أ.د. علي الدلفي ||
(بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا… . وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الاْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ).
يوضّحُ الإمامُ عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) في عهدهِ لمالكِ الأشترِ (رضوان الله عليه) أسلوبَ إدارةِ الحكومةِ المعبّرِ عن الرّأفةِ بالرّعيّةِ في نسقٍ علميٍّ ومعرفيٍّ وحضاريٍّ تنهلُ جميعُ الشّعوبِ من عهدهِ المباركِ الذي يعدُّ أهمَّ وثيقةٍ تاريخيّةٍ في إقامةِ العدلِ والمساواةِ، استقاها أميرُ البلاغةِ وسيّدُ الفصاحةِ مِنَ المنهجِ القرآنيّ والنبويّ الشّريفِ صكًّا لحفظِ حقوقِ الإنسانِ المستلِّ من الشّرعِ المُقدّسِ. فَقَدْ كانَ لعليّ (عليه السلام) في تاريخِ حقوقِ الإنسانِ شأنٌ أيّ شأنٍ … وهي تدورُ حولَ رفعِ الاستبدادِ الحكوميّ والقضاءِ علىٰ التّفاوتِ الطّبقيّ بينَ النّاسِ؛ ومن عرفَ عليّ بن أبي طالبٍ وموقفهُ منْ قضايا المُجتمعِ؛ أدركَ أنّه السّيفُ المسلّطُ علىٰ رقابِ المستبدّينَ الطّغاةِ والزّعماءِ السّياسيّينَ الفاسدينَ؛ وأنّه السّاعيُ في تركيزِ العدالةِ الاجتماعيّةِ بآرائهِ وأدبهِ وحكومتهِ وسياستهِ وبكلِّ موقفٍ لَهُ مِمّنْ يتجاوزونَ الحقوقَ العامّةَ إلىٰ امتهانِ الجماعةِ والاستهتارِ بمصالحها وتأسيسِ الأمجادِ علىٰ الكواهلِ المتعبةِ وعامّةِ النّاسِ الفقراءِ.
لَقَدْ نضجتْ في ذهنِ (الإمامِ عليٍّ القويٍّ) فكرةُ العدالةِ الاجتماعيّةِ علىٰ أساسٍ من حقوقِ الجماعةِ التي لا بُدَّ لها أنْ تنتهيَ بإزالةِ الفروقِ الهائلةِ بينَ الطّبقاتِ التي يُتخمُ ثريّها وأميرها ويضوي فقيرها وصغيرها. فكانَ صوتهُ في معركةِ العدالةِ الاجتماعيّةِ هذهِ مدوِّيًّا أبدًا؛ وسوطهُ عاملًا أبدًا؛ ودفاعهُ عن قيمِ الإنسانِ عظيمًا أبدًا؛ وَقَدْ أدركَ في ضوءِ عقلهِ الجبّارِ أنَّ الطبقيّةِ الماديّةِ في النّاسِ إنْ هي إلا سبيلٌ لنْ يؤدّيَ السّيرُ فيها إلّا إلىٰ غاياتٍ منكرةٍ من الجمودِ في العقلِ والخبثِ في النّفسِ. وإلىٰ التّعسّفِ والنّكايةِ والفجورِ في الحكمِ والمعاملةِ؛ ثُمَّ إلىٰ الفسادِ العريضِ وسائرِ الأوضاعِ المُلفّقةِ في هذا الجانبِ الغاصبِ المنكبِّ علىٰ طلبِ الجاهِ والثّروةِ بغيرِ بلاءٍ؛ كما يؤدّي إلىٰ السّقمِ في الحالِ والشّعورِ بهوانِ الحياةِ وسوءِ الظّنِّ بالإنسانِ وإلىٰ التّباغضِ والتّحاسدِ في الجانبِ الآخر الذي يذهبُ جهدهُ لسواهِ وفي الجانبينِ تستقرُّ العواملُ المؤدّيةُ؛ في النتيجةِ؛ إلىٰ انهيارِ المجتمعِ انهيارًا لا شكَّ فيهِ؛ حتّى لكأنّ طبقتي المُجتمعِ هاتين ما هما إلا فكّانِ طاحنانِ تنسحقُ بينهما (الكفاءاتُ والحقوقُ) وتتمزّقُ الضّحايا!!! لَقَدْ ذلّوا الجماهيرَ واستعبدوها ولقوا في صفوفها الخوفَ من (الحاكمِ)؛ ولم يعفّوا عَنِ الرّشوةِ وما إليها لقد خضّبوا راياتهم بدماءِ الفسادِ والذّممِ والحقوقِ العامّةِ وتحويلِ الدّيمقراطيّةِ إلىٰ العنجهيّةِ العائليّةِ والحزبيّةِ الضّيقةِ. وباتَ هؤلاء بينَ صلابةِ الإمامِ وقوّتهِ في العدالةِ الاجتماعيّةِ وبينَ مطامعهم في الرّئاسةِ والمالِ والولايةِ!
فلمنْ كانتِ الغلبةُ في الأخيرِ يا تُرىٰ؟!!
عيدُ الغديرِ
عهدُ أميرِالمؤمنين َلمالك الأشتر
الإمامُ عليّ صوتُ العدالةِالاجتماعيّةِ
https://telegram.me/buratha