مصطفى الهادي.
بعد أن عجز اليهود النيل من عيسى (ع) بعد أن أنقذهُ الله منهم ، اتجهوا نحو رسالته ، وقد بدأت ملامح رسالته بالانتشار التدريجي، فأوعزوا إلى حاخامهم الأكبر (بولص شاول الطرسوسي) بأن يندسّ في صفوفهم ويدّعي نيابة السيد المسيح ، ليقوم باتلاف أو تحريف ما تبقى من الإنجيل وكتابة إنجيل بديل. وهذا ما حصل ، حيث انتظر بولص ذهاب السيد المسيح ، فظهر زاعما أن الله بعثه، وأن السيد المسيح ظهر له وأمرهُ أن يقوم بالتبليغ في ديانته.(1) وبعد أن تمكن بولص من إحكام بدعته ظهر للمسيحية بقاعدة (الحرفَ يَقتُلُ). فقال في أولى رسائله التي سطرها في إنجيله المزعوم المليء بالخزعبلات قائلا : (نكون خدام عهد جديد ــ ويقصد بذلك رسالته وإنجيله ــ لا الحرف بَل الروح. لأن الحرف! يَقتُلُ).(2)
ومن أجل تمرير مشاريعه الخبيثة كتب في نفس الفصل مادحا نفسه ومعتبرها الوحيدة الكفوءة التي تصلح أن تنشر ديانة السيد المسيح فبعد أن يطرح السؤال على الناس: (من هو كفوءٌ لهذه الأمور). (3) يُجيب بولص متفاخرا : (أن الله جعلهُ هو والعاملين معهُ كفاة أن يكونوا خداما لعهد جديد). وبذلك نسف بولص وجود الإثنا عشر حواريا الذين أرسلهم السيد المسيح للتبليغ كما نقرأ في الإنجيل: (ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السماوات).(4)
سبب قيام بولص بوضع نظرية (الحرفَ يَقتُلُ).هو للقضاء على كلمات الوحي المحذرة من الأدعياء والذين قال عنهم السيد المسيح محذرا : (احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة ، من ثمارهم تعرفونهم).(5) فبولص أول نبي كذاب ادعى ما ليس له وابتدع دينا جديدا. وهذا نفسه تكرر في الإسلام حيث قام النبي (ص) محذرا أمته من كثرة الكذابين في زمنه وبعده، حيث انتشر الكذب عليه وهو بعد حي يُرزق، عن الإمام علي عليه السلام قال : (وقد كذب على رسول الله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس، قد كثرت الكذابة علي فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعد).(6)
مما تقدم نفهم أن بعض الأمور الخطيرة التي جرت في الأمم السابقة تكررت في الإسلام وكأن بعض المسلمين ينسخون أفعال اليهود والنصارى. والتي منها إنكار وجود اثنا عشر مبلّغا عينهم السيد المسيح (ع)، فقام بولص بإنكارهم دفعة واحدة واعتبر نفسه واتباعه هم أهلا للثقة. وكذلك مزاعم بولص في نظريته بأن (الحرف يقتل).أي أن قوله وقول أصحابه ناقض للإنجيل وقاض عليه. فبينما نرى السيد المسيح يقول : (تزول السماء والأرض ولا يزول حرف من الناموس).(7) وهذا رأيناه بكل وضوح في ممارسات أقرب المقربين من صحابة النبي حيث أنكروا وجود اثنا عشر إماما أوصى بهم النبي محمد (ص). وكذلك أشاعوا حديث (أن السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنة). ( 8 ) فقال علمائهم: (وحذّاق الأئمة من أهل السنة متفقون على أن القرآن يُنسخ بالسنة).(9)
وهكذا أصبحت مرويات بولص هي المهيمنة على الإنجيل وقاضية عليه ، كما أن الصحابة بعد النبي في قولهم بأن السنة قاضية على القرآن أعطوا لمروياتهم وموضوعاتهم السيادة المطلقة على كتاب الله حتى لم يعد له دور في حياة المسلمين إلا عبر هذه السنة التي اختلط فيها الحابل بالنابل. فبدل أن يرجع أهل السنة بالحديث للقرآن ليعرضوه عليه، رجعوا بالقرآن إلى الحديث، فأصبحت السنة معول هدم بيد المنافقين والأدعياء ووسيلة من وسائل التلاعب بالدين، وهذا ما رأيناه يجري على أيدي السلفية والوهابية و العصابات الإجرامية الإرهابية.
ولا ندري كيف تكون السنّة قاضية على القرآن والأحاديث متظافرة على خلاف ذلك، لما ورد عن النبي (ص) في مرويات السنّة والشيعة، أنه قال : (إذا روي حديث عني فاعرضوه علي كتاب الله فإذا وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه).(10) وفي روايات الشيعة ورد عنه (ص) أنه قال : (يا أيها الناس ما جاءكم عني يوافق القرآن فأنا قلته، وما جاءكم عني لا يوافق القرآن فلم أقله).(11)
المصادر:
1- (رأيت نورا من السماء أفضل من لمعان الشمس، سمعت صوتا يكلمني : شاول شاول! أنا يسوع الذي أنت تضطهده قم وقف ظهرت لك لأنتخبك خادما وشاهدا إلى الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم).() .أعمال الرسل 26 : 13 ــ 17.
2- كورنثوس 3 : 6.وهذا ما قاله بولص بكل وضوح : (اليوم الذي يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي). رومية 2 : 16.فأين إنجيل المسيح؟
3- كورنثوس 2 : 16.
4- إنجيل متى 10: 1 ــ 7.
5- إنجيل متى 7 :15.
6- الاعتقادات في دين الإمامية - الشيخ الصدوق - الصفحة ١١٨.
7- إنجيل متى 5 : 18.
8- سنن الدارمي باب السنة قاضية على كتاب الله رقم الحديث:588 .
9- تفسير القرطبي تفسير سورة البقرة (ما ننسخ من آية أو ننسها).
10- الرسالة، محمد بن إدريس الشافعي ص : 224.المصيبة التي وقع بها أهل السنة أنهم كلما عرضوا بعض أحاديثهم على القرآن لا يجدون لها تطابقا ولا أي اثر ، فأوقعهم ذلك في مشكلة، ولذلك قالوا بأن حديث النبي في عرض حديثه على القرآن حديث باطل، وتشددوا في ذلك، وكفّروا من يقول بذلك. يقول ابن حزم : (وأن امرأ قال : لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن، لكان كافرا بإجماع الأمة).كتاب الأحكام ، ابن حزم ، ج2 ص : 79. كل ذلك لأنهم لم يستطيعوا أن يقوموا بتحريف القرآن ، فعمدوا إلى السنة فوضعوا فيها مئات الألوف من الأحاديث التي تناقض القرآن وتقضي على الكثير من أحكامه.
11- بحار الأنوار ، المجلسي ج 2 ، صفحة: 24.
https://telegram.me/buratha