رياض البغدادي||
يحيي المسلمون الشيعة من أتباع آل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام في مثل هذه الأيام ذكرى عاشوراء من كل عام ، وتستمر أيام وليالي الأحياء على مدى خمسين يوما ، ابتدءا من الأول من شهر محرم الحرام إلى العشرين من شهر صفر وهو اليوم الأربعين على مقتل الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام .
وفي كل عام ، وفي الوقت الذي تتجددت فيه أساليب وطرق التعبير عن الحزن تبعا لتطور العصر واختلاف تقاليد الشعوب والمجتمعات وأساليبهم في إظهار حزنهم ورفضهم لما أصاب الحسين ابن بنت النبي الأكرم صلى الله علية وآله كذلك تكون هذه المناسبة سببا للتصعيد الإعلامي من جهة الآخر الذي يرفض أن يرى الشيعة وهم يُرسّخون حالة الرفض والثورة ضد من أمر بقتل الحسين عليه السلام .
صحيح أن الآخر إذا كان أمويا لا يستطيع أن يظهر الدوافع الحقيقية لرفضه بسبب العامل العقائدي الذي يكبل يديه ويشل لسانه فلا يجرأ عن البوح به ، فيعمد حينئذ إلى انتقاد أساليب الشيعة التي يرى أنها مخالفة للشرع والدين محاولة منه لتسفيه هذا العمل والنيل منه .
اعترف بأن الشيعة وفي مثل هذه الأيام نكون فيها عند أعلى حالات التوتر وأكثر ما نكون اقترابا من الثورة والهياج العارم الذي لا يتحمل ولو لكلمة من كلمات الانتقاد التي توجه لأساليبنا في التعبير عن الحزن والرفض لما لاقاه الحسين والخيرة من أتباعه في طف كربلاء المقدس .
ولا أستطيع أن اقر كل أساليب التعبير عن الحزن التي يمارسها المحبين للإمام الحسين عليه السلام ، كذلك لا يمكن لي أن اقبل كل انتقادات المنتقدين لتلك الأساليب لأنها ( الأساليب ) في النهاية مجرد تعبير عن حزن سينتهي أثرها عندما تُرفع أعمدة سرادق الحزن وتطوى خيامه انتظارا للعام الذي يليه ، أما آلام القلب لهذا المصاب فهي مترسخة في كل ضمير .
ولا أريد هنا أن استعرض أساليب الحزن وتعبيراته الكثيرة وأمارس عملية تصحيح المظاهر العاشورائية لأني في النهاية لست مختصا ولا يترتب عليّ اثر شرعي عندما أمارس هذه التعبيرات وارفض ممارسة تلك ، كما ليس من حقي أن استقبح العمل بالتعبير عن الحزن والأساليب التي لا أميل للتعبير بها عن حزني ، لأنها مسألة خاضعة لطبيعة الإنسان ووعيه والمجتمع الذي تربى فيه وكذلك التقاليد الشعبية التي تختلف من مكان إلى آخر .
ولا يخفى على حاذق منصف ، أن التعبير عن الحزن حالة إنسانية عاطفية تميل لها النفس الغارقة بالرقة والعاطفة والرحمة وكذلك هي حالة رفض الظلم ، يميل لها كل ضمر حي ترسخت فيه قيم الشجاعة والفروسية والمروءة ولا يمكن للعاقل إلا أن يذعن أمام هكذا صفات وأخلاق رغّبت التحلي بها كل شرائع السماء والنظم الإنسانية .
فقط أود هنا أن أمد يدي إلى المسلم الآخر الذي يرفض أساليب الشيعة بتعبيرها عن الحزن على سيد الشهداء بأن لا يستغرق كثيرا في هذه التفاصيل فليس هناك من احتفال شعبي يخلوا من الأخطاء ولا من حالة عاطفية تعتصم عن الإفراط في الحزن الذي قد يخرجها عن ما هو معقول ، فكثيرا منا ممن رزق حج بيت الله الحرام رأى البسطاء من الناس كيف تتصرف في الحج وكيف تتفاعل مع عاطفة التعلق بأستار الكعبة التي هي منية الملايين من المسلمين في العالم ، فقد رأيت بأم عيني حجاج قطعوا الجبال والقفار من اجل الوصول إلى بيت الله الحرام ولما يقتربون من الحجر الأسود يبصقون فيه اعتقادا منهم ( أن بصاقهم سيختلط بالحجر الأسود ويكون جزء منه فلا تصلهم نار جهنم عندئذ لان جزء منهم قد عُجن بحجر الكعبة المقدس ) ورأيت مناظر يستقبح ذكرها العقلاء مما يحصل في جبل النور ، هذا الجبل الذي نزلت عليه أول سور القرآن الكريم وكذلك رأيت أساليب يتقزز منها العرف الإنساني تصدر من بسطاء وهم على جبل عرفات ....
فهل هذه التفاصيل توجب الهجوم على اصل الحج ونية العقلاء - الملايين ممن جاءوا يلبون نداء الله تعالى بحج واع ملتزم بكل أصول الشرع والدين ؟
فلا أرى من أخي المسلم الآخر تعقلا أن ينأى بنفسه عن المشاركة بعزاء ابن بنت النبي الذي هو نبينا ونبيهم خاصة واني لا اشك أبدا بحب المسلمين جميعا لريحانة النبي وسيد شباب أهل الجنة ....
فهي دعوة خالصة إلى الله تعالى لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يشاركوا بالتعبير عن حزنهم ورفضهم لما أصاب هذا الإمام وآل بيته على يد طغاة جبابرة لا يخلوا عصر من وجود أمثالهم كما لا يخلوا عصر من أسباب الثورة التي حتّمت على الحسين الخروج وإطلاق صرخة المظلوم في وجه الظالم .
انطلق أيها الأخر وارفع عن كاهلك الأحمال الأموية التي تسربت إلى نفسك وأطلق دموعك وامنح النفس فرصة لتعبر عن حبها لسيد الشهداء ، واحزن عليه بطريقتك التي تراها .... فحركة الحسين عبرة استجمعت فيها كل أهداف الرسالات وفي مقتله عبرات لا تطفأ نارها ...
فلمثل الحسين ترخص الدموع ولمثل اهدافه ترخص الدماء
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha