محمّد صادق الهاشميّ ||
قال تعالى: {... وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ...} [الحجّ : 65].
حاصل التّساؤل في هذه الآية الكريمةِ: أنّ ما تفيده الآية الكريمة إمكان وقوع السّماء على سطح الأرض، إلّا أنّ الله يمسكها من أنْ تقع، بينما يفيدُ علمُ الفلكِ إستحالة ذلك، وعدم إمكان وقوع السّماء بما فيها من تلك الأجرام على الأرض؛ فهو أشبه بالقول: إنّ الفيل سيقع بكامله على النملة، ولو كانت الآية تعبّر بـ (القمر) بدل السماء وتقول: وَيُمْسِكُ القمرَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ لكان ذلك ممكناً.
وقد أجيبَ عن هذه الشّبهة بوجهين:
(الأوّل): بأنّ المقصودَ من كلمة ( السّماء ) في الآية الكريمة هو الغلاف الجويّ المحيطّ بالكرة الأرضيّة، وليس المراد الكواكب الواقعة في السماء، فيكون معنى الآية: وَيُمْسِكُ اللهُ بفضله هذا الغلافَ الجويّ من أنْ ينهار ويتلاشى من على وجه الأرض؛ لأنّ انهياره يسببُ كارثةً عظمى تؤدّي إلى فناء الكائنات على الأرض، وسقوطُ هذا الغلاف المختصّ بالأرض عليها وزواله من الوجود أمرٌ ممكنٌ، فالمولى جلّ وعلا متفضّلٌ بإبقائه، ولو شاء لرفعه، ورفعه أمرٌ ممكنٌ، فتفنى الأرض وما ومن عليها، لأنّ هذا الغلاف يزوّد الكرة الأرضية بالهواء اللّازم للتنفّس من أجل البقاء على قيد الحياة، حيثُ إنه يحتوي على العديد من المكوّنات الأساسية اللّازمة للحياة كالأوكسجين، والنيتروجين، وثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى غازات ومركّبات كيميائية أخرى تدخل في معظم أنشطة الإنسان سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وأيضاً فإنّ هذا الغلاف يسمح بمرور الأشعة الضوئيّة والحراريّة الصّادرة من الشّمس، بحيث تعمل الأرض على امتصاصها، ممّا يوفّر لها الحماية والدّفء. ويمنع من وصول الأشعة فوق البنفسجية الضارّة إلى سطح الأرض.
(الثّاني). أنّ المرادَ بالسّماء كلّ جهةٍ عاليةٍ، فالمرادُ بالآية أنّ الله يمنع بفضله كلّ الشهب الضارّة الآتية من جهة العالية من أنْ تقع على الأرض، ففي الآية تعبير مجازي قد أُطلق فيه المحلّ، وأريد به الحال، وهذا تعبير شائع في الأدب العربي، من أمثلته قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ}، فأطلق النجاة على القرية، ويريد بها مَنْ حلّ بها، فإنّ المرادَ من القريةِ أهلُها، والتّقدير: ونجّيناه من أهل القرية؛ بقرينة قوله: «تعملُ الخبائث»، فإنّ القرية بما هي لا تعمل الخبائث، بل الذي يعمل الخبائث هم أهلها.وهذا ما اصلح عليه الأصوليون بـ « قرينة الاقتضاء».
وفي مقامنا فإنّ السّماءَ هي محلٌّ لكلّ الأجرام السماوية، وتصدر من الكواكب التي فيها أحجارٌ كبيرةٌ متوجّهةً نحو الأرض فيرفعها الله بفضله بواسطة الغلاف الجويّ المتقدّم ذكره. ويكون معنى الآية: أنّه تعالى يُمْسِكُ أحجارَ السّماء أنْ تقعَ على الأرض.
وهذا هو الذي يقربُ في الذهن، ويكون الفرقُ بين الوجه الأوّل والوجه الثّاني أنّ الوجه الأوّل كان يفسّر كلمة «السّماء» في الآية بالغلاف الجويّ المحيط بالكرة الأرضيّة، وكان الكرم الإلهي يمنع من انهياره وتلاشيه، بينما الوجه الثاني يفسّر السماء بما هو ظاهرها : أي الجهة العلويّة، وسقوطُها يفسره بسقوط ما فيها من أحجارٍ متلاشية آتيةً من الكواكب الأخرى باتجاه الأرض.
وقال فی المیزان ج14 ، ص403، : « والمراد بالسّماء جهة العلو وما فيها، فالله يمسكها أن تقع على الأرض إلا بإذنه ممّا يسقط من الأحجار السماوية والصواعق ونحوها»
وعلى حال، فأيّ الوجهين صحّ فسيرتفعُ به الإشكالُ؛ إذْ في كليهما لا تقع السّماء بما فيها من أجرام على وجه الأرض، لكي يقال: إنّ المحلّ لا يتسعُ لها، وبذلك فلا إشكال في الآية الكريمة.
10 / 5 / 2020 م ، الموافق 15 / شهر رمضان / 1441 هـ
ــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha