الصفحة الإسلامية

من هو اعلم الناس بعد النبي؟؟


طاهر باقر

لانقول كما قالت الامم السابقة لقد ألفينا آباءنا على هذا ونحن على دربهم ماضون بل نشد الرحال عبر صفحات التاريخ لنكتشف الحقيقة، نحقق وندقق ونبحث عن الاسئلة الحائرة التي لانملك لها جوابا، فالتاريخ نفسه يتحدث الينا وشخصياته تكلمنا بلهجة عربية فصيحة وكل هذا وذاك سيساعدنا في حل ألغاز التاريخ والكثير من الامور المعقدة التي لانحصل عليها جوابا في هذه الايام!

والاستفهام الذي يطرق اذهاننا كل حين هو من نتبع بعد النبي ومن هو اعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ولو توجهنا بهذا الاستفهام الى مشارق الارض ومغاربها سنحصل على اجابات مختلفة ومتضاربة في احيان كثيرة؛ لكننا اذا عدنا الى التاريخ سنجد انه يقدم لنا الجواب الشافي بل الشخصيات التاريخية نفسها تتحدث بطلاقة حول هذا الموضوع، وسنجد انه افضل من يستطيع ان يجيبنا عليه هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تحدث بوضوح عن هذا الموضوع وهو يقول " أعلم أمتي من بعدي علي بن ابي طالب". (1)

وربما لانحتاج لاثبات هذه المسالة الى كثير من الادلة بل علينا ان نغوص قليلا في بحر التاريخ لنتقصى الوقائع ونستطلع آراء الصحابة حول هذا الموضوع، فالشيئ الذي لايمكن انكاره ويعرفه الجميع هو ان الامام علي عليه السلام هو ربيب رسول الله وان نبي الاسلام كان مرشده وهذا بحد ذاته كافٍ للدلالة على تقدمه على بقية البشر في العلم والمعرفة ومن يكون معلمه النبي الاعظم لايعقل ان يتقدمه احد خاصة اذا عرفنا انه قد فتح عليه ابوابا من العلم ما إن يفتح واحدة حتى تفتح له الألف من امثالها ونقل عن أبي جعفر عليه السلام قال "إن رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليا بابا يفتح كل باب ألف باب" (2) حتى قال رسول الله في ذلك " أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه " (3).

هناك عشرات الاحاديث بخصوص تقدم الامام علي عليه السلام في العلم وباقي الامور لكننا نريد ان نستكشف هذا الامر من خلال مجريات الواقع ومعايشة الصحابة للاحداث وحاجة الامة للمرشد الذي لو لم يكن لترك فراغا في الفكر والثقافة بل في احكام الدين خاصة عندما يقع الصحابة في المطبات ويكون الامام علي عليه السلام هو المنقذ لهم حماية ودفاعا عن دين الله، سندع التاريخ هو الذي يحدثنا برواياته وهو الذي يجيبنا عن الاستفهام الذي نحن فيه!!

يقول حبشي بن جنادة : كنت جالسا عند أبي بكر فأتاه رجل فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعدني أن يحثو لي ثلاث حثيات من تمر ( الحثى: ما غرف باليد من التراب وغيره) فقال أبو بكر: ادعو لي عليا، فجاءه علي عليه السلام فقال أبو بكر: يا أبا الحسن إن هذا يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وعده أن يحثو له ثلاث حثيات من تمر فاحثها له فحثا له ثلاث حثيات من تمر، فقال أبو بكر: عدوها فوجدوا في كل حثية ستين تمرة، فقال أبو بكر: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته ليلة الهجرة ونحن خارجون من مكة إلى المدينة يقول: يا أبا بكر كفي وكف علي في العدل سواء. (4)

وللامام علي عليه السلام مواقف كثيرة مع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب حتى قال القرطبي وابن حزم إن عمر قال لعلي "مازلت كاشف كل كرب وموضح كل حكم"، وقال له يوماً "لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن" ومما ذكره رقبة بن مصقلة بن عبد الله بن حوية العبدي، عن أبيه، عن جده قال: أتى عمر ابن الخطاب رجلان يسألان عن طلاق الأمة، (الأمة هي الجارية، امرأةٌ مملوكة) فالتفت إلى خلفه فنظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أصلع ما ترى في طلاق الأمة؟ فقال بأصبعه هكذا - وأشار بالسبابة والتي تليها - فالتفت إليهما عمر وقال: ثنتان، فقالا: سبحان الله جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك فجئت إلى رجل سألته والله ما كلمك، فقال عمر: تدريان من هذا؟ قالا: لا، قال: هذا علي بن أبي طالب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لو أن السماوات السبع والأرضين السبع وضعتا في كفة ووضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي عليه السلام. (5).

وعن يزيد بن الأصم قال: سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين ما تفسير " سبحان الله "؟ قال: إن في هذا الحائط (الحائط : بستان) رجلا كان إذا سئل أنبأ وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا أبا الحسن ما تفسير " سبحان الله "؟ قال: هو تعظيم جلال الله عز وجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك .(6)

لقد كان الصحابة والمسلمون كافة يعلمون يقينا ان عليا هو اعلمهم وهو الحلال لمشاكلهم، وكلما وقعوا في مصيبة او مأزق ذهبوا اليه ليخلصهم من الورطة التي هم فيها ، ومما رواه الحكم بن مروان أن عمر بن الخطاب نزلت قضية في زمان خلافته فقام لها وقعد وارتج لها (ارتج: اضطرب) ونظر من حوله فقال: معاشر الناس والمهاجرين والأنصار ما تقولون في هذا الامر؟ فقالوا: أنت أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله والامر بيدك، فغضب من ذلك وقال: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " ثم قال: والله لنعلمن من صاحبها ومن هو أعلم بها، فقالوا: يا أمير المؤمنين كأنك أردت ابن أبي طالب؟ قال: أنى نعدل عنه وهل لقحت حرة بمثله؟ قالوا: نأت به يا أمير المؤمنين؟ قال: هيهات هناك شيخ من هاشم ونسب من رسول الله صلى الله عليه وآله ولا يأتي، فقوموا بنا إليه، قال: فقام عمر ومن معه وهو يقول: " أيحسب الانسان أن يترك سدى (ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى) ودموعه تجري على خديه قال: فأخمش القوم لبكائه، (اخمش وجهه: خدشه ولطمه) ثم سكت فسكتوا، وسأله عمر عن مسألته فأصدر لها جوابا، فقال: أمً والله يا أبا الحسن لقد أرادك الله للحق ولكن أبى قومك! فقال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: يا أبا حفص عليك من هنا ومن هنا " إن يوم الفصل كان ميقاتا " قال: فضرب عمر بإحدى يديه على الأخرى وخرج مربد اللون (أربد لونه: صار متغيرا وتعبس) كأنما ينظر في سواد. (7)

هذه قصص التاريخ التي تتحدث بصورة واضحة عن الحق وصاحبه والصحابة انفسهم يشهدون بالحق لعلي فعن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء أعرابيان إلى عمر يختصمان، فقال عمر يا أبا الحسن اقض بينهما، فقضى على أحدهما، فقال المقضي عليه: يا أمير المؤمنين هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر فأخذ بتلبيبه ولببه (لبب فلانا: أخذ بتلبيبه وجره) ثم قال: ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. (8)

 

واذاكان الصحابة بمثل هذه الحال من الاعتقاد بالولاية لامير المؤمنين علي بن ابي طالب فلماذا لم يتنازلوا له من اجل مصلحة الأمة؟ وربما هذه الرواية توضح سبب عزوف الصحابة عن تقديم الامام علي عليه السلام لولاية الامر! فعن القاضي الكبير أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد المغازلي يرفعه إلى حارثة بن زيد قال: شهدت إلى عمر بن الخطاب حجته في خلافته، فسمعته يقول: " اللهم قد تعلم جيئتي لبيتك وكنت مطلعا من سترك فلما رآني أمسك، فحفظت الكلام، فلما انقضى الحج وانصرف إلى المدينة تعمدت إلى الخلوة، فرأيته على راحلته وحده، فقلت له: يا أمير المؤمنين بالذي هو إليك أقرب من حبل الوريد إلا أخبرتني عما أريد أن أسألك عنه، فقال: اسأل عماشئت فقلت له: سمعتك يوم كذا وكذا، فكأني ألقمته حجرا، فقلت له: لا تغضب فوالذي أنقذني من الجهالة وأدخلني في هداية الاسلام ما أردت بسؤالي إلا وجه الله عز وجل، قال: فعند ذلك ضحك وقال: يا حارثة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وقد اشتد وجعه، فأحببت الخلوة معه، وكان عنده علي بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العباس، فجلست حتى نهض ابن العباس وبقيت أنا وعلي عليه السلام فبينت لرسول الله صلى الله عليه وآله ما أردت، فالتفت إلي وقال: يا عمر جئت لتسألني إلى من يصير هذا الامر من بعدي، فقلت: صدقت يا رسول الله، فقال: يا عمر هذا وصيي وخليفتي من بعدي، فقلت: صدقت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا خازن سري، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله ومن تقدم عليه فقد كذب بنبوتي، ثم أدناه فقبل بين عينيه، ثم أخذه فضمه إلى صدره، ثم قال: وليك الله ناصرك الله، والى الله من والاك وعادى من عاداك، وأنت وصيي وخليفتي في أمتي، وعلا بكاؤه وانهملت عيناه بالدموع حتى سالت على خديه، وخد علي بن أبي طالب عليه السلام على خده، فوالذي من عليّ بالاسلام لقد تمنيت تلك الساعة أن أكون مكان علي، ثم التفت إلي وقال: يا عمر إذا نكث الناكثون وقسط القاسطون ومرق المارقون قام هذا مقامي حتى يفتح الله عليه بخير وهو خير الفاتحين، قال حارثة: فتعاظمني ذلك وقلت: ويحك يا عمر فكيف تقدمتموه وقد سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: يا حارثة بأمر كان، فقلت له: من الله أم من رسوله صلى الله عليه وآله أم من علي عليه السلام؟ فقال: لابل الملك عقيم! والحق لعلي بن أبي طالب عليه السلام (9)

والاشد غرابة من كل ما وجدناه من اقوال وشهادات للصحابة هو موقف معاوية بن ابي سفيان من امير المؤمنين وهو اشد المعادين اليه لكن حين يجد الجد يعترف بتفوقه وتقدمه عليه فقد روي أن عليا عليه السلام كان في الرحبة، فقام إليه رجل فقال: أنا من رعيتك وأهل بلادك. قال عليه السلام: لست من رعيتي، ولا من أهل بلادي، ولكن ابن الأصفر (يقصد ملك الروم) بعث بمسائل إلى معاوية أقلقته وأرسلت إلي بها.

قال: صدقت يا أمير المؤمنين إن معاوية أرسلني إليك في خفية، وأنت قد اطلعت على ذلك ولا يعلمه غير الله.

فقال عليه السلام: سل أحد ابني هذين، أسأل ذا الوفرة يعني الحسن عليه السلام - فأتاه، فقال له الحسن عليه السلام: جئت تسأل كم بين الحق والباطل؟ وكم بين الأرض والسماء؟ وكم بين المشرق والمغرب؟ وما قوس قزح؟ وما المخنث؟ وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض؟ قال: نعم.

قال الحسن عليه السلام: بين الحق والباطل أربعة أصابع، ما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع باذنيك باطلا كثيرا، وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، وقزح اسم للشيطان، لا تقل: قوس قزح، هو قوس الله، وعلامة الخصب، وأمان لأهل الأرض من الغرق.

وأما المخنث فهو الذي لا يدرى أذكر هو أو أنثى، فإنه يُنتظر به، فإن كان ذكرا احتلم، وإن كان أنثى حاضت وبدا ثديها، وإلا قيل له: بل فان أصاب بوله الحائط فهو ذكر، وإن انتكص بوله على رجليه كما ينتكص بول البعير، فهو انثى.

وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض: فأشد شئ خلق الله: الحجر، وأشد منه الحديد، يقطع به الحجر، وأشد من الحديد: النار تذيب الحديد، وأشد من النار: الماء يطفئ النار، وأشد من الماء: السحاب يحمل الماء، وأشد من السحاب: الريح تحمل السحاب، وأشد من الريح: الملك الذي يردها، وأشد من الملك: ملك الموت [الذي يميت الملك]، وأشد من ملك الموت: الموت [الذي] يميت ملك الموت، وأشد من الموت: أمر الله [الذي] يدفع الموت (10)

واذا كان معاوية بن ابي سفيان وهو اشد عداوة للامام علي عليه السلام هو الشاهد على اعلميته فهذه هي الشهادة الصحيحة لان العرب قالوا (الفضل ماشهدت به الاعداء).

يقلم : طاهر باقر

------------------------------------------------------------------------------

 

الهوامش:

(1) كنز العمال (٣٢٩٧٧ )

(2) الخصال ٢: ١٧٤ و ١٧٥.

(3) كنز العمال ( 32979 )

(4) أمالي المفيد: 172. أمالي الطوسي: 42.

(5) أمالي الطوسي: 149.

(6) التوحيد للصدوق 328.

(7) الفضائل: ١٤٣. الروضة: 21.

(8) كشف الغمة: ٨٧.

(9) الروضة: 16

(10) العوالم: ١٦ / ١١٠ ح ٧، واثبات الهداة: ٤ / ٥٥٢ ح ٢٠٤

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك