أ.د علي الدلفي ||
مِنَ المعلومِ لنا جميعًا أنَّ العلاقاتِ بأنواعِهَا المُتعدّدةِ يصنعها الإنسانُ بينَ كُلِّ الثّنائياتِ الضّدّيّةِ في الحياةِ الإنسانيّةِ بحيثُ يكونُ الإنسانُ مركزَ الكونِ.
وإنَّ العلاقةَ العدائيّةَ بينَ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ والشّيطانِ الغَويّ الرّجيمِ أساسها الإنسانُ؛ فلو لَمْ يخلقِ اللهُ الإنسانَ ما انحرفَ إبليسُ (الشّيطانُ)؛ وقَدْ أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى هذهِ الجدليّةِ.
وعلى اعتبارِ أنَّ اللهَ أصلُ كُلِّ خيرٍ، والشّيطانَ أصلُ كُلِّ شرٍّ مِنَ النّاحيةِ النّظريّةِ، فَكُلُّ ثنائيّةٍ متعارضةٍ إنّما هي فرعٌ عنِ الثّنائيّةِ الأصليّةِ؛النّورُ خيرٌ، والظّلامُ شرٌّ؛ الحقُّ خيرٌ، والباطلُ شرٌّ... وهلّمَ جرّا. والإنسانُ؛ بطبيعةِ الحالِ؛ هو الصّلةُ بينَ هذه ِالمُتضادّاتِ... .
وهذا ما ذهبَ إليهِ عالمُ الاجتماعِ الفرنسيّ إميل دوركايم، وَقَدْ حدّدَ علاقةَ العداءِ بينَ المُقدّسِ والمُدنّسِ في كتابهِ: (الأشكالُ الأوليّةُ للحياةِ الدّينيّةِ)؛ إذْ يرى إميل دوركايم أنَّ المقدّسَ والمدنّسَ لا يجتمعانِ البتّةَ؛ فالمقدّسُ؛ في تصوّرهِ؛ متماثلٌ مع الدّينيّ؛ لذا فهو مميّزٌ بالتعالي عن حياةِ الأفرادِ، وهو الوجهُ المُفارقُ والمُتعالي لحياةِ الجماعةِ الدّنيويّةِ وبسببِ سماتهِ وخصائصهِ تلكَ لا يستطيعُ التّعايشَ مَعَ ما يعارضهُ ويهدمهُ؛ أي: المُدنّس
ويرى دوركايم؛ أيضًا؛ أنَّ المقدّسَ هو كُلُّ ما تقومُ النّواهي الدّينيّةُ بحمايتهِ وعزلهِ. أمّا الأشياءُ المُدنّسةُ فهي تلكَ التي تنطبقُ عليها هذهِ النّواهي، والتي يجبُ أنْ تبقى بعيدةً عن الأشياءِ الأولى.
والأشياءُ المُقدّسةُ يجبُ أنْ تنفصلَ تمامًا عَنِ المُدنّسةِ، ليسَ ذلكَ حسبْ؛ إنّما تبعدُ عن كُلِّ ما يمتُّ بصلةٍ من بعيدٍ أو منْ قريبٍ بالمُدنّسِ. والحياةُ الدّنيويّةُ يجبُ ألاّ تتدخّلَ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ في الحياةِ الدِّينيّةِ.
يتّضحُ مِمّا تقدّمَ أنَّ وجهةَ نظرِ دوركايم تتّسقُ مَعَ ما تذهبُ إليهِ الثّقافةُ الشّعبيّةُ، مِنْ أنَّ الطّاهرَ لا يلتقي مَعَ النّجسِ، والمُقدّسُ لا علاقةَ لَهُ بالمُدنّسِ.
وبناءً على ما ذهبَ إليهِ دوركايم يمكنُ أنْ نتحدّثَ ؛نحنُ الشّيعةَ؛ عَنِ المُعجزاتِ والكراماتِ باعتبارها تجليّات للمُقدّسِ، وأكبرُ تجلٍ للمُقدّسِ لدينا هو الإمامُ الحُسينُ بنُ عليّ (عليهما السّلام) الذي يقرُّ المُذهبُ الجعفريّ بإعجازهِ وقداستهِ.
و(كربلاءُ) جزءٌ لا يتجزأُ منهُ؛ فلفظةُ (كربلاءَ) في الثّقافةِ السّاميّةِ تعني: معبدَ الإلهِ؛ وهي أرضٌ مُقدّسةٌ وطاهرةٌ مُنْذُ أنْ خُلِقَت؛ وعلينا جميعًا المحافظةُ على قداستها وأنْ نبعدَ عنها كُلَّ ما يدنّسها وألّا يقتصرَ ذلكَ على حفلةٍ غنائيّةٍ ماجنةٍ؛ ومقاهي ليليّةٍ غيرِ مُرخّصةٍ تُباعُ وتُشترى فيها الممنوعاتُ والمُخدّراتُ؛ وحفلاتٍ لعرضِ الأزياءِ. بَلْ لا بُدَّ مِنْ تخليصها من ظاهرةِ الفسادِ الماليّ والإداريّ في كُلِّ مؤسّساتها الحكوميّةِ؛ وتوفيرِ فرصِ العملِ لأبنائها؛ وشيوعِ مبدأِ التّكافلِ الاجتماعيّ... إلخ؛ لتصلَ إلى مستوى (المدينةِ الفاضلةِ) التي حلمَ بها الفيلسوفُ (إفلاطون)؛ فهي مُقترحٌ لـ(مدينةٍ) أساسها الإنسانُ نفسُهُ سواء كانَ مسؤولًا أمْ موظفًا أمْ عاملًا أمْ مراجعًا، كبيرًا أمْ صغيرًا رجلًا أمْ امرأةً، مواطنًا أو مقيمًا؛ وَبِكُلِّ ما تحملهُ كلمةُ (الفاضلةِ) مِنْ معانٍ ساميّةٍ في الشّارعِ؛ وفي العملِ الحكوميّ؛ وفي العملِ الخّاصِّ؛ والأعمالِ التجاريّة، والملاعبِ الرّياضيّةِ، وعندَ المسجدِ، وفي المطاعمِ والأسواقِ... .
في كُلِّ موقعٍ نجدُ أنَّ (القُدسيّةَ) تتجسّدُ فيه؛ وفي كُلِّ وقتٍ وبأرقى صورِهَا.
لهذا أقولُ:
اسرقوا كُلَّ ما لدينا واتركوا لنا كربلاءَ!
https://telegram.me/buratha