مصطفى الهادي.
منذ مدة ارسل لي أحد الإخوة موضوع نشرته السيدة إيزابيل آشوري حول شخصية إيليا وقال بأنها نشرته اليوم بمناسبة ميلاد الإمام علي (ع) ، وسألني عن رأيي فيه ومدى صحة ما جاء في البحث وهل يوجد عندنا كمسلمين ما يؤيد ذلك.
بداية أقول : ليست السيدة إيزابيل أول من كتب عن شخصية علي ابن أبي طالب عليه السلام، ففي عالم اليهودية والمسيحية وفي عالم الاستشراق كتب الكثيرون عن شخصيته عليه السلام، مما لا حصر لهم. ولمعرفة المزيد عن ذلك مراجعة رسالة الماجستير للمؤرخ صباح محسن كاظم، وهي بعنوان (الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الفكر المسيحي).(1)
أقول للأخ السائل : ان ما كتبته السيدة آشوري من أن إيليا يتجسد في شخصية الإمام علي عليه السلام. يعضده حديث النبي الأعظم (ص) الذي يقول فيه : (بُعث علي مع كل نبي سرا، وبُعث معي جهرا).(2)
وكذلك حديث النبي الأعظم (ص) الذي يقول فيه : (يا علي إن الله أيد بك النبيين سرا وأيدني بك جهرا).(3)
وقد جاء عن علي ابن أبي طالب (ع) من أنه كان مع الانبياء وانه صاحب الكرّات كما في فى بصائر الدرجات عن سلمان الفارسي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال سمعته يقول (عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب والأسباب وفصل الخطاب وانا صاحب الميسم وانا الفاروق الأكبر (وانا صاحب الكرات) ودولة الدول فاسئلوني عما يكون إلى يوم القيامة وعما كان على عهد كل نبي بعثه الله).(4)
ولا أدري سبب عزوف السيدة آشوري عن طرح الشماس نوري إيشوع مندو لموضوع ايليا من وجهة نظر مسيحية فشوش فكر القارئ المسيحي بما قاله، ولكنه بنفس الوقت اعطى وصفا مبهرا لايليا ، فتارة يعتبره شخصا ولد في فترة ما في قوم ما وارتفع الى السماء بعاصفة نارية وتارة هو ذاك النور الذي رافق الأنبياء وأنجاهم وساعد المؤمنين على مر تاريخ البشرية وقد كتب الشماس نوري إيشوع مندو في موضوعه بعنوان: (تذكار إيليا النبي) . وقال كذلك نجد يسوع يتكلم عن إيليا المزمع أن يأتي بقوله : (فجميع الأنبياء قد تنبأوا وكذلك الشريعة، حتى يوحنا. فإن شئتم أن تفهموا، فهو إيليا المنتظر رجوعه) .(5)
من ذلك أقول لعلهُ ليس سر في أن الكثير من اليهود آمنوا على يد علي ابن أبي طالب عليه السلام في الكوفة وغيرها ذلك لأنهم يعرفونه أنه هو إيليا . وان حب النصارى وأشعارهم فيه وما كتبوه يؤكد هذه الحقيقة. ذلك لأن علماء اليهود والنصارى فهموا ذلك من خلال نصوص كثيرة لم يجدوا لها تفسيرا إلا في الإسلام في شخصية علي ابن أبي طالب (ع) وقد قال الإمام علي عليه السلام (أيها الناس .. لا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تُنكرون).(6) ومصداق ما يُنكرهُ الناس هو حديث النبي (ص) الذي يقول فيه : (يا علي كنت مع الأنبياء سرا ومعي جهرا). ومن هنا نرى الإمام علي عليه السلام يقول في أحد خطبه : (أنا الأول والآخر ...). (7) وهذا القول نجد لهُ مصاديق في الكتب المقدسة والتي لربما هي التي خلقت التشويش على هذه الشخصية الملكوتية الفريدة. والتي منها ما ورد في الكتاب المقدس قوله عن شخصية إيليا : ( داعيا الأجيال من البدء؟ أنا الأول، ومع الآخرين أنا هو).(8)
وكذلك قول الإنجيل : (أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر).(9)
السيد المسيح ومن أجل أن لا تختلط الأمور على الناس قام ببيان شخصية إيليا وأنه موجود وسوف يأتي في زمن آخر غير زمنه أيضا، وذلك عندما سألوه عن إيليا وهل هو إيليا؟ فقال لهم بكل وضوح : (جميع الأنبياء قد تنبأوا وكذلك الشريعة، حتى يوحنا. فإن شئتم أن تفهموا، فهو إيليا المنتظر رجوعه).(10)
من ذلك نستخلص أن شخصية إيليا وشخصية الإمام علي عليه السلام واحدة. وأن أكثر الحق فيما تُنكرون.
الأمر الآخر قول بعضهم إن إيليا هو إلياس، وفاتهم أن إسم إلياس جاء مذكورا مع عيسى ويحيى وزكريا في القرآن واختفى من التوراة والإنجيل ، وأنه نبي وليس وصي، ولولا أن القرآن ذكرهُ لضاع إسم إلياس مع بقية الأنبياء الذين اختفت أسمائهم من الكتب المقدسة.
يقول تفسير الكتاب المقدس : (يتساءل كثيرون عمّا إذا كان إيليّا المذكور في أسفار التوراة والزبور، بالإضافة إلى أسفار الأنبياء، هل هو إلياس؟ نقول أن شخصية إلياس متأخرة لأن كامل التوراة كُتِبَت قبل زمن عيسى المسيح بآلاف السنين. هذه الأسفار قد كتبها أنبياءٌ يهود، ولذلك هي ليست كتابات مسيحيّة حتى يكون إلياس معاصرا للسيد المسيح .وكان إيليا رجلًا ناسكًا شجاعًا وعلاقته قوية بالله، ولم يذكر الكتاب المقدس والده، أو عشيرته حتى ظن بعض اليهود أنه ملاك).(11)
اليهود والنصارى يعتقدون ان إيليا الذي ظهر في فترات زمنية متباعدة، فإنه كذلك سيأتي قبل المجيء الثاني للمسيح. يعني عندما يظهر مع القائم عجل الله تعالى فرجه ، مع كثير ممن أبقاهم الله أحياء لحكمة رآها، أمثال : إلياس والخضر وهما في الأرض ، وإدريس وعيسى وهما في السماء.(12)
ثم لماذا لا نقول أن إيليا هو السيد المسيح عيسى وذلك لوجود تشابه كبير في حياتهما ، ومن ذلك : أن عيسى أحيا الموتى ، وإيليا أحيا الموتى ، أن إيليا ارتفع إلى السماء ، وعيسى ارتفع إلى السماء. أن إيليا حيٌ يُرزق إلى يوم القيامة وسيأتي قبل السيد المسيح كما يقول في إنجيل متى 17 : 10 : (أجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولا ويرد كل شيء). وهذا ما تؤكده التوراة بقولها في سفر ملاخي 4 : 5 : (هانذا أرسلُ إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب ، اليوم العظيم والمخوف). وهذا ما نراه في عيسى فهو حيٌ يُرزق وسيأتي في آخر الزمان ليُمهد لمجيء شخصيات الظهور. كذلك أن عيسى مشى على الماء كما في الإنجيل، وإيليا أيضا اخذ ردائه وضرب الماء ومشى عليه وعبر. فبالأحرى أن يُقال أن إيليا هو عيسى نفسه. فالتشابه لا يعني شيئا كما يقول المجلسي أن إلياس هو إيليا لوجود تشابه بينهما في الأحداث.
فما هو الفرق بين إلياس وإيليا او شخصية الإمام علي (ع)؟
أما إلياس فهو نبي ومن المرسلين بنص القرآن (وإن إلياس لمن المرسلين).(13) وفي تفسير قوله تعالى : ( وإن إلياس لمن المرسلين ) يرى عبد الله بن مسعود إن إلياس هو إدريس .وفي مصحفه كتب : وإن إدريس لمن المرسلين وهذا قول عكرمة أيضا. وقال الآخرون : أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل. وقال ابن عباس : هو ابن عم اليسع .وقال محمد بن إسحاق : هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، وقيل ارسل إلى أهل بعلبك غربي دمشق) .(14)
وأما علي عليه السلام فهو ليس نبي كما اخبره بذلك النبي (ص). فقال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي. وهذا ما صرّح به الإمام علي نفسه في خطبته : (وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة. ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي). (15)
وبشهادة الإنجيل نفسه فإن الناس لم يفهموا شخصية إيليا حتى مع وجود المسيح نفسه بينهم ، ومع كثرة لغطهم حول شخصيته، حيث كان البعض يرى أن المسيح هو إيليا، سألهم السيد المسيح قائلا : (يسوع سأل تلاميذه قائلا: ماذا يقول الناس عنّي ؟فقالوا: يقول قوم: أنت يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرمياء أو واحد من الأنبياء).(16) فلم يكن أحد يعرف شخصية إيليا على وجه التحديد ، وحتى المسيح لم يقل لهم عن شخصية إيليا شيئا. ولذلك قال لهم السيد المسيح : (إن أردتم أن تقبلوا، فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي).(17) نافيا أن يكون هو إيليا وقوله: المزمع تعني مجيئه حتمي. وقد حضر فعلا والتقى بالسيد المسيح ولكنه حضر مع النبي موسى كما نقرأ في نفس الإنجيل في قصة التجلي : (وظهر إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع). (18) أما إلياس فقد عاش ومات في الموصل وقبره لا يزال هناك.
يقول القس انطونيوس فكري حول بقاء إيليا حيا وموت موسى: (إيليا لم يمت بينما موسى مات بالجسد وإيليا كان ناريًا الرجل الناري الملتهب بالغيرة. إيليا لم يُمت بل حيا مدى الأزمان ارتفع إلى السماء بجسده كما نقرأ : (وايليا بغيرته للشريعة رفع إلى السماء).(19)
وقال فكري أيضا : (قال بعض الناس عن المسيح أنه إيليا أو أحد الأنبياء. والتلاميذ الآن شهود حيث رأوا الفارق بين إيليا وموسى وبين المسيح. موسى الآن روح وقد ظهر بشكل نوراني، أمّا إيليا فقد ظهر بجسده لأنه لم يمت).(20)
وعلي ابن ابيض طالب عليه السلام تعرض لشتى أنواع المحن في حياته، فقد صبّت عليه أمته كل قساوتها، وهذا ما نراه يتجسد في شخصية إيليا حسب ما اخبر به السيد المسيح لقومه عندما سألوه : لماذا لا يأتي إيليا؟ فقال لهم : (أقول لكم : إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه).(21) ولربما نعذر الأمم التي فعلت ما فعلت بإيليا بسبب أنهم لم يعرفوه ، ولكن في الإسلام فقد عرفوا الإمام علي عليه السلام حق المعرفة ولكنهم أيضا (عملوا به كل ما أرادوا وزادوا على ما فعلوه بإيليا).
أن شخصية إيليا غير شخصية إلياس النبي . حيث أن أصل كل الروايات من التوراة والانجيل يعطيان فكرة مشوشة عن هذه الشخصية وباعتراف الكتب المقدسة حتى اليهود والنصارى لا يعرفون هذه الشخصية فهي غامضة عندهم. فلا أدري من أين جاء الجزم عند هؤلاء فيزعمون أن إيليا هو إلياس نفسه؟ وأنا أعتقد أن سبب هذا الخلط هو أن إيليا سار مع الزمن فهو يظهر مع بعثة كل نبي ليُساعده عند اشتداد المحن عليه. ومن هنا رأى الكثير من علماء الكتاب المقدس ونتيجة لحيرتهم أن إيليا ملك من الملائكة كما يقول المفسرون : (وكان إيليا رجلًا ناسكًا شجاعًا وعلاقته قوية بالله، ولم يذكر الكتاب المقدس والده، أو عشيرته حتى ظن بعض اليهود أنه ملاك).(22) وتحت عنوان : نبي الله إلياس من أنت؟ قال المفسرون : العلماء اختلفوا حول نسبه وهويته وهل مات أم بعث حيا.. مفسرون قالوا : هو إيليا نبي التوراة.. مؤرخون قالوا : إدريس أو الخضر ومن نسل هارون وموسى وابن عم اليسع. وبعضهم قال مستوحى من أسطورة فارسية.
أما المشهور عند الأمامية فإن إيليا هو أسم الأمام علي بالعبرانية ، وفي مناظرة الراهب مع علي(ع) بحضور أبي بكر عندما سأل الراهب علياً(ع): يا فتى ما أسمك؟ قال: اسمي عند اليهود(إيليا) وعند النصارى(إيليا) وعند والدي (علي) وعند أمي (حيدرة).(23)
وعن مقاتل عن عطاء في ـ تفسير ـ قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ).(24) كان في التوراة: يا موسى إني اخترتك واخترت لك وزيراً هو أخوك هارون لأبيك وأمك، كما اخترت لمحمد إيليا، هو أخوه ووزيره ووصيه والخليفة من بعده، طوبى لهما من أخوين وطوبى لهما من أخوين، إيليا أبو السبطين الحسن والحسين، ومحسن الثالث من ولده، كما جعلت لأخيك هارون شبراً وشبيراً ومبشراً.(25).
(لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون).(26)
المصادر :
1- رسالة الدكتور موجودة على الإنترنت.
2- انظر المصادر التالية : ابن أبي جمهور الإحصائي في المجلى ص 309 / أحمد الرحماني الهمداني في الإمام علي ص 86 / السيد هاشم البحراني في غاية المرام ج 3 ص 17 / شرح دعاء الجوشن ص: 104 ، وجامع الأسرار ص: 382 - 401 ح 763 - 804 والمراقبات ص: 259 / الإمام على بن أبى طالب عليه السلام ـ من حبه عنوان الصحيفة الفصل 6. السيد علي الميلاني في نفحات الأزهر ج 5 ص 111، 306 / حجة الإسلام محمد تقي شريف في صحيفة الأبرار ج 2 ص 39.
3- السيد هاشم البحراني في كتابه حلية الأبرار ج 2 ص 17 وفي كتابه مدينة المعاجز ج 1 ص 144.
4- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، الصفحة : 222. وللحديث طرق عدة.
5- كتاب تذكار إيليا النبي ، الشماس نوري يشوع مندو، وهو من الكتب الطقسية في الكنيسة الكلدانية.و: إنجيل متى 11: 13 ـ 15.
6- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع) ج1 ص : 154.
7- بحار الأنوار ، العلامة المجلسين ج42 ص : 189.
8- سفر إشعياء 41: 4.
9- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 22: 13.
10- إنجيل متى 11: 14.
11- انظر تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم تفسير: سفر الملوك الأول 17 .
12- البداية والنهاية لابن كثير ص : 274. ذكر قصتي الخضر وإلياس.
13- سورة الصافات آية : 123.
14- تفسير القرطبي : معنى الآية 123 من سورة الصافات.
15- نهج البلاغة: الخطبة ١٩٢، بحار الأنوار: ٦٣ / 264 / 147. وهذا وحده يكفي لنسف فكرة أن إيليا هو إلياس.
16- إنجيل متى 16 : 14.
17- إنجيل متى 11: 14 .
18- إنجيل مرقش 9: 4.
19- سفر المكابيين الأول 2: 58.
20- شرح الكتاب المقدس ، العهد الجديد. القمص أنطونيوس فكري تفسير إنجيل متى : 17.
21- إنجيل متى 17 : 12.و إنجيل مرقص 9 : 13.
22- انظر تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم تفسير: سفر الملوك الأول 17.وممن قال أن إلياس هو إيليا المجلسي حيث قال : (لا يبعد اتحاد إلياس وإليا لتشابه الاسمين والقصص المشتملة عليهما).بحار الأنوار، العلامة المجلسي ، ج13 صفحة: 400. المجلسي هنا غير متأكد وذلك لقوله (لا يبعد). ثم تشابه أو تقارب الاسمين ليس دليل على انهما شخص واحد.
23- الاحتجاج ـ للشيخ الطبرسي ج1/208.
24- سورة البقرة:87.
25- غاية المرام ج1ص :238.
26- سورة الزخرف آية : 78.
https://telegram.me/buratha