الدعاء مخ العبادة وجوهرها وبه يتم الإنشداد والارتباط بالله سبحانه وتعالى والدعاء سلاح الأنبياء ومعراج الروح ومن خلاله يتحدث العبد مع خالقه بدون أي واسطة أو موعد أو ترتيبات بمختلف الأمور والقضايا والطلبات والحاجات الشخصية والعامة التي لا تحدها موانع التحدث مع الناس كالخوف والخجل والحياء بل لا يحيط هذا الحديث ولا يتخلله اي حدود بل هي الحرية المطلقة الحقيقية في الوجود قال الله سبحانه وتعالى (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم )(1) ، وعنوان الدعاء واسع من الصعب أن يجمعه كتاب بل مجلدات قال رسول الله (صلى الله عليه واله)( الدعاء مخ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد )( 2)، ولكن نأخذ من هذا العنوان فرعان صغيران جداً وهما خصوصية كلمات الدعاء ووقته وفي بعض الأحيان تكراره لعدد من المرات .
كلمات الأدعية التي يتلفظها المعصوم صلوات الله عليه لا يمكن تغير مواقعها أو تغيرها بكلمات أخرى ولا يمكن لأي كلمة أن تأخذ مكانها من ناحية أفضلية المعنى أو أفضلية النطق أو الصوت ولا يمكن حذفها لأن معنى الجملة سيتغير ومن ثم سيتأثر الدعاء ككل ولا يعطي الغاية المرجوة منه ( عن أبن سنان : قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام:ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق ، قلت : وكيف دعاء الغريق ؟ قال : تقول يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ، فقال : إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)( 3) ، لأن المعصوم صلوات الله عليه عندما ينطق الكلمات فهذه الكلمات تكون معصومة من الخطأ لأن الملهم هو الكامل الله سبحانه وتعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى) (4).
هناك بعض الأدعية لها خصوصية الأوقات كأن يكون بعد صلاة الفجر أو عند الزوال أو عند الغروب أو بعد صلاة العشاء وهكذا ، فالذي يريد الرزق مثلا يخبره الإمام عليه السلام أن يقرأ هذا الدعاء مثلاً بعد صلاة الفجر ستقضى حاجتك إن شاء الله وفي بعض الأحيان يجب أن يكرر هذا الدعاء لعدد من المرات وقد يخبره الإمام عليه السلام بالصلاة بكيفية معينة أو الزيارة وهكذا ، فلماذا حدد الإمام عليه السلام هذا الدعاء أو الصلاة أ, الزيارة وكذلك الوقت وتكراره بعدد معين . كأن الحاجات لها صناديق وكل صندوق مختص بحاجة معينة وهذا الصندوق لا يفتح إلا بكلمة السر وكلمة السر هذه في بعض الأحيان تتكون من جملة واحدة أو عدة جمل وهذه الجملة جائز تتكرر عدة مرات أو صلاة أو زيارة ولا تستعمل كلمة السر هذه إلا في ذلك الوقت الذي حدده المعصوم صلوات الله عليه ، التقدم التكنولوجي قرب لنا الصورة وجعلها أكثر وضوحاً فأصبحت كلمة السر نستعملها في حياتنا اليومية إن كانت في الإيميل او عند دخول المواقع الالكترونية او حسابات البنوك ولا يمكن أن تفتح الإيميلات او المواقع الالكترونية او حسابات البنوك إلا باستعمال نفس كلمة السر بما تحتوي من كلمات وأرقام وفي بعض الأحيان تكون ضمن فترة زمنية محددة ، لهذا السبب لا يمكن لنا أن نغير أي كلمة من كلمات الدعاء أو نغير عدد التكرار إذا كان هناك تكرار أو نغير الوقت إذا كان الدعاء محدد في وقت معين لأن كلمة السر التي تفتح صندوق الحوائج تكون غير مكتملة لهذا لا يفتح الصندوق ولا تقضى الحاجة ، فصاحب الحاجة عليه أن يؤدي كلمة السر بشكل أمين وصادق عندها سيفتح الصندوق وتقضى الحاجة .
وهذه بعض الامثلة على الأدعية والصلوات وكذلك الزيارات ، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال (إذا أتى بك أمر تخافه أستقبل القبلة فصل ركعتين ثم قل : يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين " قل هذه الكلمات سبعين مرة ، كلما دعوت بهذه الكلمات سألت حاجتك )( 5) ، عن أبي بصير قال شكوت الى الصادق (عليه السلام) وسألته أن يعلمني دعاء في طلب الرزق فعلمني دعاء ما أحتجب منذ دعوت به ، قال : في صلاة الليل وأنت ساجد : ( يا خير مدعوٍّ ويا خير مسؤول ويا أوسع من أعطى ويا خير مرتجى أرزقني وأوسع عليّ من رزقك وسبب لي رزقاً من قبلك إنك على كل شيء قدير)( 6) ، صلاة أمير المؤمنين عليه السلام وصلاة فاطمة الزهراء عليها السلام وصلاة جعفر الطيار عليه السلام ، وكذلك تكرار بعض العبارات في زيارة المعصومين عليهم السلام كزيارة عاشوراء هناك مقاطع تتكرر مئة مرة وكذلك دعاء العهد يتكرر المقطع الأخير ثلاث مرات ، هذه بعض الأمثلة لتوضيح فكرة خصوصية الكلمات في الدعاء والزيارة والتكرار والأوقات كذلك كيفية الصلاة التي يحددها المعصوم لقضاء الحوائج بعنوانها الواسع .
وهناك سؤال يطرح بشكل واسع ما بين المؤمنين نحن نؤدي الدعاء أو الزيارة أو الصلاة بالكيفية التي يذكرها المعصوم عليه السلام فلماذا لا تقضى حاجتنا ، شروط استجابة الدعاء كثيرة وواسعة وفي هذه العجالة نذكر حديث لرسول الله (صلى الله عليه واله) يبين ويوضح ماذا سيجني الذي يدعو أرحم الراحمين والمعطي بلا سؤال فما بالك بالذي يسأله ويترجاه بالطرق التي أرادها هو سبحانه وتعالى قال رسول الله (صلى الله عليه واله)( أفزعوا الى الله في حوائجكم وألجأوا في ملماتكم وتضرعوا إليه وأدعوه فإن الدعاء مخ العبادة وما مؤمن يدعو الله إلا استجاب : فإما أن يعجله له في الدنيا أو يؤجل له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بمأثم )( 7) .
من هذا الحديث يظهر لنا إن جميع الأعمال التي نؤديها من أجل قضاء حوائجنا بالكيفية التي أرادها المعصوم عليه السلام من دعاء وصلاة فأنها تعطي النتائج التي تتناسب مع مصالحنا إن كانت دنيوية أو أخروية وهذه جميعها يحدد أرحم الراحمين وقاضي الحاجات الله سبحانه وتعالى فقط علينا أن نتجه اليه بالدعاء والطلب والسؤال قال الله سبحانه وتعالى ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد )( 8) ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) ( ما من شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) (9) ، وعن حنان بن سدير عن أبيه ، قال قلت للباقر عليه السلام : اي العبادة أفضل ؟ فقال : ما من شيء أحب الى الله من أن يسأل ويطلب ما عنده وما أحد أبغض الى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأله ما عنده ) ( 10).
(1) سورة غافر آية 60(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج93ص300(3) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج52ص149(4) سورة النجم آيات 3،4(5) مفاتيح الجنان ص659(6) مفاتيج الجنان ص657(7) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج93ص302(8) سورة ق آية 16(9) مكارم الأخلاق ص311(10) مكارم الأخلاق ص311 ، المحاسن – البرقي ص292
خضير العواد
https://telegram.me/buratha