الصفحة الإسلامية

اشارات الشهيد السيد محمد باقر الحكيم عن القرآن الكريم من سورة الجاثية (ح 92)


الدكتور فاضل حسن شريف

عن كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: فواتح السور من الموضوعات القرآنية التي تناولها الباحثون هو فواتح السور، ونعني بفواتح السور هذه الحروف المقطعة الموجودة في فاتحة بعض السور القرآنية، وتزداد أهمية هذا الموضوع عندما نلاحظ ما أثير حوله من مشاكل وشبهات قد تؤدي إلى الشبهة في القرآن الكريم نفسه. وسوف يعالج هذا البحث تفسير هذه الظاهرة في القرآن الكريم، ومن خلال ذلك نعرف الجواب الاجمالي على الشبهات التي أثيرت حول هذا الموضوع، ونترك معالجة الشبهات حولها تفصيلا إلى بحث قرآني آخر. وقد جاءت هذه الحروف المقطعة في سور متعددة من القرآن وعلى أشكال مختلفة: منها ما هو ذو حرفين مثل: "حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" (الجاثية 1-2). وحين نأتي لمعالجة هذه الظاهرة في القرآن الكريم لا نجد العرب قد عرفوا الأسلوب عند افتتاح كلامهم، كما اننا لا نجد لهذه الحروف معنى بإزائها غير مسمياتها من الحروف الهجائية. ولم يؤثر عن الرسول صلى الله عليه وآله شئ صحيح في تفسير هذه الحروف بل يكاد لا يؤثر عنه شئ في ذلك مطلقا إلا النزر القليل ليكون هو القول الفصل فيها، ولعل هذا هو السبب في تعدد آراء العلماء واختلاف وجهات النظر فيما بينهم بصدد تفسير هذه الحروف الامر الذي زاد من غموض هذه الظاهرة. وهناك اتجاهان رئيسان في تفسير هذه الحروف: الاتجاه الأول: هو الذي يرى أن هذه الحروف من الأشياء التي استأثر الله سبحانه بعلمها، ولذا فليس من الممكن لاحد أن يصل إلى معرفة المراد منها، ويؤيد هذا الاتجاه ما روي عن عدد من الصحابة والتابعين من أن الفواتح سر القرآن وأنها سر الله فلا تطلبوه، وذهب إليه كثير من العلماء والمحققين، كما جاء ذلك أيضا في بعض الروايات عن طريق أهل البيت عليهم السلام. والاتجاه الثاني: هو الذي يرى أنه ليس في القرآن الكريم شئ غير مفهوم لنا أو غير معروف لدى العلماء والمحققين، وذلك انطلاقا من حقيقة أن الله سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بصفات متعددة لا تتفق مع هذا الخفاء والاستتار.

جاء في کتاب أهل البيت عليهم السلام في الحياة الاِسلامية للسيد محمد باقر الحكيم: إن الرسالات الاِلهية تواجه عادة مع غض النظر عن الاِختلاف الاَول الذي ذكرناه في النقطة الاَولى بعد ثبوتها ورسوخ أقدامها نوعاً آخر من الاِختلاف وهو الاِختلاف في تفسير هذه الرسالة، وفهم مداليها وتأويلها وتجسيد المصاديق الخارجية فيها، وهذا نوع آخر من الاِختلاف، أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة التي تحدث فيها عن أهل الكتاب وما اختلفوا فيه من تأويل الكتاب، منها قوله تعالى: "وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىَ إِسْرََءِيلَ الْكِتَـبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَـهُم مِنَ الطَّيِّبَـتِ وَفَضَّلْنَـهُمْ عَلَى الْعَـلَمِينَ * وَءَاتَيْنَـهُم بَيِّنَـتٍ مِنَ الاََْمْرِ فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ فِيَما كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (الجاثية 16-17).وهذا النوع من الاِختلاف هو معركة أخرى تخوضها الرسالات الاِلهية عادة وهو غير الاِختلاف الناشىء من تحريف أصل الرسالة بمعنى ضياع بعض معالمها المهمة، والذى حفظ في الرسالة الاِسلامية، فهو تحريف في التطبيق والفهم، ويحتاج أيضاً إلى قيادة عصومة في فهمها الكامل للرسالة وفهم مضمونها وآفاقها، وفي معرفتها لتفاصيلها التي لايمكن عادة للنبي أن يبينها لجميع الناس ـ كما تدل على ذلك شواهد كثيرة وكذلك معصومة في حرصها على الرسالة وقيمها ومُثلها ومبادئها وصبرها واستقامتها في هذا الطريق، وتحمّلها لمسؤوليتها وأعبائها. وقد كان يتم ذلك أيضاً عن طريق النبوات التابعة من الرسالات الاِلهية الاَخرى، أو الاَوصياء الذين كانوا يتحملون هذا الدور من الاِمامة أيضاً وأما في الرسالة الخاتمة فقد تمحّض هذا الاَمر في دور الاَمامة.

جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: إن القسم المكي لم يتناول أيضا الأدلة والبراهين على العقيدة وأصولها، على خلاف القسم المدني، وهذا تعبير آخر أيضا عن تأثر القرآن بالظروف الاجتماعية والبيئية، إذ عجزت الظاهرة القرآنية بنظر هؤلاء عن تناول هذا الجانب الذي يدل على عمق النظر في الحقائق الكونية، عندما كان يعيش محمد صلى الله عليه وآله في مكة مجتمع الأميين، بينما ارتفع مستوى القرآن في هذا الجانب عندما أخذ محمد صلى الله عليه وآله يعيش إلى جانب أهل الكتاب في المدينة، وذلك نتيجة لتأثره بهم لانهم أصحاب فكر وفلسفة ومعرفة بالديانات السماوية، ولتطور الظاهرة القرآنية نفسها أيضا. وتناقش هذه الشبهة من وجهين: الأول: أن القسم المكي لم يخل من الأدلة والبراهين بل تناولها في كثير من سوره، والشواهد القرآنية على ذلك كثيرة وفي مجالات شتى فمن نماذج وموارد الاستدلال على التوحيد. وبصدد الاستدلال على البعث والجزاء قوله تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون * وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون" (الجاثية 21-22). وهكذا تتناول الأدلة جوانب أخرى من العقيدة الاسلامية والمفاهيم العامة: بل إن القرآن الكريم تناول أكثر قصص الأنبياء والمناقشات والأدلة التي دارت بينهم وبين أقوامهم في القسم المكي من القرآن.

عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: ثم منح الله تـعالى هـذا الإنـسان المـواهب والقـابليات والصـفات التي هي‌ من‌ الصفات‌ ذات الطبيعة التكاملية والتي تتصف بالزيادة والنقصان، والشدة والضعف، من دون أن تكون محدودة‌ بحد.‌ وابتلاه بالهوى والشهوات والميول والغرائز، وجعل طريقه إلى الله تعالى في التكامل‌ والقـرب‌ منه،‌ مقروناً بالكدح والبأساء والضراء والفتنة والاختبار، وعلى أساس‌ هذه‌ الحقائق في هذه الصورة، نـجد القـرآن الكريم يثبت الآثار والنتائج لهذه الحقائق، على‌ أنها‌ حقائق ثابتة وباقية في حياة‌ الإنسان،‌ وموجبة‌ للتفاضل والتمييز، دون‌ غيرها‌ مما يزول ويرتبط بمرحلة‌ معينة‌ من وجوده. فأثر العلم هو الإيـمان بـالله تعالى، وهـو حقيقة باقية في حياة‌ الإنسان،‌ كما أن أثر الظن والوهم والأماني،‌ هو‌ الكفر والضلال‌ وهو‌ حقيقة‌ باقية في حياة الإنسان.‌ وأثر العقل هو التقوى لله تعالى، وهي حقيقة باقية في حـياة الإنـسان، توجب التفاضل‌ والتكريم،‌ وأثر الجهل هو الفسوق والتمرد. (ورد‌ عن‌ الإمام‌ الصادق‌ ـ عـليه‌ السـلام ـ حـديثاً يعدد فيه جنود العقل وجنود الجهل، فراجع الكافي 1/20 ـ 23، ح 14) وأثر‌ الحرية‌ والإرادة‌ والإحساس‌ بالمسؤولية، الجهاد في‌ سبيل‌ الله والكدح في ‌مـجاهدة النفس وأعداء الله، وفي مقابل ذلك العبودية للهوى والشهوات والوقوع في أسرها، والأثقال في أغلالها، والخـتم على السمع والقلب، والغشاوة‌ على البصر، وفقدان الرؤية، قال تعالى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" (الجـاثية 23).

جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب العقائد: لما برز الاختلاف بسبب الهوى واقترن ذلك بتطور الحياة الإنسانية ووجود التعقيد والتركيب فيها واصبح الإنسان عاجزاً عن أن يقوم بمفرده ومن خلال عقله وفطرته عن حل المشكلات الصعبة والعميقة في حياته عندئذٍ حصل تطور جديد في الحياة الإنسانية، حيث تفضل الله سبحانه على عباده بإنزال الكتب والرسالات السماوية وإرسال الأنبياء، ليرشدوا هؤلاء الناس إلى طريق الهدى والصلاح، وليحكموا في الخلافات والنزاعات لهؤلاء الناس بالحق والعدل، كما تؤكد على ذلك الآية السابقة وغيرها من الآيات "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". وقد كان لهذا التطور الجديد أن يرتقي بالحياة الإنسانية في فهمها للحياة وللكون، وفي تشخيص معالم الفطرة في النفس الإنسانية وتوضيحها ضمن صيغ وقوانين محددة، كما تم تشخيص مواضع القسط والعدل، والظلم والجور، ومعالم الصلاح والفساد، والخير والشر، والحسنة والسيئة، والمعروف والمنكر، والأخلاق بجانبيها: المحمود والمذموم. وكما توضحت سبل وأساليب الارتباط بالله تعالى وعبادته وحمده وشكره وتسبيحه وتقديسه، كل ذلك من خلال الرسالات السماوية. وفي مقابل هذا التطور الجديد والضروري الذي يمثل الرحمة الإلهية تطور الامتحان والاختبار لهذا الإنسان، متناسقاً مع درجة التكامل الجديدة التي أخذ يواجهها هذا الإنسان. فحدث نوع جديد من الاختلاف، وهو: الاختلاف في العقائد الإلهية من خلال تأثير الهوى في الإنسان، حيث سيطر على سلوك بعض الناس، وتحول إلى إله يعبد من دون الله، فانحرف هذا الإنسان عن فطرته التي اختفت تحت ركام السيئات والذنوب والانحرافات والآثام والشهوات، الأمر الذي أدى إلى التمرد على الله تعالى، ورفض الإنسان الاستماع إلى نداءات الرسل والأنبياء في التوحيد الإلهي، أو في الإيمان بالوحي والرسالة، أو الإيمان بالمعاد والنشور، وحتى النداءات الأخلاقية والإصلاحية للمجتمع وللإنسان، في تحقيق العدل والقسط، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التحول في الأوضاع الإنسانية والبشرية، وهذا النوع من التمرد في مثل قوله تعالى: "أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون * وقالوا ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلاّ يظنون" (الجاثية 23-24).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك