الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن بضع "وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ" ﴿يوسف 42﴾ بضع اسم، بِضْعَ سِنينَ: سبع سنين. وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه: اذكرني عند سيِّدك الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بلا ذنب، فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك حال يوسف، فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة سنوات. قوله سبحانه "فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ" ﴿الروم 4﴾ غَلَبت فارسُ الرومَ في أدنى أرض "الشام" إلى "فارس"، وسوف يَغْلِب الرومُ الفرسَ في مدة من الزمن، لا تزيد على عشر سنوات ولا تنقص عن ثلاث. لله سبحانه وتعالى الأمر كله قبل انتصار الروم وبعده، ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم على الفرس. والله سبحانه وتعالى ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الرحيم بمن شاء من خلقه. وقد تحقق ذلك فغَلَبَت الرومُ الفرسَ بعد سبع سنين، وفرح المسلمون بذلك، لكون الروم أهل كتاب وإن حرَّفوه.
عن كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: و البضع القطعة من العدد ما بين الثلاث إلي العشر، اشتقاقه من بضعته إذا قطعته تبضيعاً، و منه البضاعة القطعة من المال في التجارة، و منه البضعة القطعة من البدن، و المبضع، لأنه يقطع به العرق. و المباضعة الجماع. و قال المبرد البضع ما بين العقدين في جميع الاعداد. قوله "فَلَبِثَ فِي السِّجنِ بِضعَ سِنِينَ" (يوسف 42) فاللبث في المكان هو الكون فيه علي طول من الزمان، و اللبث و الثبوت و السكون نظائر. و البضع قطعة من الدهر. و قيل البضع من الثلث الي العشر في قول إبن عباس و قال قتادة و مجاهد الي التسع و قال وهب: الي سبع سنين. و السنة إثنا عشر شهراً و يجمع سنين و سنوات.
عن الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام: حديث البَضْعَة، من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حول السيدة فاطمة عليها السلام والذي عرّفها ببضعته (أي قطعة من جسده)، ويحزنه ما يحزنها ويسره ما يسرها، وقد نقلت هذا الحديث مصادر الشيعة والسنة، ويستدل بهذا الحديث لإثبات بعض الأبحاث كعصمة السيدة فاطمة عليها السلام، وأن الحق معها في قضية فدك، ووجوب تعظيم مقام أهل البيت عليهم السلام. قال النبي عليه السلام عن ابنته: (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي و مَنْ سَرّها فَقد سَرّني). ورد حديث البضعة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حول ابنته السيدة فاطمة عليها السلام، وقد روته مختلف المصادر الشيعية والسنية، ويعد الإمام علي عليه السلام، وابن عباس، وأبو ذر الغفاري، والسيدة الزهراء نفسها من رواة هذا الحديث. واعتبر المفسر السني جلال الدين السيوطي أن هذا الحديث متفق عليه بين الشيعة والسنة، واستفاد المفسر فخر الدين الرازي منه في تفسير بعض آيات القرآن. معنى البضعة أي، قطعة من الجسد، وبناء عليه يقال: فلان بَضْعَة مني، أي: جار مجرى بعض جسدي لقربه مني، كأنه قطعة مني، ولم تختص هذه العبارة بفاطمة عليه السلام، بل استخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عبارة (بَضْعَةٌ مِنِّي) بحق الإمام علي عليه السلام والإمام الرضا عليه السلام أيضاً.
جاء عن سماحة العلامة منير الخباز الزهراء عليها السلام بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم: ورد عن النبي محمد أنه قال: (فاطمة بضعة مني، يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) نحن نقف مع هذا الحديث النبوي الشريف لنتأمل بعض معانيه: المعنى الأول: قوله : (فاطمة بضعة مني) الرسول الأعظم عبر عن الإمام الحسين والإمام علي وعبر عن السيدة الزهراء بتعبير آخر، قال: (حسين مني وأنا من حسين) وقال: (علي مني وأنا منه) فعبر بكلمة مني عن الحسين وعلي ولكنه عبر عن الزهراء بالبضعة، قال: (فاطمة بضعة مني) والبضعة هي القلب، فكأنه يقول: فاطمة قلبي الذي بين جنبي، هذا التعبير أعظم مدلولا من التعبير بكلمة مني، فكلمة مني وأنا منه تشير إلى المسانخة والمشابهة، فهو عندما يقول: (علي مني وأنا منه) أو (الحسين مني وأنا منه) فهذا التعبير يعني أن هناك مسانخة ومشابهة بيني وبين علي، بيني وبين الحسين، ولكن عندما يعبر بالبضعة، فالبضعة تعني مدلولا أعظم من المسانخة، وأعظم من المشابهة، البضعة تعني التمثيل (بضعة مني) تعني هي صورة عني، تمثلني، تجسدني، (فاطمة بضعة مني) أي أن فاطمة صورة أخرى عني، ومثال آخر عني، يجسدني ويمثلني في تمام فضائلي ومناقبي وتفاصيل حياتي. إذن هناك فرق بين التعبير بمني الذي يفيد المسانخة والمشابهة، وبين التعبير بضعة مني فإن البضعة بمعنى القلب، تفيد التمثيل وأن هذا الشخص صورة أخرى عن النبي محمد . المعنى الثاني: أن كلمة بضعة مني تشير إلى أن قلب النبي وقلب الزهراء اشتركا في دور واحد، وفي منقبة واحدة، أي أن الله أعطى لقلب فاطمة دورا أعطاه لقلب النبي . من المعروف أن قلب النبي موطن التنزيل، يعني أن القرآن الكريم نزل على قلب النبي القرآن الكريم يقول: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ" (الشعراء 193-194) القرآن نزل على قلب النبي ليس نزولا حسيا أو صوريا، بل نزول حضوري، يعني أن حقائق القرآن، ومضامين ومقاصد القرآن نزلت في قلب النبي فأصبحت حاضرة فيه، هذا النزول الذي عبر عنه القرآن "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ" (الشعراء 193-194) أصبح قلبه موطن التنزيل، وحقائق القرآن، قبل أن ينزل بألفاظه لمدة 23 سنة، القرآن نزل مرتين، نزل مرة بحقائقه على قلب النبي، ونزل مرة بألفاظه مفرقا لمدة 23 سنة، والقرآن عبر عن النزول الأول بالإنزال "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر 1) "إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ" (الدخان 3). وعبر القرآن عن النزول الثاني وهو النزول الحسي اللفظي لمدة 23 سنة بالتنزيل، حيث قال: "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا" (الاسراء 106) وقال في آية أخرى: "لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" (القيامة 16-19) وقال في آية أخرى: "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ" إذن القرآن كان عنده حقائقا وتنزيلا، كان في قلبه، ثم نزل بصياغته اللفظية الحسية لمدة 23 سنة، قلب النبي موطن التنزيل، وقلب فاطمة موطن التأويل، هذا الدور خص الله به الزهراء من بين الحجج المعصومين كلهم، خص بهذا الدور فاطمة، أن قلبها موطن التأويل كما كان قلب أبيها المصطفى موطن التنزيل. في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق بعد وفاة النبي محمد دخل على الزهراء حزن شديد لفراق أبيها، فنزل عليها ملك يحدثها، تسمع صوته ولا تراه، وكانت إذا ذهب الملك نادت إلى أمير المؤمنين فأخبرته، والأمير يدون ما تذكره فاطمة الزهراء وليس غريبا عليها أن تحدثها الملائكة، فلقد حدثت مريم ابنة عمران، حيث قال القرآن الكريم: "وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ" (ال عمران 42) فكما أن مريم حدثتها الملائكة، كذلك حدثت السيدة الزهراء الملائكة، الكلام في الحديث هذا كان تأويل القرآن، هذا الذي يسمى بمصحف فاطمة. الإمام الصادق في الرواية المعتبرة يقول: (وإن عندنا مصحف فاطمة، ما هو بقرآن وليس فيه من القرآن حرف واحد، ولكن فيه بطونه وتأويله) يعني أن القرآن الكريم له ظاهر وباطن، بطون القرآن كما ورد عن النبي : (وإن للقرآن سبعين بطنا، وإن للآية ظهرا وبطنا) هذه البطون المعبر عنها بعلم التأويل، نزلت على قلب فاطمة الزهراء فأصبح قلبها كقلب أبيها، قلب أبيها موطن التنزيل، وقلبها موطن التأويل، ولذلك قال عنها أبوها: (فاطمة بضعة مني، قلبها قلبي) دور قلبها دور قلبي، كما أن قلبي موطن التنزيل، فإن قلبها موطن التأويل وهذا المعنى هو الذي أشار إليه الإمام الحسن العسكري : (نحن حجج الله على الخلق، وفاطمة حجة علينا) ليست فاطمة أفضل من أمير المؤمنين، أبوها أفضل منها، وزوجها أفضل منها، بعض العلماء يقول: أبناؤها أفضل منها، وهم أئمة عليها، ولكن الله تبارك وتعالى خصها بهذه المكرمة، وبهذا الشرف، إكراما لها، وإعظاما لشأنها.
https://telegram.me/buratha