمبادئ الباطلة التي لا تمت للاسلام المحمدي الأصيل بصلة، عمدت زمرة الوهابية هذه الفرقة الضآلة المضللة المنحرفة التكفيرية الاجرامية الدموية والتي تأسست بأمر الاستعمار البريطاني في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة الموافق القرن الثامن عشر الميلادي بابتداعها على يد محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792) ومحمد بن سعود حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية، عمدت وفي الثامن من شوال عام 1344هجري قمري ـ الموافق لـ25 نيسان / إبريل عام 1925ميلادي، عمدت الى هدم هذه القبور كليّاً وتسويتها بالأرض حقداً منهم على آل الرسول (ص) واصحابه المنتجبين الميامين الذين يرقدون في تلك البقعة الطاهرة .. حيث حولوا "بقيع الغرقد" الى تراب ومدر وأحجار بعدما كان مفروشاً بالرخام ونهبوا كل ما كان فيه من فرش غالية وهدايا عالية، وسرقوا المجوهرات واللآلئ التي كانت داخل أضرحة أهل البيت عليهم السلام.
قبل ذلك أيضاً تعرضت هذه المقبرة الطاهرة لهدم جزئي على يد آل سعود وفرقتهم الوهابية التكفيرية الضالة عام 1220 هـ.ق، وبعد أن سقطت دويلتهم اللقيطة على يد العثمانيين أعاد المسلمون بناء "البقيع الغرقد"على أحسن هيئة من تبرعات المسلمين، فبنيت القبب والمساجد بشكل فني رائع حيث عادت هذه القبور المقدسة محط رحال المؤمنين بعد أن ولى خط الوهابيين لحين من الوقت.
أنصب الحقد الوهابي في كل مكان سيطروا عليه، على هدم قبور الصحابة وخيرة التابعين وأهل بيت النبي (ص) الذين طهرهم الله عزوجل من الرجس تطهيرا.. وكانت المدينتان المقدستان (مكة المكرمة والمدينة المنورة) ولكثرة ما بهما من آثار دينية، من أكثر المدن تعرضا لهذه المحنة العصيبة والمأساة النازفة ، التي أدمت قلوب المسلمين وقطعتهم عن تراثهم وماضيهم التليد.
العملية الاجرامية الدنيئة في هدم قبور أئمة الهداية الربانية والصحابة تتناقض مع كل القيم؛ فهي تحمل طابع التناقض مع ذاتها أولاً، وكذلك مع القيم الدينية ثانياً، ومع الحالة الحضارية ثالثاً، ومع واقع الأمّة الاسلامية وتاريخها رابعاً؛ خاصة وإن التناقض في جريمة هدم مراقد البقيع مع ذاتها هي انه إذا كان هدم القبور واجباً شرعياً، فلماذا هدمت بعضها دون بعضها الآخر؟ .
اما تناقضها مع القيم الدينية، فهو إن هذه البيوت التي هدموها هي من البيوت التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها أسمه، حيث قال عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي (من كبار علماء أهل السنة) في كتابه "الدر المنثور": عندما نزل قوله تعالى: "في بيوت أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوّ والآصال رجال لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله و...." – النور:36، قام رجل وقال: يا رسول الله ما هي هذه البيوت؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنها بيوت الأنبياء. فقام ابو بكر وأشار الى بيت على وفاطمة سلام الله عليهما وقال: هل هذه منها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم، من أفاضلها- رواه عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور، ج 6، ص 203؛ وأبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري في الكشف والبيان، ج 7، ص 107، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي؛ وعبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي في الجواهر الحسان في تفسير القرآن، ج 7، ص 107؛ والعلامة أبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 18، ص 174؛ وغيرهم من كبار رواة العامة والخاصة.
هم أحفاد الطلقاء وأبناء البغايا وذوات الرايات الحمر وفي مقدمتهم هند آكلة الأكباد كما وصفهم الكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة في مقاله "أبناء الزنى كيف صاروا أمراء للمسلمين"، يحملون في جيناتهم الحقد والكراهية والبغض والعداء للرسول وأهل بيته الميامين الاطهار عليهم السلام أجمعين لشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم، لم يتوانوا لحظة في إراقة دمائهم وأنتهاك مقدساتهم طيلة 1430 عاماً أي منذ لحظة السقيفة المشؤومة وحتى يومنا هذا يريقون دماء الأبرياء ويقتلون البشر ويدمرون الحجر وينتهكون المقدسات السماوية لكل الاديان الالهية، يرسمون من خلالها أعمالهم الإجرامية البشعة التي لا مثيل لها على وجه التاريخ، تعكس حقدهم ودناءتهم وقبحهم وبغضهم وكراهيتهم للمسلمين الحقيقيين والمؤمنين بالخالق المتعال خاصة من أتباع أهل بيت النبوة والامامة عليهم السلام؛ هو تجسيد لإنحرافهم عن القيم الانسانية والاسلامية التي يتشدقون بها والاسلام براء منهم جملة وتفصيلاً، عبدة الدرهم والدينار والسلطة والجبروت والظلم والطغيان مواصلين نهجهم المزيف بإنتهاكهم لأبسط القيم وإستهدافهم المقدسات التي لا ينجو منهم لا مرقد طاهر ولا مسجد عامر ولا مركز للعبادة في العراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية وأفغانستان و...، والمجتمع الدولي المتشدق بحقوق الانسان وحرية الأديان أصم وأعمى وأطرش بفعل بترودولار السعودية وأخواتها الآقزام .
تباً لأحفاد اليهـود بما جَنـوا لم يكسـبوا من ذاك إلاّ العارا
هتكوا حريـم محمّد فـي آله يا ويلهـم قد خالفـوا الجبارا
هَدَموا قبور الصالحين بحقدهم بُعداً لهم قد أغضبوا المختارا
* ليالي بيشاور ـ المجلس الثالث
https://telegram.me/buratha