الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن الإمام العسكري عليه السّلام أنّه قال: (جعلت الخبائث كلها في بيت و جعل مفتاحها الكذب). فالعلاقة بين الكذب و بقية الذنوب تتلخص في كون الكاذب لا يتمكن من الصدق، لأنّه سيكون موجبا لفضحه، فتراه يتوسّل بالكذب عادة لتغطية آثار ذنوبه. و بعبارة أخرى: إنّ الكذب يطلق العنان للإنسان للوقوع في الذنوب، و الصدق يحدّه. ويقول الشيخ الشيرازي: شاع السحر في أرض بابل و أدّى إلى إحراج النّاس و ازعاجهم، فبعث اللّه ملكين بصورة البشر، و أمرهما أن يعلما النّاس طريقة إحباط مفعول السحر، ليتخلصوا من شرّ السحرة. كان الملكان مضطرين لتعليم النّاس اصول السحر، باعتبارها مقدمة لتعليم طريقة إحباط السحر. واستغلت مجموعة هذه الأصول، فانخرطت في زمرة الساحرين، و أصبحت مصدر أذى للناس. الملكان حذرا النّاس حين التعليم من الوقوع في الفتنة، و من السقوط في حضيض الكفر بعد التعلم، لكن هذا التحذير لم يؤثّر في مجموعة منهم. و هذا الذي ذكرناه ينسجم مع العقل و المنطق، و تؤيده أحاديث أئمّة آل البيت عليهم السّلام منها ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا (و قد أورده في أحد طرقه عن الإمام الرضا عليه السّلام في طريق آخر عن الامام الحسن العسكري عليه السّلام). وعن ابليس يقول الشيخ الشيرازي في تفسيره: و عبارة "كانَ مِنَ الْكافِرِينَ" (البقرة 34) تشير إلى أن إبليس كان قبل صدور الأمر الإلهي إليه بالسجود، قد انفصل عن مسير الملائكة و طاعة اللّه، و أسرّ في نفسه الاستكبار و الجحود. لعله عزم في قرارة نفسه أن لا يخضع لو صدرت إليه أوامر بالخضوع و السجود. و من المحتمل أن تكون عبارة "ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" (البقرة 72) إشارة إلى ذلك. و ورد هذا المعنى في حديث عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام. قال إبليس (لئن أمرني اللّه بالسّجود لهذا لعصيته إلى أن قال: ثمّ قال اللّه تعالى للملائكة: اسجدوا لآدم فسجدوا فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد).
ذكر الشيخ ناصر الشيرازي في تفسيره: قال الله سبحانه وتعالى "وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10)" (الفرقان 7-10) سبب النّزول: في رواية عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، أنّه قال: قلت لأبي علي بن محمد عليهما السّلام: هل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يناظر اليهود و المشركين إذا عاتبوه و يحاجّهم؟ قال: مرارا كثيرة و ذلك أنّ رسول اللّه كان قاعدا ذات يوم بفناء الكعبة، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أمية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادّعيت دعوى عظيمة، و قلت مقالا هائلا، زعمت أنّك رسول ربّ العالمين، و ما ينبغي لربّ العالمين و خالق الخلق أجمعين أن يكون مثلك رسوله بشرا مثلنا، تأكل كما نأكل و تمشي في الأسواق كما نمشي، فقال رسول اللّه: اللّهمّ أنت السامع لكل صوت، و العالم بكلّ شيء، تعلم ما قاله عبادك فأنزل اللّه عليه: يا محمد: "وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ" (الفرقان 7) إلى قوله تعالى "وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً" (الفرقان 10).
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه عن الامام الحسن بن علي العسكري الامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام: في كتاب (تلخيص الأقوال) عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام قال: (إنّ قنبر مولى أمير المؤمنين علي عليه السّلام أدخل على الحجاج، فقال: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ قال: كنت أوضيه، فقال له: ماذا يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: "فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الانعام 44-45) فقال الحجاج: أظنّه كان يتأولها علينا؟ قال: نعم).
https://telegram.me/buratha