شهدت الأيام القليلة الماضية ارتفاعا ملحوظا في حدة المعارك بين الجيش السوري وعناصر من "حزب الله من جهة، والفصائل المسلحة المنتشرة في ريف اللاذقية الشمالي، من جهة أخرى.
وعلى الرغم من التقدم البطيء للجيش السوري بسبب الطبيعة الجغرافية المعقدة للمنطقة (أصعب بيئات القتال في سوريا)، إلا أنه استطاع تحقيق إنجازات مهمة جدا منذ انطلاق معركة ريف اللاذقية الشمالي في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وتمكن الجيش وعناصر "الدفاع الوطني" و"حزب الله" خلال الأسابيع الماضية من السيطرة على مواقع للمعارضة، أهمها برج زاهية وقرى الزويك والدغمشلية ودير حنا وغمام بجبل التركمان، وبرج القصب وجبل النوبة وجبل غزالة وقرى دورين وكفر دلبا والجب الأحمر وأبو ريشة وعكو وبشرفة وعرافيت في جبل الأكراد.
كما تمكن الجيش خلال الأيام السابقة من السيطرة على رويسة قبيب المشرفة على عقدة طرق في خان الجوز القريبة من أوتوستراد حلب ـ اللاذقية، وتكمن أهمية رويسة قبيب أيضا في موقعها، جنوب شرق برج القصب الاستراتيجي الذي يكشف الطرق الواصلة بين جبلي التركمان والأكراد على السواء.
معارك الريف الشمالي تنتشر على محورين رئيسيين:
1ـ المنطقة الحدودية مع تركيا في أقصى الشمال، ويشكل جبل التركمان عنوان الصراع في هذه المنطقة.
2ـ المنطقة المتاخمة لمحافظة إدلب في الشمال الشرقي لريف اللاذقية، ويشكل جبل الأكراد عنوان الصراع في هذه المنطقة.
تشهد هاتان المنطقتان معارك كر وفر مستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر، في وقت رفع الجيش السوري من حدة القصف على هذه المناطق ضمن خططه من أجل تسهيل عملية الاقتحام .
الخطوة المقبلة للجيش السوري ستكون استكمال السيطرة على جبل التركمان والسيطرة على المناطق الواقعة شرق جبل الأكراد، والمنطقة الأخيرة تعتبر الأكثر صعوبة بسبب ملاصقتها لإدلب وتمركز مسلحي المعارضة فيها لاسيما في مدينة سلمى التي تشكل المعبر الرئيسي بين محافظتي اللاذقية وإدلب.
والمفارقة أن الفصائل المسلحة لم تول أهمية كبيرة لهذه المنطقة على عكس ريف حلب الجنوبي، ما يوضح البعد الإقليمي في الصراع، ذلك أن حلب تشكل اهتماما للدول الإقليمية أكثر من اللاذقية التي تعتبر من الناحية الاستراتيجية ملحقة بالجيش السوري.
ولذلك أعلن "فيلق الشام" الأحد الماضي في بيان رسمي انسحابه من غرفة عمليات "جيش الفتح" لأسباب أرجعها إلى إتاحة المجال لقواته للتفرغ لصد هجمات الجيش السوري وداعميه في ريفي حلب الجنوبي والشمالي.
وكان تصريح أحد قيادات "الفرقة الشمالية" النقيب عبد الكريم اليحيى واضحا، حين قال إن قرار انسحاب "فيلق الشام" يعود لأسباب عدة بينها الضغط الخارجي الذي تعرضت له بعض الفصائل من قبل بعض الدول الداعمة لها.
ويبدو من سياق المعارك أن الفصائل المسلحة في إدلب تضع ثقلها على المعارك الحدودية بين محافظتي إدلب واللاذقية، فضلا عن ريف حلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، وكأنها مسلمة مسبقا بنتائج معارك اللاذقية لصالح الجيش السوري.
أما بالنسبة لدمشق فليس معروفا إلى الآن حدود ومدى العملية العسكرية؟ هل سيتم الاكتفاء بمحافظة اللاذقية؟ أم التقدم نحو المعركة الكبرى (إدلب).
لدمشق أهداف سياسية كبيرة من معارك الريف الشمالي للاذقية، ، فخروج الريف الشمالي من الصراع العسكري يشكل ضربة قوية لجهود تركيا في إقامة منطقة آمنة، كما يشكل ضربة أخرى لها كون جبل التركمان يسكنه تركمان، الامتداد القومي للأتراك في سوريا.
أما بالنسبة للجيش السوري، فإن خروج ريف اللاذقية الشمالي من الصراع يعني الانتقال مباشرة إلى معركة إدلب التي تشكل جوهر الصراع الإقليمي ـ الدولي في الشمال الغربي لسوريا، ومن دون استرجاع محافظة إدلب، ستظل هذه المنطقة في حالة كر وفر، كما تحاول الحكومة السورية استرجاع اللاذقية بالكامل قبيل انطلاق مفاوضات التسوية في "جنيف 3" المتوقع عقدها نهاية الشهر الجاري.
حسين محمد
https://telegram.me/buratha