الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب الصوم للسيد مصطفى الخميني: الفصل الثاني عشر في الصور التي يصح فيها الصوم مع اختلاف وقت النية فيها لا شبهة ولا خلاف في أنه إن نوى صوم شهر رمضان مثلا، أو صوم الشهر المنذور المعين، ثم جدد النية عند الطلوع ثانيا، يصح صومه. وأيضا لا إشكال فيما إذا نوى في الصوم الواجب غير المعين عند الطلوع. وإنما الخلاف في بعض صور المسألة، وإليك نبذة منها مما يهم البحث عنها: الصورة الاولى: أن ينوي في مثل شهر رمضان لكل يوم على حدة كما إذا نوى اليوم الاول فقط، والثاني، والثالث، وهكذا في يومه، من دون أن يكون في نيته صوم الشهر، بل ينوي لكل يوم على حدة حتى يتراكم النيات حسب الايام من أول الشهر، كالعام الاستغراقي، فإنه صحيح عند المشهور، وعن المنتهى الاجماع عليه. إلا أنه نسب إلى الشهيد الثاني المناقشة فيه، ومنشأها أن شهر رمضان عبادة وحدانية تحتاج إلى نية واحدة، وقصد فارد. ويشهد له قوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة 185) ويؤيده ما في ذيل الاية الشريفة، من الترخيص في الجماع في الليل والاكل والشرب إلى أن يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (البقرة 187). أن قوله تعالى: "من شهد منكم الشهر فليصمه" (البقرة 185) يدل بإطلاقه على وجوب الامساك ليلا ونهارا، وأما ما هو الممسك عنه، فالذي يظهر من الكتاب والسنن السابقة: أن الامساك عن الطعام والشراب والنساء كان معهودا في الصوم، بل كان الكلام في بعض أقسام الصيام معهودا، وقد مر ما يتعلق به في بحوث النية، فإذا ورد الامر بالصوم كان الامساك عن الثلاثة غير محتاج إلى التذكر والبيان، ولكنه تبين حدود الامساك زمانا بفعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبا لكتاب حيث قال: "احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" (البقرة 187) فإنه يظهر من التحليل أن الامر بالصيام بإطلاقه كان يشمل ترك النساء ليلا ونهارا، فلرفع الوهم احل في الليل، فوجوب الامساك عنه في النهار باق تحت الاية صدرا. نعم، لو قلنا: بأن الليل إلى طلوع الشمس، يلزم جواز الجماع في الصوم المقطوع عدمه، ولكنه قول غير تام، كما تحرر في محله. وأما ما في كلمات الفقهاء من الاستدلال بذيل الاية، وأن قوله تعالى: "حتى يتبين لكم الخيط الابيض" (البقرة 187) غاية لقوله تعالى: "فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا" (البقرة 187) فيلزم منه ممنوعية الجماع في النهار، فهو غير مبرهن، ضرورة أن رجوع الغاية إلى الجمل الاربع، منوط بكون المراد من قوله تعالى: "وابتغوا ما كتب الله لكم" (البقرة 187) هي مباشرة النساء، وهذا - مضافا إلى عدم الشاهد عليه - تكرار. مع أن الظاهر أنه إشارة إلى قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام" (البقرة 183) فإنه بعد الترخيص بالجماع والمباشرة، أمر بأن يبتغوا ما كتب عليهم، وهو الصوم نهارا، فتكون الغاية أجنبية عنه. واختصاص الغاية بالجملة الاولى والثالثة والرابعة، يحتاج إلى الدليل، كما هو الظاهر. وبالجملة تحصل: أن استفادة ممنوعية الجماع نهارا من الاية ممكنة جدا، من غير الحاجة إلى الرجوع إلى بعض الاخبار الاتية. مع أن فيها شهادة على أن قوله تعالى: "كلوا واشربوا" (البقرة 187) نزل مستقلا، وذاك معتبر أبي بصير المرادي المتضمن لشأن نزول الاية، وأن رجلا يسمى خوات بن جبير الانصاري، وكان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخندق وهو صائم، فأمسى وهو على تلك الحال، وكانوا قبل أن تنزل هذه الاية إذا نام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب، فجاء خوات إلى أهله حين أمسى فقال: هل عندكم طعام؟ فقالوا: لا تنم حتى نصلح لك طعاما، فاتكأ فنام. فقالوا له: قد غفلت؟ قال: نعم، فبات على تلك الحال. فأصبح ثم غدا إلى الخندق، فجعل يغشى عليه. فمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأى الذي به أخبره كيف كان أمره، فأنزل عزوجل فيه الاية: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم" (البقرة 187). كان رجل من الصحابة يعرف بمطعم بن جبير شيخا كبيرا وفي الذيل ذكر أن بعد هذا وذاك نزل قوله تعالى: "احل لكم ليلة الصيام" (البقرة 187) إلى قوله: "من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل" (البقرة 187) ولا تنافي بين الخبرين، لان الثاني جمع بين الامرين في الحكاية، والاول يدل على اختلافهما في النزول، فتأمل.
عن کتاب مستند تحرير الوسيلة اللسيد مصطفى الخميني: يظهر من صحة الصلاة مثلا فيما إذا أخطأ في النية، أن عنوان القضاء والاداء ليس ذا ملاك، بل هو لمجرد تكثير الامر تأسيسا، وتعدد الامر النفسي المستتبع للعقوبة والمثوبة الخاصتين، فعلى هذا يكفي في قضاء الصوم نفس الطبيعة الفارغة مادامت لم تقيد بقيد القضاء، بل قضية القاعدة سقوط الامرين. هذا، ولو كان القضاء بعنوانه مورد الامر، كما هو كذلك في مثل صلاة والنذر المطلق، الولد الاكبر، أو في الصلاة على القول به، ولكنه في ما نحن فيه مشكل، لظهور الكتاب في جعل عدة أيام اخر "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (البقرة 185)، فلو صام كذلك، يقع عن رمضان قهرا، ولاسيما إذا لم يكن عليه شئ من الصيام، ولم يكن قاصدا للندب وللعنوان الخاص، فعنوان قضاء رمضان كأنه غير لازم.
وعن كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني: تجلّي الرّحمة بصورة الغضب: وغير خفيٍّ: أنّ من تجليّات تلك الرّحمة الإلهيّة ما هو في صورة الغضب والانتقام، وهو في الدنيا كجعل القوانين النّظاميّة السّياسيّة, ولذلك قال: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ" (البقرة 179)، وفي الآخرة كجعل النّار والميزان لتخليص الأفراد الأراذل من الخبائث والأنجاس النّفسانيّة, فإنّها من قبيل رفقاء السّوء وجلساء الذّموم في تنفّر الطباع عنها والاشمئزاز منها.
جاء في کتاب الصوم للسيد مصطفى الخميني: مقدمة في تعريفه والبحث حوله يقع في جهات: الجهة الاولى: في مفاده اللغوي فقد اشتهر: أنه الامساك عن أشياء أو أنه إمساك ما وهما يرجعان إلى واحد، فما في القاموس والمصباح ليسا مختلفين. وعن ابن دريد: كل شئ سكنت حركته فقد صام صوما. وهذا غير صحيح إلا إذا اريد منه أنه كان فيه اقتضاء الحركة فسكنت، وإلا فهو يخالف الامساك، كما لا يخفى. وبالجملة: تفسيره بالامساك شائع في اللغة والكتب. في سورة البقرة في آيات الطلاق "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف" (البقرة 229). وهكذا قوله: (فأمسكوهن). وقوله: "ولا تمسكوهن ضرارا" (البقرة 231). وينحل: بأن الامساك المتعدي بنفسه، هو المراد في الكتاب في الموارد المزبورة، وهو بمعنى الحبس والمنع، والمتعدي ب عن هو المراد من الصوم، كما في الاقرب والصوم بالفارسية (خودداري) والامساك (بازداشتن) والامر بعد ذلك سهل. الجهة الثانية: في مفاده الاصطلاحي قد عرف في عرف الفقهاء بتعاريف كثيرة غير خالية من الاشكال، بل والاشكالات. والذي هو المعروف بينهم: أنه الامساك عن المفطرات قربة لله تعالى. أو هو الكف. أو هو التوطين والحبس أي حفظ النفس عن المفطرات المعينة في الشرع. وأنت خبير: بأن هذه التعابير إذا كانت لافادة المعنى الشرعي، فلابد من أخذ الزمان الخاص فيه، وإلا فهذا ينطبق على الامساك في الليل، أو في بعض النهار. ولاجله عدل في التذكرة فقال: وشرعا الامساك عن أشياء مخصوصة من أول طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس انتهى. وهو خال عن قيد القربة. ومع اشتماله عليه ربما يشكل: بأن الزمان ليس داخلا في ماهيته، كما في عبارات جمع، لان حقيقته هو الامساك عنها، سواء كان في الزمان، أو أمكن ذلك بلا زمان. نعم، يعتبر شرعا كون الامساك عنها في الزمان الخاص، وهذا هو الظاهر من قوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل" (البقرة 187) فإن ظاهره أخذ الزمان ظرفا وخارجا عن ماهيته. أقول: لاشبهة في أن لفظ الصوم كسائر الالفاظ، موضوع للمعنى الاعم على ما تقرر، ولكن ذلك لا يستلزم كون المعنى الاعم مرادفا للمعنى العرفي واللغوي، فيكون على هذا عند الشرع، موضوعا للمعنى الاخر الاعم من الصحيح والفاسد، كما هو الظاهر والواضح، وعليه لابد من التفتيش عما هو داخل في حقيقته وما هو لاحق بها شرعا وشرطا. والذي هو الاظهر عندنا: أن الصوم ليس الزمان مقوما لماهيته، بل الزمان أمر لاحق بها، وشرط شرعي ملحق به. ويدل عليه: صحة صوم من كان يريد السفر قبل الزوال، فإنه لو كان متقيدا في ماهيته بذلك، كان ينبغي أن يعد باطلا إذا بدا له البقاء في محله.
https://telegram.me/buratha