الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (هلل) "الأهلة" (البقرة 189) جمع هلال، يقال للهلال في أول ليلة إلى الثالثة: هلال، ثم يقال: القمر إلى آخر الشهر، قال أبو العباس: إنما سمي هلالا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالاخبار عنه، وقوله: "أهل لغير الله به" (المائدة 4) (الأنعام 145) (النحل 115) أي ذكر عند ذبحه اسم غير الله، وأصل الاهلال: رفع الصوت. وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة 189) "يسألونك" يا محمد "عن الأهلة" جمع هلال لمَ تبدو دقيقة ثم تزيد حتى تمتلئ نورا ثم تعود كما بدت ولا تكون على حالة واحدة كالشمس، "قل" لهم "هي مواقيت" جمع ميقات "للناس" يعلمون بها أوقات زرعهم ومتاجرهم وعُدد نسائهم وصيامهم وإفطارهم، "والحج" عطف على الناس أي يعلم بها وقته فلو استمرت على حالة لم يعرف ذلك، "وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها" في الإحرام كغيره بأن تنقبوا فيها نقبا تدخلون منه وتخرجون وتتركوا الباب وكانوا يفعلون ذلك ويزعمونه برّا، "ولكنَّ البرَّ" أي ذا البِر "من اتقى" الله بترك مخالفته، "وأتوا البيوت من أبوابها" في الإحرام، "واتقوا الله لعلكم تفلحون" تفوزون.
عن كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي: توهم أن تعلم الاحكام الشرعية واجب بدعوى استفادته من مثل ما ورد: من أن طلب العلم فريضة وقوله عز من قائل: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل 43) وغيرهما مما يمكن الاستدلال به على هذا المدعى كما ذهب إليه الاردبيلى قدس سره وتبعه بعض المتأخرين إلا أنا بينا في محله أن تعلم الاحكام ليس بواجب نفسي وانما التعلم طريق إلى العمل ومن هنا ورد في بعض الاخبار أن العبد يؤتى به يوم القيامة فيقال له: هلا عملت؟ فيقول ما علمت فيقال له هلا تعلمت؟ جاء في کتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم عن نصائح وتوجيهات للمغتربين: إن من أعظم الواجبات وآكدها التفقه في الدين، وتعلم أحكامه في العقائد والعمل، فقد حثّ الشارع الأقدس على ذلك مؤكد. قال الله تعالى: "فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل 43)، وقال عز من قائل: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" (التوبة 122). وفي نصوص كثيرة أن طلب العلم فريضة على المسلمين. وفي صحيح مسعدة بن زياد: (سمعت جعفر بن محمد عليهم السلام وقد سئل عن قوله تعالى: "فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة " (الانعام 149) فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: أكنت عالم؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟ وإن قال: كنت جاهل، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه. وذلك الحجة البالغة).
تكملة للحلقة السابقة عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ ويستفاد ذلك من خصوص الجواب: "قل هي مواقيت للناس والحج"، فإن المواقيت وهي الأزمان المضروبة للأفعال، والأعمال إنما هي الشهور دون الأهلة التي ليست بأزمنة وإنما هي أشكال وصور في القمر. وبالجملة قد تحصل أن الغرض في السؤال إنما كان متعلقا بشأن الشهور القمرية من حيث السبب أو الفائدة فأجيب ببيان الفائدة وأنها أزمان وأوقات مضروبة للناس في أمور معاشهم ومعادهم فإن الإنسان لا بد له من حيث الخلقة من أن يقدر أفعاله وأعماله التي جميعها من سنخ الحركة بالزمان، ولازم ذلك أن يتقطع الزمان الممتد الذي ينطبق عليه أمورهم قطعا صغارا وكبارا مثل الليل والنهار واليوم والشهر والفصول والسنين بالعناية الإلهية التي تدبر أمور خلقه وتهديهم إلى صلاح حياتهم، والتقطيع الظاهر الذي يستفيد منه العالم والجاهل والبدوي والحضري ويسهل حفظه على الجميع إنما هو تقطيع الأيام بالشهور القمرية التي يدركه كل صحيح الإدراك مستقيم الحواس من الناس دون الشهور الشمسية التي ما تنبه لشأنها ولم ينل دقيق حسابها الإنسان إلا بعد قرون وأحقاب من بدء حياته في الأرض وهومع ذلك ليس في وسع جميع الناس دائما. فالشهور القمرية أوقات مضروبة معينة للناس في أمور دينهم ودنياهم وللحج خاصة فإنه أشهر معلومات، وكان اختصاص الحج بالذكر ثانيا تمهيد لما سيذكر في الآيات التالية من اختصاصه ببعض الشهور.
تكملة للحلقة السابقة جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿البقرة 189﴾ هذا التقويم الطبيعي ميسور لجميع البشر متعلّمهم وأمّيّهم، في جميع بقاع الأرض، وبموجبه يمكن تعيين أوّل الشهر ووسطه وآخره، بل كلّ يوم من أيّامه بدقّة. وواضح أنّ نظام الحياة الإجتماعية يحتاج إلى تقويم، أيْ إلى وسيلة تعيّن التاريخ الدقيق، ومن هنا وضع الله سبحانه هذا التقويم الطبيعي للناس في كلِّ زمان ومكان. من امتيازات قوانين الإسلام أنّ أحكامه قائمة عادةً على المقاييس الطبيعية لأنّ هذه المقاييس متوفّرة لدى جميع الناس، ولا يؤثّر عليها مرور الزمان شيئاً. أمّا المقاييس غير الطبيعية فليست في متناول يد الجميع ولم يستطع جميع البشر حتّى في زماننا هذا أن يستفيدوا من مقاييس عالمية موحّدة. لذلك نرى أنّ المقياس في الأحكام الإسلامية يقوم في الأطوال على أساس الشبر والخطوة والذراع والقامة، وفي الزمان على غروب الشمس وطلوع الفجر وزوال الشمس ورؤية الهلال. وهنا يتّضح امتياز الأشهر القمريّة عن الشمسيّة، فبالرغم من أنّ كلاً منهما يترتّب على حركات الكواكب السماويّة، ولكنّ الأشهر القمريّة قابلة للمشاهدة من الجميع، في حين أنّ الأشهر الشمسيّة لا يمكن تشخيصها إلاّ بواسطة المنجميّن وبالوسائل الخاصّة لديهم، فيعرفون مثلاً أنّ الشمس في هذا الشهر سوف تقع في مقابل أيّ صورة فلكيّة وأيّ برج سماوي. وهنا يُطرح هذا السؤال: هل أنّ الأشخاص الّذين سألوا عن الأهلّة كان هدفهم هو الاستفسار عن فائدة هذه التغيّرات، أو السؤال عن كيفيّة ظهور الهلال وتكامله إلى مرحلة البدر الكامل؟ ذهب بعض المفسّرين إلى الإحتمال الأوّل، والبعض الآخر ذهب إلى الثاني وأضاف: بما أنّ السؤال عن الأسباب وعلل التغييرات ليست ذات فائدة لهم ولعلّ فهم الجواب أيضاً سيكون عسيراً على أذهانهم، فلهذا بيّن القرآن النتائج المترتبّة على تغييرات الهلال لكي يتعلّم الناس أن يتوجّهوا دوماً صوب النتائج. ثمّ أنّ القرآن أشار في ذيل هذه الآية وبمناسبة الحديث عن الحجّ وتعيين موسمه بواسطة الهلال الّذي ورد في أوّل الآية إلى إحدى عادات الجاهليّين الخرافيّة في مورد الحجّ ونهت الآية الناس عن ذلك، حيث تقول: "ولَيسَ البرُّ بأنْ تُؤْتوا البُيوتَ مِنْ ظُهورها ولكنَّ البِرَّ مَنِ اتّقى وأتوا البُيوتَ مِن أبْوابِها واتّقُوا الله لَعلّكُمْ تُفْلِحوُن" ﴿البقرة 189﴾.
https://telegram.me/buratha