الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب لاهوت المسيح في المسيحية والإسلام دراسة مقارنة للكاتب علي الشيخ: بعثته عليه السلام: قيل انه كان نبياً وهو طفل صغير، واستدلوا عليه بقوله تعالى: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً" (مريم 30). يقول العلامة الطباطبائي في تعليقه على الآية: (و ظاهر الكلام انه كان أوتي الكتاب و النبوة، لا أن ذلك اخبار بما سيقع). و عليه فصح أن يقال: انه عليه السلام كان نبياً في اول الامر كما قال "وَجَعَلَنِي نَبِيّاً" (مريم 30) ثم صار رسولاً كما قال تعالى "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ" (ال عمران 49). و يؤكد القرآن أن الله تعالى أرسل المسيح عليه السلام الى بني اسرائيل، قال تعالى: "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَة مِن رَبِّكُم" (ال عمران 49). و يؤكد القرآن على نزول الانجيل على المسيح عليه السلام، كما في قوله تعالى: "وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ" (المائدة 46).
وعن نزول الانجيل يتحدث علي الشيخ قائلا: قال تعالى في حق التوراة: "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْء مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْء فَخُذْهَا بِقُوَّة وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" (الاعراف 145) وأيضاً: "وَلمَّا سَكَتَ عَن مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ" (الاعراف 154). و في خصوص القرآن قال تعالى: "بِلِسَان عَرَبِيٍّ مُبِين" (الشعراء 195) وأيضاً "كِرَام بَرَرَة" (عبس 16). فالقرآن الكريم لم يذكر في تفصيل نزول الانجيل ومشخصاته شيئاً، لكن ذكر نزوله على عيسى عليه السلام محاذياً لذكر نزول التوراة على موسى عليه السلام، ونزول القرآن على محمد صلى الله عليه وآله، يدل على كونه كتاباً في عرض الكتابين. و الظاهر أن الانجيل المنزل على المسيح عليه السلام كان يشتمل على بعض الاحكام الشرعية والمواعظ الاخلاقية والامثال التي تدعو الناس الى الاستقامة والعمل الصالح، فإن القرآن الكريم يذكر أن تعاليمه - لو طبقت - فهي كفيلة بسعادة الإنسان و المجتمع. قال تعالى: "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِن رَبِّهِمْ لاََكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة 66).
يقول الكاتب علي الشيخ في كتابه عن موقف اليهود من دعوة المسيح عليه السلام: قسم آمن بالمسيح عليه السلام وهم اقلية، وقسم كفر به وهم الاكثرية، وقد حاربت هذه الاكثرية المسيح عليه السلام ودعوته، فقد كذبوه واتهموه بالسحر، وقد أشار سبحانه الى ذلك في قوله تعالى: "إِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ" (المائدة 110). و قد كان علماء اليهود وأحبارهم من أشد الناس عداوة للمسيح عليه السلام خوفاً على مراكزهم ومصالحهم، وذلك لان اليهود كانوا ينتظرون مسيحاً يعيد اليهم الملك السلطان في الأرض، فلما جاءهم المسيح عيسى بن مريم يشيد بينهم مملكة الاخلاق والتقوى والسجايا الكريمة لم يكن هو المسيح الذي صوروه لانفسهم، فمكروابه وارادوا قتله، ولهذا ندرك صدور اللعن عليهم على لسان المسيح عليه السلام كما ينقل القرآن ذلك في قوله تعالى: "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" (المائدة 78). واما القلة المخلصة المؤمنة التي اتبعته على دعوته، فقد صدّقوه ونصروه بكل اخلاص واجتهاد. وقد أطلق عليهم صفة الحواري لخلوصهم من العيب والذنب،اخلاصهم للمسيح عليه السلام ونقاء قلوبهم وصفاء بواطنهم. و قد ذكر هم سبحانه وتعالى في كتابه المنزل مرات عدة، منها قول تعالى: "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إَلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (ال عمران 52). و قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ" (الصف 14). و غيرها من الآيات القرآنية. و قد اختلفوا في عددهم، والمشهور انهم كانوا: (اثني عشر) وهو ما ذكر في بعض الروايات، عن أهل بيت النبوة عليهم السلام.
وعن الحوارييون ومعجزة المائدة يقول الكاتب الشيخ: ومن المعاجز التي ذكرها القرآن الكريم للمسيح وحوارييه بالخصوص معجزة انزال المائدة عليهم، وقد حكيت في القرآن في قوله تعالى: "إِذْ قَالَ الْحَوارِيُّونَ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّماءِ قَالَ اتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَن نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونَ لَنَا عِيداً لاَِوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة 112-115). وهذه الآيات اختلف فيها المفسرون، فقال بعضهم ان المائدة نزلت، وان الذين كفروا بعيسى بعد الأكل منها مسخوا خنازير تحقيقاً لقوله تعالى: "أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ" (المائدة 115).
https://telegram.me/buratha