مازن البعيجي ||
المسلمونَ كثيرون، وكثيرونَ جدًا وكلهُم يَنطقون الشهادتينِ، وإجمالًا يؤمنونَ بوجود الله تعالى ، بل ويحفظون أمورًا وأحكامًا كثيرةً وبمراتبَ مختلفة من فردٍ لآخر ، منهم علماء بمراتبَ عليا وعميقة يؤمنونَ بالإسلام ، ويدافعونَ عنه ويَدْعونَ لهُ، مع ذلك نرى الإسلام السائد يتقهقَر من حيث التطبيق المُمَنهَج والذي يَنبغي أن تكونَ لهُ الأولَويّة في التطبيقِ في أي زمانٍ ومكان ، لانّهُ الدينُ الخاتم بنبيّهِ ورسالتِهِ
يقولُ اللهُ عز وجل:
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)آل عمران١٩
ويقولُ عزوجل:
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)آل عمران ٨٥
بمعنى أنَّ اللهَ تعالى يؤكِّدُ على حقيقةِ وجوبِ التطبيقِ العمليّ لمُقتضى تفاصيل وأبعاد الدينُ الأسلاميّ الذي ابتغاهُ الله تعالى لصلاحِ حالِ البشريةِ جمعاء! أمّا مَن يبتغي ويتَّخِذَ غير الأسلامِ دينًا فهذا شأنُهُ! والحال أنَّ مانقصدهُ هو ذلكَ المسلِمُ الذي اعتنقَ عقيدةُ الاسلام المحمديّ الأصيل.
والمطلبُ الذي أشيرُ الى بيانِهِ، هو أننا وجدنا الاسلامَ الأصيل يتَخلَّفُ من حيث العُمقِ الذي يجب تجسيدُهُ عمليّا ، لا أن تطغَى على الواقع الأسلاميّ نظريّاتٍ وضعيّةٍ لتأخُذَ بزمامِ المجتمع الإسلامي ، وهيَ مَن تُسيّرُ أمورَه!
بل أبعدَ من ذلك، حينما تحكمُ الطواغيتُ المستكبِرة بإدارةِ البلاد الإسلامية، ونسخُ الكثير من القيمِ والمبادئ والعادات، وإحالتِها الى ممارساتٍ وِفقَ نهجُ الثقافات الغربية المخالِفة لقوانينِ السماء غيرِ المنسجمة معَ فطرةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها!! ولعلَّ التطبيعَ وزرعُ حُكّامًا عملاء في الدول الإسلامية يمهّدونَ للاطاحةِ بالعقيدةِ ،وخلطُ الأوراق على المسلمينَ في عمليةِ تشويهٍ مقصودةٍ، كما حصلَ ويحصلُ مع مثلِ دول الخليج العبريّ الذي يطرحُ نفسهُ مًرجِعًا للدول الإسلامية، والإسلام منهم براء!
أسلامٌ قشريّ، فارغُ المحتوى، هشُّ المضمون، عاجزٌ عن التغيير ، لفقدِهِ روحُ الاسلامِ المؤثرة ،والخلّاقة في المجاهدِ العاشقِ للاسلامِ الأصيل، المتّصِف بخُلُقِ ما حَملَ الأنبياء والمرسلين والاولياء، فوجود مثلُ هكذا إسلام ، يُمَكّنُ الطواغيت الذين يدّعونَ الاسلام من توَلّي الحكُم في البلاد الإسلامية، وتأسيس بؤر المستكبرين، ويزرعهُم سرطانَ في المنطقة الإسلامية والعربية، فكان مثلُ هؤلاء الحكّام والرؤساء، صهاينة اكثرُ من الصهاينة في الأصل، ومتأمركين اكثر من الأمريكي! وبالتالي قد قَطعَ عِرقُ المقاومة الفاعلة، وحُوصرَت وصودِرَ قرار اتفاقها واجتماعِها على كلمةِ الحق!
وهكذا نراهُ خلافَ قاعدةِ اللّطف! فكلُّ شيءٍ ينحدِر ويتَراجَع وينهار ويفقِدُ قوتهُ وثباتهُ، مما حدا بالعدو المسارعةَ باستغلال مساحةِ الفراغِ الحاصل، ثمَّ يشرَعُ في صناعةِ أسلامٍ بديل غيرِ الإسلام المحمديّ الأصيل! وهذا مالا ينسجم مع الروح الإسلامية، وقد كرِهتهُ البشرية وترفَّعَ عنهُ اهلَهٌ لأنَهُ لا يمثّلُ حقيقةَ ما عرفوهُ عن الإسلام، وتلكَ المهمّةُ التي قامَ بها إعلامُ العدوّ بأموالِ المسلمين على اكمل وجهِ ليُنجِحَ مخطَّطَهُ الدّنيء!!!
امرٌ مُتفاقمٌ ،وجرحٌ ملتهب، قد احتاجَ الى عمليةٍ جراحيةٍ فكريةٍ ثقافيةٍ ثوريةِ تعيدُ الامورَ الى نصابِها وتستعيدُ الأمّةُ عافيتَها، ولكن مَن ياتُرى سيتَولّى المهمّة؟!! قطعًا ليسَ ايُّ شخصٍ! لابد إذَن ، أن يكونَ مختلفٌ عن مَن يُشَكّلُ السوادَ الاعظم مِمّن لم يتَصدّى لمثلِ مهمّة التغيير منذُ اعوامٍ طوال دون تقديمِ حلٍّ لتفادي تدهورَ احوالِ المسلمين وطمسِ هويتِهم!
فما كان إلّا ظهورُ "رجلًا من قم" أدرَكَ عمقَ الخطرَ المُحدِقَ بالاسلام وكان كما وصَفتهُ الروايات وماوَرَدَ عن مولانا الإمام الكاظم "عليه السلام"
(رجلٌ من أهلِ قم يَدعو الناسَ إلى الحقّ، يجتمعُ معهُ قومٌ كَزُبرِ الحديد، لا تزلّهُم الرياحُ العواصف، ولا يَمَلّونَ من الحَرب، ولا يَجبُنون ...)
وقد تميَّزَ بفَهمِهِ لروحِ وعمقِ الإسلام وترجمةِ آياتِهِ الى واقعٍ عمليّ حَيّ وكانَ خبيرٌ عارفًا نطاسيّا ، استطاعَ تشخيص حاجاتِ ومتطلباتِ المجتمع الإسلامي الحرّ، فخلقَ خلطةُ ممانَعة، وحصنٌ منيع ضمَّنَهُ اسرارًا لم تكن بمتناولِ كلِّ ذلك الجيشُ العرمرم، والأمكانات التي يحتكِمُ عليها عالَمُ التكنلوجيا والتطور، وفخرُ الصناعةِ العسكرية والفضائية والنوويّ الهائل!!!
شخصٌ لاتخفى سِماتُهَ ومزايا شخصيّتُهُ، ولعلَّ أبرزها، ذلك السرُّ العظيم ، وهو الوثوقُ بمنهجِ الإسلامِ التطبيقيّ العمليّ، الذي راهنَ على نجاحهِ بنسبةٍ تقترب من إيمانِ الأنبياء، واطمئنانِ الأولياء، وسكينةِ العرفاء، لدرجةٍ قطَعَت عنه ايّ تردُّدٍ أو شكٍ في أن قد يُخفِق فيما آمنَ به ، ولو واحد بالمليارات واكثر! والقضيةُ مصيريّةٌ وكانت محتاجَةٌ الى هذا الفَهمِ والإدراكِ المتمَيّز، وذلكَ التوكّلُ المُمَحَّضُ للهِ عزوجل، ليكونَ مفتاحُ اللّطفِ والفيضِ الذي هوَ سلاحُ العارفُ الخُمينيُّ العظيم "قُدّسَ سِرّهُ الشريف" وهو سرُّ انتصارهِ وانتشارهِ ومقبوليَّتهِ قي المجتمعاتِ الدولية والإسلامية سيما المستضعفةِ منها، معِيدًا للمسلمينَ الثقة والهويَة المفقودة التي سَلبَها اليأس وفشلُ المحاولات وتسلُّطِ الجبابرة! بل أعادَ للغربِ والكنيسةِ والديرِ ثقتُها بالمعنوياتِ والأخلاقِ والثوابتِ السماويّة كصحوةٍ شكَّلت بدايةُ انهيارِ الماديّة وكلّ نظريّةٍ مفصولةٍ بعيدة عن السماء!
عصرٌ قد شكّلَ انعطافةً في تاريخ الاسلام ، في مرحلةٍ استثنائية منطِقُها السائدُ آنذاك، الحديد والدم والنار!!
عصرٌ يستَحِقُّ بجدارةٍ واستحقاق
أن يسمّى "عصر الخُميني" أو "عصر الإسلام المحمدي الأصيل الحسيني المقاوم" ومنذ ذلكَ الفجرُ الصادق عام ١٩٧٩ والعالَمُ قد استيقظ وقد وَعَى وأدركَ معنى الإسلام الحقيقي وماهو الفرقُ بينَهُ وبينَ الاسلامُ القشريُّ المسطَّح!!
ويومًا بعدَ يوم، بل وفي كلِّ يوم ومعَ تسارعِ الأحداث وكثرةُ الحوادِث وتوالي الفتَن، تتأكَّدُ الحاجةَ الى انعطافاتٍ على سبيلِ نصرةِ الحقّ ومعرفةِ رجالهِ المخلصين في زمنِ الزيف وسقوط الأقنعة عن وجوهٍ طالما عبَثَت بمصيرِ الامّة الإسلامية لحدِّ الاستنزاف!!!
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة٣٨
البصيرة ان لا تصبح سهماً بيد قاتل الحسين ومنه يسدده على دولة الفقيه ..مقال قادم نلتقي..دمتم)..
https://telegram.me/buratha