الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: المشركون استبعدوا أن يكون الرسول الالهي فقيرا لا يملك شيئا. فطلبوا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون ذا مال كثير. ويدلنا على ذلك أنهم قيدوا طلبهم بأن تكون الجنة والبيت من الزخرف للنبي دون غيره، ولو أرادوا صدور هذه الامور على وجه الاعجاز لم يكن لهذا التقييد وجه صحيح، بل ولا وجه لطلب الجنة أو البيت، فإنه يكفي إيجاد حبة من عنب أو مثقال من ذهب. وأما قولهم: حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا فلا يدل على أنهم يطلبون الينبوع لهم لا للنبي وإنما يدل على أنهم يطلبون منه فجر الينبوع لاجلهم، وبين المعنيين فرق واضح. ولم يظهر النبي لهم عجزه عن الاتيان بالمعجزة كما توهمه هؤلاء القائلون. وإنما أظهر بقوله: سبحان ربي أن الله تعالى منزه عن العجز، وأنه قادر على كل أمر ممكن، وأنه منزه عن الرؤية والمقابلة. وعن أن يحكم عليه بشئ من اقتراح المقترحين وأن النبي بشر محكوم بأمر الله تعالى، والامر كله لله وحده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ومن الآيات التي استدل بها القائلون بنفي المعجزات للنبي عدا القرآن. ووجه الاستدلال: أن المشركين طالبوا النبي بآية من ربه، فلم يذكر لنفسه معجزة. وأجابهم بأن الغيب لله، وهذا يدل على أنه لم يكن له معجزة غير ما أتى به من القرآن. فإن هؤلاء المشركين وغيرهم لم يطلبوا من النبي إقامة آية ما من الآيات التي تدل على صدقه، وإنما اقترحوا عليه إقامة آيات خاصة. وقد صرح القرآن بها في مواضع كثيره، منها ما تقدم. ومنها قوله تعالى: "وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (الحجر 6-7).
جاء في كتاب موسوعة الامام الخوئي للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: مسؤوليّات مرجعيّة الإمام الخوئي: وكان الإمام الخوئي: زعيماً حكيماً، حديد النظر، عالماً بزمانه، يترسّم خطى الأئمّة الهداة عليهمالسلام واحداً بعد آخر، فيما يشبه زمانه بزمانهم، يتصرّف في الأُمور وفق تصرّفهم حراسةً على حياة المسلمين العقليّة والثقافيّة والعقيديّة. كما كان يرى: أنّ الحوزة العلميّة حصناً للإسلام، ومنطلقاً للصمود، باعتبارها وديعة الإمام الغائب، على امتداد الغيبة الكبرى. كان يرى أنّ المرجعيّة هي المسئولة عن المسلمين، وهي ترعى واقعيّتين: 1 ـ واقعيّة مكنونة والله هو الحافظ لها "إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ" (الحجر 9) وقد أوعد أنّه يحفظه بحراسته وصيانته. 2 ـ واقعيّة اعتقاديّة: وهي التي ينبغي للناس أن يحافظوا هم عليها.
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: القرآن وأسرار الخليقة: أخبر القرآن الكريم في غير واحدة من آياته عما يتعلق بسنن الكون، ونواميس الطبيعة، والافلاك وغيرها مما لا سبيل إلى العلم به في بدء الاسلام إلا من ناحية الوحي الالهي. وبعض هذه القوانين وإن علم بها اليونانيون في تلك العصور أو غيرهم ممن لهم سابق معرفة بالعلوم، إلا أن الجزيرة العربية كانت بعيدة عن العلم بذلك. وإن فريقا مما أخبر به القرآن لم يتضح إلا بعد توفر العلوم، وكثرة الاكتشافات. وهذه الانباء في القرآن كثيرة، نتعرض لها عند تفسيرنا الايات التي تشير إليها إن شاء الله تعالى. وقد أخذ القرآن بالحزم في إخباره عن هذه الامور، فصرح ببعضها حيث يحسن التصريح، وأشار إلى بعضها حيث تحمد الاشارة، لان بعض هذه الاشياء مما يستعصي على عقول أهل ذلك العصر، فكان من الرشد أن يشير إليها إشارة تتضح لاهل العصور المقبلة حين يتقدم العلم، وتكثر الاكتشافات. ومن هذه الاسرار التي كشف عنها الوحي السماوي، وتنبه إليها المتأخرون ما في قوله تعالى: "وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ" (الحجر 19). فقد دلت هذه الاية الكريمة على أن كل ما ينبت في الارض له وزن خاص، وقد ثبت أخيرا أن كل نوع من أنواع النبات مركب من أجزاء خاصة على وزن مخصوص، بحيث لو زيد في بعض أجزائه أو نقص لكان ذلك مركبا آخر. وان نسبة بعض الاجزاء إلى بعض من الدقة بحيث لا يمكن ضبطها تحقيقا بأدق الموازين المعروفة للبشر. ومن الاسرار الغريبة التي أشار إليها الوحي الالهي حاجة إنتاج قسم من الاشجار والنبات إلى لقاح الرياح. فقال سبحانه: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ" (الحجر 22). فإن المفسرين الاقدمين وإن حملوا اللقاح في الاية الكريمة على معنى الحمل، باعتبار أنه أحد معانيه، وفسروا الاية المباركة بحمل الرياح للسحاب، أو المطر الذي يحمله السحاب، ولكن التنبيه على هذا المعنى ليس فيه كبير اهتمام، ولا سيما بعد ملاحظة أن الرياح لا تحمل السحاب، وإنما تدفعه من مكان إلى مكان آخر. والنظرة الصحيحة في معنى الاية ـ بعد ملاحظة ما اكتشفه علماء النبات تفيدنا سرا دقيقا لم تدركه أفكار السابقين، وهو الاشارة إلى حاجة إنتاج الشجر والنبات إلى اللقاح. وأن اللقاح قد يكون بسبب الرياح، وهذا كما في المشمش والصنوبر والرمان والبرتقال والقطن، ونباتات الحبوب وغيرها، فإذا نضجت حبوب الطلع انفتحت الاكياس، وانتثرت خارجها محمولة على أجنحة الرياح فتسقط على مياسم الازهار الاخرى عفوا.
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للسيد أبوالقاسم الخوئي: ورد في جملة من الآيات وبعض الروايات من ان المياه باجمعها نازلة من السماء: إما بمعنى ان الله خلق الماء في السماء فهناك بحار، وشطوط، ثم انزله إلى الارض فتشكل منه البحار، والانهار، والشطوط، والآبار. أو بمعنى ان الله خلق الماء في الارض إلا أنه بعدما صار أبخرة باشراق الشمس ونحوه صعد إلى السماء فاجتمع وصار ماء، ثم نزل إلى الارض كما هو مذهب الحكماء والفلاسفة وهذا المعنى لا ينافي نزول الماء من السماء لانه بمعنى نزول أمره من السماء. ومن جملة الآيات الدالة على ما ادعيناه من نزول المياه باجمعها من السماء: قوله تعالى: "وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" (الحجر 21).
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: دواعي العبادة: العبادة فعل اختياري، فلا بد لها من باعث نفساني يبعث نحوها، وهو أحد امور: 1 ـ أن يكون الداعي لعبادة الله هو طمع الانسان في إنعامه، وبما يجزيه عليها من الاجر والثواب. 2 ـ أن يكون الداعي للعبادة هو الخوف من العقاب على المخالفة. 3 ـ أن يعبد الله بما أنه أهل لان يعبد، فإن الكامل بالذات والجامع لصفات الجمال والجلال. وهذا القسم من العبادة لا يتحقق إلا ممن اندكت نفسيته فلم ير لذاته إنية إزاء خالقه، ليقصد بها خيرا، أو يحذر لها من عقوبة، وإنما ينظر إلى صانعه وموجده ولا يتوجه إلا إليه، وهذه مرتبة لا يسعنا التصديق ببلوغها لغير المعصومين عليهم السلام الذين أخلصوا لله أنفسهم فهم المخلصون الذين لا يستطيع الشيطان أن يقترب من أحدهم "وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" (الحجر 39-40). قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين صلوات الله عليه: ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك، وأما سائر العباد فتنحصر عبادتهم في أحد القسمين الاولين، ولا يسعهم تحصيل هذه الغاية. وبذلك يظهر بطلان قول من أبطل العبادة إذا كانت ناشئة عن العطمع أو الخوف، واعتبر في صحة العبادة أن تكون لله ما هو أهل للعبادة ووجه بطلان هذا القول: أن عامة البشر غير المعصومين لا يتمكنون من ذلك فكيف يمكن تكليفهم به وهل هو إلا تكليف بما لا يطاق؟
https://telegram.me/buratha